جائحة كورونا.. بين فقدان العمل وولادة فرص جديدة للنساء
في أحد مصانع الحياكة بمحافظة جرش، كانت لبنى (28 عاماً) تعمل بجد واجتهاد، تتقاضى راتباً شهرياً مقداره 240 ديناراً، غير أن حياتها تغيرت للأسوأ مع تفشي جائحة كورونا.
أصيبت لبنى بالفيروس، ما اضطرها للغياب عن العمل لمدة أسبوع كامل، وبعد شفائها جزئياً احتاجت أن تبقى في منزلها حتى لا تنقل العدوى لزميلاتها، إلا أنها وجدت مديرها يُصر على عودتها الفورية، مهدداً إياها بفقدان وظيفتها إذا لم تستجب.
تقول لبنى في حديثها لـ"صوت شبابي" إنه حينها دخلت في نقاش حاد مع المدير، ولم تجد منه أي تعاطف أو تفهم لظروفها الصحية وأخبرها أنه ليس لديها سوى العودة للعمل وإلا فقدته، واضطرت إلى ترك العمل حفاظاً على صحتها.
توضح أن ما حدث لها خلال جائحة كورونا ترك في نفسها أثر يجعلها لا تفكر بالعودة إلى العمل مرة أخرى في أي مصنع، خوفاً من تكرار التجربة السيئة التي مرت بها، واليوم تجلس لبنى عاطلة عن العمل تحمل في قلبها مرارة ما تعرضت له.
ومن قلب الأغوار الشمالية، حيث تلتقي الأرض السمراء بسماء أزرق صاف، كانت نسرين (40 عاماً) تعمل لسنوات طويلة في إحدى المزارع تحت شمس الأغوار الحارقة سبع ساعات يومياً، مقابل أجر زهيد لا يُجاوز العشرة دنانير.
ومع تفشي جائحة كورونا تغير كل شيء، انخفض أجر نسرين إلى سبعة دنانير، ما دفعها إلى اتخاذ قرار مصيري؛ ترك العمل في المزرعة والاعتماد على نفسها.
قررت أن تستثمر خبرتها في الحياة الريفية وأن تحولها إلى مشروع ناجح، وبدأت بتصنيع المأكولات الشعبية في منزلها، مستغلة الوصفات التي ورثتها عن والدتها.
تقول نسرين لـ"صوت شبابي" إن طريقها لم يكن مفروشاً بالورود وواجهت صعوبة كبيرة في تسويق منتجاتها في البداية، لكن بإصرارها وعزيمتها تمكنت من تخطي هذه العقبة.
اليوم، أصبح مشروع نسرين مصدر رزق لأسرتها، فهي توفر عملاً لشقيقتها التي تساعدها في إعداد المأكولات، وشقيقها الذي يتولى مهمة توصيل المنتجات للزبائن.
ولطالما كانت المرأة العاملة في الأردن صاحبة دور رئيس في الاقتصاد الوطني، إلا أن جائحة كورونا كشفت عن هشاشة أوضاعهن الاقتصادية وفاقمت التحديات التي تواجههن. ففي الوقت الذي ضربت فيه الجائحة أركان العالم، تركت بصمات على حياة المرأة في الأردن، متأرجحة بين خسائر فادحة وفرص جديدة.
وأظهرت الدراسات أن جائحة كورونا ألقت بظلالها على العديد من القطاعات التي تعمل بها المرأة، ما أدى إلى فقدان فرص عمل، وتراجع الأجور وتدهور ظروف العمل. ومع ذلك، برزت قصص نجاح نسائية، حيث استطاعت بعض النساء تحويل التحديات إلى فرص، وإطلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة.
فيما، يقول باحثين وخبراء إن أكثر القطاعات الاقتصادية التي تعمل فيها النساء وتأثرت سلباً خلال الجائحة هي؛ قطاعي الزراعة والسياحة وقطاع العمل غير المنظمة ومنها المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
تؤكد الباحثة الرئيسية في مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية عُلا بدر إن جائحة كورونا خلّفت وراءها تأثيرات عميقة ومتباينة على المرأة العاملة في الأردن، وتباينت هذه الآثار بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، وبرزت جوانب سلبية بشكل واضح وأخرى إيجابية.
وتوضح في حديثها لـ"صوت شبابي" أن القطاعات الأكثر تضرراً بسبب الجائحة هو القطاع التعليمي التي عانت فيه المعلمات من تخفيض الأجور ولم يجري تعويضهن حتى الآن. وتعرضت الموظفات في القطاع الصحي لضغوط نفسية وجسدية شديدة بسبب طبيعة عملهن في الخطوط الأمامية لمواجهة الجائحة، بالإضافة إلى فقدان بعضهن لوظائفهن.
وتلاحظ أن النساء العاملات في القطاع غير المنظم وبخاصة في الزراعة، تعرضن لتخفيضات كبيرة في الأجور تصل إلى النصف رغم زيادة ساعات العمل، وتدهورت ظروف عملهن.
وتشير إلى أن النساء العاملات في الحرف اليدوية بقطاع السياحة تأثر عملهن بشكل كبير، حيث انخفضت مبيعاتهن من الحرف اليدوية والمنتجات الغذائية. وصاحبات المشاريع الصغيرة والمتوسطة (الحضانات وتصنيع الألبسة والتجميل.. إلخ) عانين خسائر فادحة وأغلقت عدد من مشاريعهن.
وتلفت إلى أنه على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهت النساء، فإن الجائحة شهدت ظهور فرص جديدة، وبرزت أعمال اقتصادية تقودها النساء، مثل تزين المنازل والديكورات، وتنظيم الحفلات والبيع عبر الإنترنت، والتسويق الإلكتروني، وتصميم المواقع والمشاريع التجميلية التي تعتمد على المواد الطبيعية.
فيما تسترسل بأن مجموعة من النساء في جنوب الأردن أطلقن مبادرة بعنوان "شكراً كورونا"، والتي تهدف إلى تسليط الضوء على الفرص الجديدة التي أتاحتها الجائحة للنساء، وكيف تمكنت بعض النساء تحويل التحديات إلى فرص.
وبالعودة إلى الأرقام، فإن نسبة مشاركة المرأة الاقتصادية خلال الجائحة عام 2020 كانت 14.2 بالمئة، فيما انخفضت بعد عام من الجائحة إلى 14 بالمئة، وفق إحصاءات المرأة الأردنية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة.
وبحسب مؤشر معدل البطالة العالمية للتنمية البشرية لسنة 2021 والذي تصدره منظمة الأمم المتحدة للتنمية البشرية، تراجع الأردن إلى المرتبة 34 عالمياً والسادسة عربياً، فيما احتل الأردن هذا الترتيب من أصل 208 دول مشاركة في المؤشر، متراجعاً 15 مرتبة مقارنة مع عام 2020.
وفي تقرير صادر عن منظمة بيت العمال للدراسات والأبحاث، يؤكد أن الآثار السلبية لجائحة كورونا امتدت إلى مختلف القطاعات الاقتصادية، وتسببت بفقدان عمل أكثر من 100 ألف عامل وعاملة، ويُقدر عدد العاملات اللاتي فقدن أعمالهن خلال الجائحة ما يُقرب من 20 ألف عاملة.
وعلى مستوى العالم، تؤكد منظمة العمل الدولية أن دور المرأة الاجتماعي تضاعف خلال الجائحة، من أمومة ورعاية الأطفال وأعمال منزلية، ما شكل إرهاقاً وإنهاكاً نفسياً وجسدياً للمرأة العاملة نتيجة اضطرارها لبذل جهود مضاعفة في الوظيفة وفي خدمة الأسرة في آن واحد.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستنمائي UNTF.