
استمرار الاعتقالات الإدارية بحق متضامنين مع غزة وسط دعوات للإفراج عنهم

تزايدت في الآونة الأخيرة وتيرة توقيف عدد من الأشخاص على خلفية مشاركتهم في فعاليات داعمة ومناصرة لأهالي قطاع غزة، وسط تقديرات غير رسمية تشير إلى أن عدد الموقوفين تجاوز العشرات، بينهم من يخضع لتحقيقات أمنية وآخرون أُفرج عنهم، في حين تم توقيف البعض إداريا دون توجيه تهم رسمية.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، تشهد المملكة احتجاجات وفعاليات تضامنية مستمرة تعبيرا عن موقف شعبي ينسجم مع الموقف الرسمي الرافض للإبادة في القطاع، فيما تبرر الحكومة التوقيفات بعدم التساهل مع محاولات الاقتحام أو التحريض على الفوضى أو التوجه نحو مناطق حدودية مع الضفة الغربية المحتلة.
ويؤكد رئيس الوزراء جعفر حسان، خلال جلسة لمجلس النواب مؤخرا، أن الحكومة لن تسمح لأي طرف بالتدخل في الشأن الأردني أو استغلال مشاعر المواطنين لأغراض سياسية، مشددا على أن الدولة ستتصدى بحزم لكل من يهدد أمنها، داخليا كان أم خارجيا.
أما رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي يشدد على رفض المجلس لأي تجاوزات تمس الجيش أو ثوابت الدولة، واصفا إياها بأنها أصوات حاقدة لا يمكن القبول بها أو التسامح معها.
تفاصيل الاعتقالات
يقول الناشط الحقوقي والمحامي عبد القادر الخطيب إن العشرات من المواطنين تم اعتقالهم منذ يوم الثلاثاء الماضي، على خلفية مشاركتهم في مسيرة دعا إليها الملتقى الوطني لدعم المقاومة بالقرب من سفارة الاحتلال الإسرائيلي في عمان، موضحا أن الدعوة جاءت في ظل صمت دولي وصفه بـ"المريب" تجاه المجازر المرتكبة في قطاع غزة، وأن الهدف من المسيرة كان دعم الموقف الرسمي الأردني والضغط على المجتمع الدولي لوقف الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
ويشير الخطيب إلى أن الاعتصام، الذي أقيم في ساحة الكالوتي على بعد مسافة من السفارة، تم فضه بالقوة، واعتقل عدد من المشاركين دون أي مسوغ قانوني، رغم سلميته وبعده عن موقع السفارة، مؤكدا أن "حق التظاهر والاعتصام السلمي مكفول في الدستور الأردني والقانون، ولا يتطلب الحصول على موافقة مسبقة من المحافظ، بل يكتفى بإشعار الجهات الإدارية بهدف تأمين الحماية للمشاركين"، مضيفا أن التذرع بعدم الموافقة لا يشكل أساسا قانونيا لمنع المسيرة أو اعتقال المشاركين.
من جانبها تشير الناشطة الحقوقية المحامية هالة عاهد ضمن منشور لها إلى أن "التجمهر غير المشروع جريمة لها أركان محددة في القانون والقضاء هو الجهة المختصة في تحديد إن كان الإعتصام أو المظاهرة جريمة تجمهر أو عمل مشروع؛ ومع هذا يصر الحاكم الإداري على مخالفة القانون وحجز حرية أشخاص اداريا بحجة التجمهر غير المشروع.
"نحن أمام حالات توقيف إداري تتم دون توجيه تهم واضحة، وهو ما يعد مخالفا للدستور والقانون، حيث يستند في أغلب الأحيان إلى قانون منع الجرائم، ويستخدم كأداة لتقييد الحريات، فمعظم من تم اعتقالهم يوم الجمعة الماضية ينتمون لتيارات سياسية، بينهم قيادات في الحركة الإسلامية، رغم أن الدعوة كانت وطنية من الملتقى الوطني لدعم المقاومة"، وفقا للخطيب.
ويؤكد أن غياب التهم القانونية هو السبب الرئيس للتوقيف الإداري، الذي يستخدم كبديل عن المساءلة القضائية، ويبقي المعتقلين خارج إطار المحاكمة، موضحا أن بعض المعتقلين وزعوا على سجون في محافظات بعيدة مثل معان والطفيلة والكرك والبلقاء، الأمر الذي يصعب على محاميهم وذويهم زيارتهم، خلافا لما تنص عليه القواعد القانونية بضرورة احتجاز الشخص في منطقة سكنه.
تحول في خطاب الحكومة
في ظل استمرار الحراك الشعبي الرافض للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف، ومع تصاعد وتيرة الفعاليات التضامنية في مختلف مناطق الأردن، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور بدر ماضي في حديثه لـ "عمان نت" أن الحكومة حاولت من خلال خطابها الأخير إيصال رسائل واضحة، مفادها أن هناك تحولا في نهج التعامل مع بعض أشكال الحراك الشعبي أو الأصوات المعارضة، خاصة بعد أكثر من عام ونصف من التظاهرات المتواصلة التي عبرت عن مواقف تضامنية تجاه ما يحدث في غزة، وكانت تهدف لإيصال صوت الشارع الأردني إلى الداخل والخارج.
ويؤكد ماضي أن الحكومة تتفهم حق الناس في التعبير عن رأيها، طالما أن المسيرات والفعاليات تنسجم مع الثوابت الوطنية وأهداف الدولة الأردنية، ولكن عندما تنحرف بعض هذه التحركات باتجاه الإساءة للمؤسسات الأمنية والعسكرية أو التشكيك بموقف القيادة الهاشمية، فإن تدخل الحكومة يصبح ضرورة، بل من واجبها فرض أطر جديدة لتنظيم تلك الفعاليات.
ويشير إلى أن ما يحدث من تجاوزات فردية لا يعكس حالة عامة، فغالبية الأردنيين يدركون أن استقرار وأمن الأردن يمثلان دعامة حيوية لصمود الشعب الفلسطيني، مضيفا أن كلما كان الأردن قويا وصامدا، انعكس ذلك إيجابا على القضية الفلسطينية، مؤكدا أن التغيير في خطاب الحكومة لا يستهدف المعارضة الوطنية أو البناءة، التي طالما احتضنها الأردن، وإنما يوجه رسائل واضحة لمن يحاول استغلال الحراك للإساءة إلى الدولة ومؤسساتها، مشددا على أن هناك تمييزا بين من يمارس حقه الدستوري في التعبير، ومن يتجاوز ذلك للإضرار بالأمن الوطني.
دعوات للإفراج عن المعتقلين
يطالب الخطيب الحكومة باتخاذ موقف عقلاني، متسائلا عن مبررات منع المسيرات في وقت تشهد فيه مدن العالم تظاهرات داعمة لغزة دون قيود، مضيفا بان هذه الفعاليات لا تتناقض مع الموقف الرسمي بل تدعمه، لذا لا بد من الإفراج الفوري عن جميع من اعتقلوا على خلفية المشاركة في هذه الاعتصامات".
من جانبها أعربت هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني الأردنية "همم" عن قلقها من الاعتقالات واستخدام القوة ضد المحتجين، داعية إلى احترام حق التعبير والاحتجاج السلمي، مطالبا بالإفراج الفوري عن المعتقلين ومراجعة قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يستخدم لملاحقة النشطاء .
وأدان حزب جبهة العمل الإسلامي منع الأجهزة الأمنية بالقوة لفعالية الأغوار التي دعا إليها الملتقى الوطني لدعم المقاومة، واعتقال العشرات من المشاركين، بينهم قيادات من الحزب والحركة الإسلامية، معتبرا أن ذلك يشكل "إساءة للموقف الأردني الداعم للقضية الفلسطينية".
ودعا الحزب إلى وقف "العقلية الأمنية" في التعامل مع الحراك الشعبي، محذرا من أن ذلك يضعف الجبهة الداخلية، في وقت يحتاج فيه الوطن إلى وحدة الصف، مشددا أن مثل هذه الإجراءات تخدم أهداف الاحتلال الذي يستغل الصمت العربي لمواصلة جرائمه.