إعادة قراءة في اعتصام "الأردنية"
لا يزال اعتصام طلبة الجامعة الأردنية شاغلا لمساحات واسعة بين أعمدة الرأي وكتاب مقالات الصحف اليومية، بعد أكثر من أسبوعين، وسط تبادل الاتهامات بين إدارة الجامعة والمعتصمين، وتباين الآراء في دوافعه وتداعياته.
الكاتب ماجد توبة، يعرب عن استغرابه و"استهجانه" من القفز إلى اتهام الطلبة المعتصمين، بتنفيذ "أجندات سياسية وخارجية"، التي يصفها بـ"الدعوى المتهافتة وغير المتماسكة"، ومحاولة للقفز إلى الأمام هروبا من مواجهة المشكلة، بعد سعيها إلى رمي الكرة في ملعب مجلس أمناء الجامعة، باعتباره صاحب القرار برفع أو تعديل الرسوم الجامعية.
ويضيف توبة، أن هذه الاتهامات المعلبة والجاهزة، باتت من مخلفات الماضي، ولم تعد تنطلي على الرأي العام، الذي يعاني مثل طلبة الجامعات من ارتفاع رسوم الدراسة الجامعية بصورة فلكية، سواء على مستوى الدراسة ضمن البرنامج التنافسي العادي، أو الموازي والدراسات العليا.
وتتمثل المشكلة اليوم، بحسب الكاتب، بمحاولات خلط المفاهيم والحقائق، لتمرير سياسة أو قرار ما، أو الدفاع عنه، تماما كما هي الحال مع قرار رفع رسوم الدراسة الجامعية، حيث تحاول إدارة الجامعة ومؤيدوها الإيحاء بأن طلبة الجامعة المعتصمين يمارسون عملا سياسيا أو حزبيا باحتجاجهم المشروع عبر الاعتصام المطلبي والحقوقي.
فـ"المطالبة بالتراجع عن قرار رفع الرسوم الجامعية وتحسين شروط التعليم العالي، هي مطالبة لا علاقة لها بممارسة العمل السياسي أو الحزبي، فالعمل السياسي والحزبي يهدف إلى الوصول إلى السلطة، أو نقد أدائها وتحسين سياساتها العامة".
ويؤكد توبة أن على الحكومة وإدارة الجامعة "النزول عن الشجرة، والذهاب، بدلا من توزيع التهم والتصريحات غير المنطقية، والمستفزة للوجدان العام، إلى التراجع عن قرار رفع الرسوم".
ويصف الكاتب حسين الرواشدة، مواقف إدارة الجامعة ومجلس أمنائها تجاه الاعتصام بـ"المرتبكة"، بدلا من أن يبادر المجلس إلى اعتماد منطق الحوار والتفاهم امتثالا للحكمة "التي يفترض أن يعلمها الاساتذة الكبار لتلاميذهم".
وبالمقابل، يلفت الرواشدة إلى الحكمة التي بات التلاميذ يعطون دروسا بها، من خلال تمسكهم بحقوقهم وحقوق زملائهم القادمين، وإصرارهم على إبقاء اعتصاماتهم في مربع “التعليم “ لا في مربع “السياسة” ومنع توظيفها لحساب أية جهة، ثم مخاطيتهم للحاكم الإداري لتأكيد “سلمية” اعتصاماتهم والتزامها بالقانون وحرم الجامعة.
ومن المفارقات التي يسجلها الكاتب في هذا الحدث، أن يكون رئيس مجلس أمناء الجامعة التي قررت رفع الرسوم هو ذاته رئيس جامعة اليرموك التي شهدت أوسع موجة من الاحتجاجات لأسباب مشابهة قبل أكثر من ثلاثين عاما.
أما الكاتب محمد أبو رمان، فيرى أن ثمة أكثر من قراءة مطلوبة للاعتصام، حيث من الخطأ الفادح أن تقتصر رؤية الحكومات لما يحدث بوصفه "أزمة داخل" الجامعة الأردنية، وتُترك الدلالات المهمة والخطيرة التي ترسل "إنذاراً شديد" اللهجة للمسؤولين حول الوضع الاقتصادي الاجتماعي في البلاد.
ويشير أبو رمان إلى أن الاحتجاجات الحالية في الجامعة الأردنية تدفع إلى إعادة تقييم وقراءة الحالة الشعبية أو المزاج العام للمجتمع تحت ضغط الظروف الاقتصادية القاسية، ليس فقط مع تخلّي الدولة عن أدوارها الاجتماعية والاقتصادية عموماً، تجاه الطبقات العامة.
و"الإنذار يقول إنّ المواطن لم يعد يحتمل، وإنّ التفكير دوماً بجيبه ليس إنجازاً عظيماً يسجل لرئيس الوزراء الحالي! وذلك بالرغم من إدراك المواطن الأردني لأهمية الاستقرار السياسي والأمني، والشعور بالقلق والرعب مما يحدث في المنطقة".
ويستذكر الكاتب مذكّرة لـ"مجلس الشؤون الخارجية" الأمريكي منذ العام 2013، حول "عوامل عدم الاستقرار السياسي" المحتملة في الأردن، والتي ذُكرت عوامل داخلية مرتبطة بالحرمان الاجتماعي والانطباع بوجود الفساد وبطء مشروع الإصلاح السياسي والخصخصة الاقتصادية، بما أثّر على القاعدة الاجتماعية للدولة.
فعلى مسؤولي الدولة إعادة النظر في تبنّي ما روّجه رئيس الوزراء عبد الله النسور، بأنّه يستطيع تمرير رفع الأسعار، مع تحمل المسؤولية كاملة شخصياً، وبكلف أمنية وسياسية محدودة. فذلك ليس نجاحاً، ولا يحتاج إلا لرئيس وزراء يغلق أذنيه ولا يسمع لصوت الشارع ولا للأغلبية المتأذية من الحالة الاقتصادية، يقول أبو رمان.
أما الكاتب فهد الخيطان، فيؤكد أن خيار القبول الجامعي عبر برنامج الموازي كان يمثل "طوق النجاة" الذي يبقي الجامعات الرسمية على قيد الحياة، إلا أنه يشير في الوقت نفسه، إلى أن إدارات الجامعات أفرطت في استغلاله مع انعدام الخيارات الأخرى؛ فتوسعت في القبول على أساسه، ليصبح قوام الجامعات من الطلبة مناصفة بين "العادي" و"الموازي".
ومع استمرار مسار التدهور، "لم يكن أمام إدارات الجامعات سوى رفع قيمة رسوم "الموازي" بعد أن استنفدت طاقتها الاستيعابية، وأخذت بطريقها برامج الدراسات العليا "الماجستير" على أمل سد الفجوة المتنامية في الميزانية، بحسب الخيطان.
ويخلص الكاتب إلى أن أزمة التعليم الجامعي تتدحرج وتكبر مثل كرة الثلج منذ عقد من الزمن، ولم نفلح في احتوائها، وهي اليوم تبلغ ذروتها بالتصعيد الجاري في "الأردنية"، والأرجح أن أحدا لن يقف أمام لب المشكلة، وسيداورها من أطرافها للخروج من المأزق ليس إلا.
الاعتصام ورئاسة الجامعة
يدعو الكاتب إبراهيم القيسي، إلى وقفة أخرى لفهم ما يجري ضد الجامعة الأردنية ورئيسها، "والاعتصام الموقوت على وقع انتهاء المدة القانونية لرئيسها، والتجديد أو التمديد له، والتجييش الذميم الذي يجري تعاميا أو صمتا عن أصوات تطالب بتهميش كل الأردن، وإبقاء التعليم لعمان وأبنائها بل وجعله شبه مجاني"
ويلفت القيسي إلى أن من يحمل شعارات "مجانية التعليم"، يهدفون لعدم التجديد لرئيس الجامعة، وليس من أجل التعليم ومجانيته، "فهم يعلمون بأنهم ينتهكون العدالة والتنافس بين الأردنيين على المقاعد الجامعية، ويتجاهلون وجود جامعات شبه فارغة في الجنوب".
أما الكاتب فهد الفانك، فيرى أن الحكومة لا ترغب الحكومة في التدخل في النزاع بين الجامعة الأردنية وطلبة الدراسات العليا والموازي لأن الطريقة الوحيدة للتدخل الحكومي هي أن تتحمل الفرق وتقدم دعماً إضافياً للجامعة، وهو ما لا تسمح به أوضاع الموازنة العامة التي تشكو من العجز.
كما "لا يرغب النواب في التدخل في هذا النزاع لأنهم لا يريدون الوقوف إلى جانب إدارة الجامعة، حرصاً على شعبيتهم، ولا الوقوف إلى جانب المعتصمين دون أن يكون لديهم وسيلة بديلة لتعويض الجامعة وسد عجزها المتزايد".
ويؤكد الفانك وقوفه إلى جانب إدارة الجامعة التي "يجب أن تدار من قبل رئيسها ومجلس أمنائها، وليس من قبل طلابها أو عن طريق "زمرة ذبحتونا" برفع الصوت وإطلاق الشعارات وأساليب الضغط دفاعاً عن مصالحهم الخاصة في وجه المؤسسة".
ويضيف الكاتب "التعليم الإلزامي يكون مجاناً على حساب الدولة. هذا أمر مفروغ منه ، ولكن الدراسات العليا ليست من التعليم الإلزامي بل هي استثمار هدفه الحصول على عائد أكبر بعد التخرج ودخول سوق العمل".
أما "نظام القبول الموازي هو استثناء سيء ، يفتح الباب لدخول من لم ينجح في المنافسة الحرة ، والاستثناء له ثمن يتمثل بقسط مرتفع ، هذا النظام غير مقبول منطقياً ويلحق الضرر بالمجتمع ، لأنه يسمح لطالب أقل ذكاء أن يصبح طبيباً أو مهندساً (نصف كم) على حساب غيره الأكثر تأهيلا".
"تبقى مشكلة الطالب الفقير والمتميز الذي يستحق التعليم ولكنه غير قادر على دفع القسط. والحل يكمن في العمل بأجـر في الجامعة أو خارجها ، أو الاقتراض من صندوق خاص ، على أن يسدد دينه بعد التخرج"، يقول الفانك.