أدت جائحة كوفيد-19 إلى تأثيرات عميقة على أسواق العمل حول العالم، وكانت النساء في الدول العربية من بين الفئات الأكثر تضررًا. في الأردن، الذي يشهد بالفعل أدنى معدل مشاركة نسائية في القوى العاملة في العالم العربي، تفاقمت المشكلات المتعلقة بتوظيف النساء مع انتشار الجائحة. قبل تفشي الوباء، كانت مشاركة النساء في سوق العمل الأردني تقل عن 15%، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالمعدلات الإقليمية والعالمية. على الرغم من التقدم الكبير في التعليم، حيث تعتبر النساء الأردنيات من بين الفئات الأكثر تعليمًا في المنطقة، إلا أن العوائق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية كانت تحول دون مشاركتهن الفعالة في سوق العمل (Jordan Times, 2023؛ Middle East Institute, 2021).
ومع بدء الجائحة، واجهت النساء تحديات إضافية دفعت الكثيرات منهن إلى ترك وظائفهن أو عدم القدرة على مواصلة العمل. كانت القطاعات الأكثر تضررًا من الإغلاقات مثل الضيافة والتعليم والتجزئة تعتمد إلى حد كبير على العمالة النسائية، مما جعل النساء أكثر عرضة لفقدان الوظائف مقارنة بالرجال. إضافة إلى ذلك، أدى إغلاق المدارس ودور الحضانة إلى تحميل النساء مسؤوليات إضافية تتعلق برعاية الأطفال، مما صعّب عليهن البقاء في وظائفهن أو حتى البحث عن وظائف جديدة (UN Women, 2022؛ Jordan Times, 2021).
وبالرغم من أن بعض النساء تمكنَّ من الاستفادة من فرص العمل عن بعد، إلا أن هذا الحل لم يكن فعالًا بالنسبة للجميع. فبينما تمكنت النساء المتعلمات واللواتي لديهن وصول إلى التكنولوجيا من مواصلة العمل من المنزل، إلا أن الكثير من النساء العاملات في القطاع غير الرسمي، أو اللواتي يفتقرن إلى البنية التحتية التكنولوجية، وجدن أنفسهن مضطرات للخروج من سوق العمل تمامًا (Jordan Times, 2023). لقد أبرزت الجائحة فجوات كبيرة بين الجنسين في الوصول إلى العمل والموارد، حيث عانت النساء من نقص الحماية القانونية والاجتماعية، مما جعلهن عرضة لفقدان العمل دون وجود بدائل مناسبة.
كما لعبت الضغوط الاجتماعية والثقافية دورًا كبيرًا في انسحاب النساء من سوق العمل. في العديد من المجتمعات العربية، بما في ذلك الأردن، تُتوقع من النساء إعطاء الأولوية لدورهن في الأسرة على حساب العمل. وقد فاقمت الجائحة هذه التوقعات، حيث واجهت النساء صعوبة في التوفيق بين أدوارهن كأمهات وعاملات في ظل غياب الدعم المناسب من المؤسسات الحكومية أو الخاصة. هذا الأمر أدى إلى تفاقم عدم المساواة في الفرص الاقتصادية، مما دفع الكثير من النساء إلى العزوف عن مواصلة العمل (UN Women, 2022).
العواقب الاقتصادية والاجتماعية لهذا الانسحاب كانت هائلة. فقد أدى خروج النساء من سوق العمل إلى زيادة الفجوة بين الجنسين في المشاركة الاقتصادية، ورفع معدلات الفقر، خصوصًا بين الأسر التي تعيلها النساء. كما أن انخفاض مستويات الدخل الإجمالي للعائلات نتيجة انسحاب النساء من العمل أدى إلى آثار سلبية على الاقتصاد الوطني ككل، حيث أصبح من الصعب على العديد من الأسر تلبية احتياجاتها الأساسية في ظل الانكماش الاقتصادي الناتج عن الجائحة (Middle East Institute, 2021).
أدى هذا الانسحاب أيضًا إلى تراجع بعض المكاسب التي تحققت في العقود الأخيرة فيما يتعلق بتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين. فمع انسحاب النساء من سوق العمل، تقلصت قدراتهن على تحقيق الاستقلال المالي، وزادت الفجوة في الأجور وفرص التوظيف بين الجنسين. ولعل أحد أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الأزمة هو ضرورة تبني سياسات تدعم مشاركة النساء في سوق العمل من خلال تعزيز المرونة في العمل وتوفير الدعم الضروري مثل خدمات رعاية الأطفال والنقل العام الآمن (Jordan Times, 2021؛ UN Women, 2022).
في ظل جائحة كوفيد-19، عانت العديد من النساء في الأردن من تداعيات اقتصادية واجتماعية جسيمة دفعت الكثيرات إلى ترك سوق العمل. إحدى الحالات الواقعية هي حالة "نوال"، التي كانت تعمل في قطاع الضيافة قبل أن يُجبر الفندق الذي تعمل فيه على الإغلاق بسبب الجائحة. نوال تحدثت عن التحديات الكبيرة التي واجهتها بعد فقدان وظيفتها، حيث لم تتمكن من إيجاد وظيفة بديلة بسبب الانخفاض الحاد في الفرص المتاحة في قطاع الضيافة، بالإضافة إلى الأعباء الإضافية المتعلقة برعاية أطفالها التي زادت مع إغلاق المدارس (Jordan Times, 2022).
حالة أخرى هي "سعاد"، التي كانت تدير مشروعًا صغيرًا لصناعة الحرف اليدوية في منزلها. بسبب القيود المفروضة أثناء الجائحة، فقدت سعاد القدرة على الوصول إلى الأسواق والموردين، مما أدى إلى إغلاق مشروعها بشكل مؤقت. لم تتمكن من العودة إلى العمل نظرًا لزيادة تكاليف الإنتاج وتراجع الطلب على منتجاتها بسبب الأزمة الاقتصادية التي رافقت الجائحة (UN Women, 2022).
هاتان الحالتان تعكسان واقع النساء في الأردن خلال الجائحة، حيث أدى فقدان الوظائف وانعدام الفرص الاقتصادية إلى انسحاب العديد منهن من سوق العمل، مما زاد من عبء المسؤوليات المنزلية وقلل من استقلاليتهن المالية.
بشكل عام، أسفرت جائحة كوفيد-19 عن تسريع انسحاب النساء من سوق العمل الأردني والعربي، وهو ما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل الحكومات والمؤسسات الدولية لتوفير الدعم اللازم لعودة النساء إلى سوق العمل. من المهم تطوير سياسات تعزز المساواة بين الجنسين وتوفر بيئة عمل مرنة وآمنة للنساء، مما يمكنهن من تحقيق التوازن بين مسؤولياتهن الأسرية والمهنية، والمساهمة بشكل فعال في النمو الاقتصادي المستدام.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستنمائي UNTF.