أردنيّات وسوريّات... أيادٍ ناعمة تحترف السباكة
سلط موقع المونتيور الضوء على عمل المرأة الأردنية والسورية في مهنة السباكة، وكسر احتكار هذه المهنة من قبل الرجال,
اذ كسرت سيّدات أردنيّات وسوريّات نظرة المجتمع السلبيّة إلى عمل المرأة، واقتحمن مهنة السباكة من أوسع أبوابها بعدما كانت حكراً على الرجال فقط.
ففي مدينة إربد (100 كيلومتر شمال عمان)، ارتدت خمس سيّدات أردنيّات وسوريّات البدلة الزرقاء عام 20166 المركز الحرفيّ النسائيّ الأوّل للسباكة في مجتمع محافظ ما زالت تسيطر عليه العادات والتقاليد الرافضة لعمل المرأة، سعياً إلى توفير دخل إلى عائلاتهنّ بعدما أتت الحرب الدائرة في سوريا منذ عام 2011 على مدّخرات عائلاتهنّ التي فرّت إلى الأردن.
صفاء سكّريّة (30 عاماً) القادمة من أتون الحرب في سوريا، استقرّت في عام 2013 في إربد في الأردن، تاركة وراءها مصدر دخلها الوحيد وهو محلّ للإكسسوارات في دمشق، لتجد نفسها من دون عمل أو دخل في الأردن، وتبدأ رحلة البحث عن مجال عمل جديد يعيل أسرتها المكوّنة من 3 أطفال.
بدأت قصّتها مع مهنة السباكة كما تروي لـ"المونتيور" بعدما التحقت بدورة تدريبيّة كمنحة مقدّمة من الوكالة الألمانيّة للتعاون الدوليّ بالشراكة مع مركز حكما للتدريب المهنيّ في عام 20155، لتبدأ العمل في الميدان بعد شهرين، معلنة اقتحام المرأة مجالاً جديداً.
لكنّ طريقها لم يكن معبّداً بالأزهار، حيث تقول: "لم يتقبّل المجتمع في بداية الأمر عمل المرأة في هذه المهنة، لكن مع مرور الوقت، بدأ يتفهّم وجود ورشة نسائيّة تخدم السيّدات اللواتي يسكنّ وحيدات، وخصوصاً السوريّات ممّن فقدن أزواجهنّ في الحرب".
تشير إحصاءات للمفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين إلى وجود 145 ألف عائلة سوريّة لاجئة في دول الجوار السوريّ، تترأّس النساء ما يعادل عائلة من بين أربع عائلات، ويخضن بمفردهنّ كفاحاً من أجل البقاء على قيد الحياة بعد فقدان أزواجهنّ في الحرب، أو بسبب عدم تمكّنهم من الالتحاق بهنّ، ويشكّل نقص المال الصعوبة الأولى أمام اللاجئات.
ويبيّن إحصاء حديث للمفوّضيّة نشر في 2017 وحصل "المونوتيور" على نسخة منه، أنّ النساء يشكّلن ما نسبته 50,6% من اللاجئين المسجّلين رسميّاً لدى المفوّضيّة حتّى عام 2017، بما مجموعه 332 ألف سيّدة من أصل 656,913 لاجئ، غالبيّتهنّ في سنّ الشباب.
تقول المفوّضيّة في تقرير لها أصدرته في عام 2014 أنّ "أكثر من 145 ألف عائلة سوريّة لاجئة في مصر، ولبنان، والعراق والأردن، ترأسها نساء يخضن بمفردهنّ كفاحاً من أجل البقاء على قيد الحياة".
وبحسب سكّريّة، "تكافح السيّدات اللواتي يعملن في هذه المهنة من أجل قوتهنّ اليوميّ، ولسداد أجرة منازلهنّ، وشراء المستلزمات الشخصيّة الأساسيّة، بعدما فقدن أزواجهنّ في الحرب". وإلى جانب سكّريّة، تعمل سوريّة وثلاث أردنيّات في الورشة التي تعتبر مصدر دخلهنّ الوحيد.
خولة الشيخ (52عاماً)، دخلت مهنة السباكة كالأردنيّة الأولى التي تقوم بذلك في عام 2004، بعدما التحقت هي و16 سيّدة بدورة تدريبيّة في مؤسّسة التدريب المهنيّ بدعم من الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة، إلّا أنّها الوحيدة التي عملت بعد الدورة في الميدان متحدّية نظرة المجتمع، وبرّرت لـ"المونيتور" أهميّة وجود النساء في هذا القطاع باعتبارها أنّ "هذه المهنة في حاجة إلى المرأة أكثر من الرجل، كون مجتمعاتنا الشرقيّة لا تسمح بدخول رجل غريب إلى المنزل أثناء غياب الرجل".
تضيف: "لم يتقبّل المجتمع في البداية وجود امرأة في هذا العمل، لكنّ الوضع مختلف الآن، أصبح هنالك طلب على السبّاكات السيّدات من قبل الزبائن، وباتت هذه المهنة تدرّ دخلاً جيّداً".
بعد نجاح تجربتها، أسّست الشيخ جمعيّة لتدريب النساء الأردنيّات على السباكة أطلقت عليها اسم "جمعيّة السباكة والطاقة التعاونيّة" في عمان، وتضمّ 19 سيّدة من جنسيّات مختلفة يحملن شهادات مزاولة المهنة.
ويعتبر العمل في مهنة السباكة بالنسبة إلى الأردنيّات اجتماعيّاً أكثر تعقيداً، بسبب التركيبة العشائريّة للأردن التي ما زالت تنظر إلى عمل المرأة بصورة سلبيّة، على الرغم من الظروف الاقتصاديّة للمملكة، وتراجع مساهمة المرأة الأردنيّة في سوق العمل.
وأظهرت نتائج التعداد العامّ للسكّان والمساكن الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامّة في عام 2016 تراجع معدّلات مشاركة المرأة الأردنيّة الاقتصاديّة في سوق العمل خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ سجّل عام 2016 ما نسبته 13,4%، في حين سجّل عام 20177 ما نسبته 14,7%، بينما بيّنت النتائج أنّ الأردنيّات يبدأن بالانسحاب من سوق العمل في عمر الـ30 عاماً، على الرغم من مستويات التعليم العالية لديهنّ.
يعتقد رئيس مركز الفنيق للدراسات الاقتصاديّة والمعلوماتيّة أحمد عوض أنّ "العوامل الثقافيّة والمجتمعيّة هي الأقلّ تأثيراً على عمل المرأة، ويقول لـ"المونتيور" إنّ "ورقة تقدير موقف أعدّها المركز في عام 20166 بيّنت أنّ شروط العمل غير اللائقة للمرأة كانت التحدّي الأكبر أمامها، كصعوبة التنقّل وعدم توافر حماية اجتماعيّة، وعدم توافر حضانات على الرغم من أنّ المادّة 72 من قانون العمل الأردنيّ يجبر المؤسّسات على توفير حضانات للسيّدات العاملات".
ويضيف عوض أنّ ذلك إضافة إلى "تدنّي أجور النساء مقارنة مع الرجال، فحسب أرقام صادرة عن دائرة الإحصاءات العامّة، بلغ متوسّط أجور العاملين الشهريّ في القطاع العامّ 412 ديناراً، وفي القطاع الخاصّ 338 ديناراً، بفجوة لصالح الذكور قدرها 63 ديناراً و699 ديناراً شهريّاً على التوالي".
تحاول المرأة في الأردن، كسر الحائط الذي بناه المجتمع بينها وبين مهن احتكرها الرجال لسنوات طويلة. وعلى الرغم من بروز حالات فرديّة، تبقى مساهمة المرأة الأردنيّة الأقلّ عالميّاً في المشاركة الاقتصاديّة، فحسب دراسة أجراها منتدى الاستراتيجيّات الأردنيّ (مؤسّسة حكوميّة) في عام 2016، احتلّت المملكة المرتبة 134 من أصل 1422 دولة في ترتيب المشاركة الاقتصاديّة للمرأة.