"بدأت أشعر أنني لا أستطيع مجاراة الحياة الطبيعية، وأصبح زوجي غير قادر على التعامل معي، حتى وصلنا إلى الطلاق، وبعد انتهاء الجائحة، حاولت التواصل معه للعودة إلى حياتنا الطبيعية، لكنه رفض تمامًا، قائلاً إنه لا يريد العودة إلى تلك النسخة الغاضبة مني." هذا ما قالته بيان عن تجربتها الزوجية المريرة خلال الجائحة والتي انتهت بالطلاق.
تقول بيان " كنت من الأشخاص الذين يتمتعون بالحيوية والطاقة الإيجابية قبل الجائحة، ولكن قرار الإغلاق المنزلي أثر بشكل كبير على حالتي النفسية" وجدت بيان نفسها محبوسة في منزلها دون القدرة على الخروج، ما أدى إلى تصاعد الغضب والشحن الداخلي لديها، وهو ما أثر على علاقتها بزوجها، كما تقول.
لم تكن تجربة سجى مختلفة في النتيجة لو اختلفت التفاصيل التي ترويها واصفة حياتها الزوجية السابقة بالمثالية، والتي كما تقول " تحولت إلى جحيم لا ينتهي بسبب التداعيات الاقتصادية للجائحة" إذ تم تقليص راتب زوجها إلى النصف رغم القرارات الحكومية التي فرضت دفع الرواتب العمالية بالكامل، ما أدى إلى خلافات حادة بينهما.
وتصف تفاصيل ما حدث بـ القول : "عندما كنت أطلب أي شيء كأي زوجة، كانت تتحول حياتنا إلى صراخ وضجيج، حتى وصلت الأمور إلى نقطة لا تحتمل فطلبت الطلاق "الضغط النفسي والتوتر الذي عاشته هي وطفلاها دفعها للابتعاد وطلب الطلاق".
أشارت الأرقام الصادرة عن المجلس الأعلى للسكان إلى أن الأردن شهد معدلات طلاق غير مستقرة على مدار ثماني سنوات (2015-2022)، حيث تم تسجيل 585429 حالة زواج خلال هذه الفترة، بمعدل سنوي بلغ 73179 حالة زواج، فيما بلغت حالات الطلاق 150097 حالة، بمعدل سنوي بلغ 18762 حالة طلاق، بزيادة ملحوظة في فترة جائحة كورونا تحديدا.
تأتي هذه الأرقام في سياق تقرير شامل استعرضه الأمين العام للمجلس لعام (2020_ 2024)
مشيرًا إلى أن نسبة حالات الزواج مقابل حالات الطلاق تبلغ حوالي 4 زيجات مقابل حالة طلاق واحدة بعد الزفاف.
رغم عدم وضوح اتجاه تصاعدي في معدلات الطلاق الخام خلال الفترة المذكورة، إلا أن التذبذب في المعدلات كان واضحًا، حيث بلغ أدنى معدل 1.53 لكل ألف نسمة وأعلى معدل 1.97 حالة طلاق لكل ألف نسمة في عام 2021.
ووفقًا للإحصاءات العالمية، احتل الأردن المرتبة 58 عالميًا في معدلات الطلاق الخام عام 2023، وهو ما يعكس واقعًا اجتماعيًا يستحق الوقوف عنده.
من المهم الإشارة إلى أن ما يقرب من 28% من حالات الطلاق المسجلة في المحاكم الشرعية خلال السنوات الثماني الماضية كانت قبل الدخول أو الزفاف، ما يعني أن هذه الزيجات لم تشهد تأسيس أسر جديدة فعليًا، وهذا الأمر يقلل من التأثيرات السلبية للطلاق على الأطفال، حيث لم يحدث دخول فعلي، وهو ما يعزز أيضًا من فرص إعادة زواج النساء اللواتي تم الطلاق لهن قبل الزفاف.
جائحة كورونا وتأثيراتها على الحياة الزوجية
وفي السياق، يرى الخبير التربوي والنفسي الدكتور علي الخضور، أن الجائحة لم تكن العامل الوحيد وراء ارتفاع معدلات الطلاق في الأردن، مشيرًا إلى أن التغيرات الحياتية والاقتصادية كانت لها تأثير كبير.
ويقول"الزواج والطلاق هما ظاهرتان مقسومين بين حقبتين؛ في الماضي كان الزواج يتم في سن مبكرة، لكن مع مرور الوقت تأخر سن الزواج لدى الشباب والفتيات، ما أدى إلى زيادة التحديات الاقتصادية التي يواجهها الشباب اليوم."
وأضاف، أن الجائحة فاقمت من هذه التحديات، خاصة في ظل الحظر المنزلي وتقليص الرواتب، ما زاد من الضغط على العلاقات الزوجية، مشيرا إلى أن تأخير فترة الخطبة بسبب الظروف الاقتصادية يعد أيضًا من العوامل التي ساعدت في زيادة حالات الطلاق.
معمر: جائحة كورونا زادت من نسب الطلاق بشكل غير مباشر
ومن على الضفة القانونية أكد الخبير القانوني المحامي رفعت معمر، أن جائحة كورونا زادت من حالات الطلاق بشكل ملحوظ بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وتدخل الأزواج في شؤون المنزل، مشيرا إلى أنه بعد رفع الحظر في مايو 2020، شهدت المحاكم تدفقًا كبيرًا من النساء اللاتي تقدمن بطلبات الطلاق بسبب تفاقم الخلافات الزوجية خلال جائحة كورونا ولكنها ما زاد نسب الطلاق خلال الجائحة وما بعدها بشكل غير مباشر
ويحكي معمر قصة إحدى الزوجات التي اشتكت من تدخل زوجها في شؤون المطبخ، محاولاً الطهي بنفسه، ما أدى إلى إلحاق أضرار في المطبخ وأثاثه، وهو ما شكل ضغطًا كبيرًا على الزوجة وصل بها إلى طلب الطلاق، وهذه القصة تعكس كيف أن الضغوط اليومية التي سببها الحظر المنزلي قادت إلى تفاقم التوتر بين الأزواج، حتى في الأمور البسيطة.
الجدير ذكره هنا، أن الإحصاءات تشير إلى أن الطلاق في الأردن ظاهرة متشابكة تتداخل فيها عدة عوامل، من بينها التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الظروف الاستثنائية مثل جائحة كورونا، وعلى الرغم من أن معدلات الطلاق لم تشهد ارتفاعًا كبيرًا خلال السنوات الثماني الماضية، إلا أن الجائحة كشفت عن هشاشة بعض العلاقات الزوجية التي لم تتمكن من الصمود أمام التحديات المفروضة، وبات الأمر يتطلب المزيد من الجهود المجتمعية والتوعوية للتصدي لهذه الظاهرة، مع التركيز على تقديم الدعم النفسي والاقتصادي للأسر لمواجهة التحديات المستقبلية.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستنمائي UNTF.