تأثير جائحة كورونا على التغييرات الهرمونية لدى النساء

الرابط المختصر

منذ بداية جائحة كورونا (COVID-19) في أواخر عام 2019، تأثر النظام الصحي العالمي بشكل كبير، ولم يقتصر تأثير الفيروس على الجهاز التنفسي فقط، بل امتد ليشمل تأثيرات نفسية وجسدية على مختلف الفئات السكانية، بما في ذلك النساء. إحدى القضايا المثيرة للاهتمام التي برزت خلال الجائحة هي التغييرات الهرمونية التي تعرضت لها النساء، سواء كنتيجة مباشرة للفيروس أو بسبب التغيرات النفسية والاجتماعية التي واكبت هذه الفترة وحسب الدراسات العلمية التي تم نشرها سابقاً.

تتحدث العديد من الدراسات عن تأثير الجائحة على الدورة الشهرية لدى النساء، ففي دراسة بعنوان "Menstrual cycle changes after COVID-19 infection: Does coronavirus-induced stress lead to   hormonal change?"   تمت مناقشة كيف أثرت الضغوط النفسية الناجمة عن الجائحة على التوازن الهرموني عند النساء، مما أدى إلى تغييرات في أنماط الدورة الشهرية. تزايد الإجهاد النفسي أدى إلى زيادة حالات عدم انتظام الدورة الشهرية وتأخرها.

 

أظهرت الدراسة "Chronic stress and ovulatory dysfunction: implications in times of COVID-19"  أن الإجهاد المزمن الناجم عن الظروف الاستثنائية التي صاحبت جائحة كورونا، مثل الخوف من العدوى والعزلة الاجتماعية وعدم اليقين الاقتصادي، قد ساهم بشكل كبير في اضطرابات الإباضة لدى العديد من النساء، حيث أن الإباضة هي عملية حساسة تعتمد على توازن دقيق بين العديد من الهرمونات مثل هرمون الإستروجين والبروجسترون، والتي يمكن أن تتأثر بشكل كبير بالتوتر المستمر، فعندما يتعرض الجسم للتوتر المزمن، يتم تحفيز الجهاز العصبي المركزي لإفراز مستويات عالية من هرمون الكورتيزول، وهو هرمون الإجهاد الرئيسي، وهذا الارتفاع المستمر في الكورتيزول يمكن أن يؤدي إلى تعطيل التوازن الطبيعي للهرمونات الجنسية التي تنظم الدورة الشهرية، وتشمل التأثيرات الشائعة للتوتر المزمن أولاً تأخير الإباضة أو توقفها وذلك من خلال الإجهاد إلى تأخير إفراز هرمون الإباضة (LH) من الغدة النخامية، مما يعوق عملية التبويض. ثانياً، انخفاض هرمون الإستروجين والبروجسترون هذه الهرمونات هي المسؤولة عن تحضير الرحم للحمل، وانخفاض مستوياتها قد يؤدي إلى ضعف الخصوبة أو عدم انتظام الدورة الشهرية. وأخيراً، ارتفاع مستوى البرولاكتين، فالإجهاد المزمن يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع هرمون البرولاكتين، والذي يؤثر سلبًا على الإباضة وقد يسبب انقطاع الحيض أو فترات حيض غير منتظمة.

تذكر سارة، امرأة في الثلاثينات من عمرها، كانت تعمل كمعلمة في مدرسة ابتدائية. خلال فترة الجائحة، اضطرت إلى العمل عن بُعد وإدارة منزلها وأطفالها، مما تسبب لها في ضغط نفسي كبير. لاحظت سارة أن دورتها الشهرية أصبحت غير منتظمة وأنها تعاني من أعراض جسدية جديدة مثل الانتفاخ والتعب المزمن. بعد زيارة طبيبها، تم تشخيصها بأنها تعاني من اضطرابات في الإباضة بسبب التوتر المزمن، وتمت إحالتها إلى استشارة نفسية للتعامل مع التوتر.

أشارت دراسة نشرت في "Post-COVID-19 menstrual abnormalities and infertility: Repercussions of the pandemic"  إلى أن التغيرات الهرمونية التي تعرضت لها النساء المصابات بفيروس COVID-19 قد أثرت سلبًا على الخصوبة لدى بعضهن. تم توثيق حالات عدم انتظام الدورة الشهرية والآثار طويلة الأمد على القدرة الإنجابية.

تذكر ريم، امرأة في الأربعينات، كانت تعمل في قطاع الرعاية الصحية أثناء جائحة كورونا. مع التحديات الكبيرة في العمل والضغط النفسي المتزايد، لاحظت أن دوراتها الشهرية أصبحت غير منتظمة وأنها تعاني من أعراض غير مألوفة مثل الصداع المستمر والتهيج. أظهر فحص الهرمونات لديها أن مستويات الكورتيزول مرتفعة بشكل ملحوظ، مما أثر على توازن الهرمونات الجنسية.

في سياق آخر، تطرقت دراسة بعنوان "How lifestyle changes during the COVID-19 global pandemic affected the pattern and symptoms of the menstrual cycle" إلى كيف أثرت التغييرات التي طرأت على نمط الحياة مثل الإغلاق الصحي والانعزال الاجتماعي على الأعراض المرتبطة بالدورة الشهرية لدى النساء، وترافق ذلك مع تغييرات في مستويات النشاط البدني والنظام الغذائي، مما ساهم في تغيير توازن الهرمونات.

تؤكد الدكتورة ميغان روسي، وهي خبيرة في التغذية والصحة العامة ولها شهرة واسعة في مجال العناية بالصحة المعوية وتوازن النظام الغذائي. على الرغم من أنها لم تتحدث بشكل مباشر عن التغيرات في الدورة الشهرية المرتبطة بجائحة كورونا، إلا أن ميغان روسي تركز على أهمية النظام الغذائي المتوازن والنشاط البدني في الحفاظ على الصحة العامة، بما في ذلك التوازن الهرموني.

ميغان روسي تحدثت مرارًا عن العلاقة بين نمط الحياة والنظام الغذائي والصحة الهرمونية، موضحة أن التغييرات في النظام الغذائي والنشاط البدني، خاصة أثناء فترات الضغوط النفسية مثل فترة الجائحة، يمكن أن تؤدي إلى تغيرات كبيرة في وظائف الجسم، بما في ذلك التوازن الهرموني. عندما يتعرض الجسم للضغوط، فإن التوازن الهرموني قد يتأثر بسبب تغييرات في النظام الغذائي (مثل زيادة تناول الأطعمة غير الصحية أو قلة الحركة) مما يؤثر على دورة النوم، مستويات الطاقة، وإفراز الهرمونات. 

"تغيرت أشكال البويضات لدى النساء اللواتي تلقين لقاح كورونا"، هذا ما ذكرته ربى طبري، أخصائية أطفال أنابيب وحقن مجهري، خلال بودكاست وبرنامج جوكاست.

وأوضحت أنه رغم التغييرات التي طرأت على شكل البويضة والنتوءات التي نلاحظها كمختصين، إلا أننا حتى الآن لم نرَ أي تأثير على صحة النساء، والأحمال تسير بشكل طبيعي. ولكن يبقى شكل البويضة جديداً مقارنة بالسابق لدى النساء الحوامل خلال فترة تلقي اللقاحات الأخيرة.

توضح هذه الدراسات أن التغيرات الهرمونية لدى النساء كانت أحد الآثار الجانبية للجائحة، سواء كنتيجة مباشرة للإصابة بالفيروس أو بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية المصاحبة لها، وهذه النتائج تدعو إلى مزيد من البحث لفهم الآثار الطويلة الأمد لهذه التغيرات الهرمونية على الصحة الإنجابية والنفسية للنساء.

يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستنمائي UNTF.