
على حافة الهاوية: الحاجة إلى تدابير عاجلة لحماية القوى العاملة في القطاعين الإنساني والتنموي في الأردن

يواجه القطاعين الإنساني والتنموي في الأردن أزمة جديدة تهدد استقرارهما، فقد أدى التعليق المفاجئ للمساعدات الخارجية الأمريكية إلى موجة من التسريحات الجماعية التي حرمت مئات الأفراد من مصادر رزقهم، وعرّضت آلافًا آخرين لخطر فقدان سبل عيشهم. وإلى الآن، سُرّح 576 فردًا، فيما تشير التقديرات الوطنية إلى أن عدد الوظائف التي سيفقدها أصحابها قد يصل إلى 3,200 وظيفة بحلول نهاية عام 2025.
ولم تقتصر العواقب على فقدان الوظائف فقط، بل تمتد إلى تهديد أكثر من 500 ألف فرد من الفئات الأكثر ضعفًا وتأثرًا، بمن فيهم الأردنيون واللاجئون السوريون والفئات المهمشة الأخرى، بخسارة الخدمات الأساسية المقدمة لهم، إذ بات 450 ألف طفل مهددين بخسارة حضور برامج محو الأمية وتعليم الحساب، وحُرم 12 ألف شخص من ذوي الإعاقة من الخدمات الحيوية كعلاج مشاكل النطق والعلاج الطبيعي، كما فقد 10 آلاف سوري إمكانية وصولهم إلى خدمات الاستشارات الطبية، بينما أُوقف 900 مريض من الأمراض غير السارية المهددة للحياة عن تلقي العلاجات الحيوية التي يحتاجونها.
إلى جانب خسارة الوظائف وتعطل الخدمات، يمتد التأثير الاقتصادي لوقف المساعدات ليشمل المزيد من القطاعات. فقد جرى تجميد 8,759,457 دولارًا أمريكيًا من تمويل المنظمات الدولية غير الحكومية، الأمر الذي أدى إلى التأثير على الأعمال المحلية التي كانت توفر خدمات التدريب، وتكنولوجيا المعلومات، والطباعة، والاستشارات، والتأمين، والتدقيق المالي، وغيرها. كما تعاني أسر الموظفين الذين تم إنهاء عقودهم من عدم الاستقرار المالي، بينما ما يزال وضع العمليات الإنسانية الأساسية في الأردن يعيش حالة من عدم اليقين والتحديد.
من جهة أخرى، تأثرت المنظمات التي تقودها النساء على نحو الخصوص، إذ عُطلت البرامج الأساسية الموجهة للنساء والفتيات ما أدى إلى حرمان 2,500 امرأة وفتاة ممن كنّ يتلقين خدمات إدارة الحالات المتعلقة بالعنف الموجه ضد المرأة من الحصول على أي دعم كان، فضلًا عن تأثر أكثر من ألف امرأة أخرى جراء مبادرات شبيهة تركن دون دعم بسبب إنهاء أعمال مشروعين رئيسيين في هذا القطاع.
فيما يثني منتدى الأردن للتعاون الدولي (جيكوف) بالدور الجوهري الذي تلعبه الكوادر الإنسانية والتنموية في الأردن، إذ كرّس هؤلاء الممارسون المحترفون حياتهم للاستجابة للأزمات، والتخفيف من الفقر، ودعم التنمية في المجتمع الأردني. ومع ذلك، فإنهم الآن يواجهون مستقبلًا مجهولًا، مما يستدعي تحركًا فوريًا ومنسقًا لدعمهم وضمان استمرارية مساهماتهم التي يقدمونها للبلاد.
المطلوب خطوات عاجلة
في الحين الذي تسبب التحول المفاجئ بأزمة في قطاع المساعدات والتنمية في الأردن، غير أنه يمثل أيضًا فرصة من حيث توافر القوى العاملة الماهرة، الملتزمة، والمبدعة، والتي يجب عدم خسارتها، بل دمجها في الاقتصاد الأردني، فقد حان الوقت لتحرك جماعي لضمان استمرار هؤلاء المحترفين في المساهمة في التنمية الأردنية، سواء من خلال المؤسسات الحكومية، أو القطاع الخاص أو عبر آليات تمويل بديلة.
وفي هذا السياق، يدعو منتدى الأردن للتعاون الدولي (جيكوف) إلى اتخاذ إجراءات فورية ومنسقة لمعالجة التحديات التي تواجه القطاع الإنساني الأردني:
نحث القطاع المصرفي والمؤسسات الحكومية على تجميد أقساط القروض الشخصية أو خفضها مؤقتًا لمساعدة الأفراد المتضررين في استعادة استقرارهم المالي.
ندعو وزارة العمل إلى إنشاء قاعدة بيانات متخصصة تربط بين المحترفين المسرحين من عملهم وفرص العمل المتاحة في السوق، مع توفير إرشاد مهني وبرامج لمواءمة المهارات لتسهيل انتقالهم إلى القطاع الخاص. كما ينبغي على القطاع الخاص الاستفادة من خبرات هؤلاء الأشخاص في مجالات إدارة المشاريع، والاستجابة الإنسانية، والمبادرات التنموية.
نطالب وزارة التخطيط والتعاون الدولي بالعمل على تحديد مصادر تمويل جديدة لاستكمال المشاريع التي توقفت نتيجة تخفيض تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية(USAID) ، كما يجب على الوزارة مراجعة وتصنيف جميع المشاريع المتضررة وفق أولوياتها، وبناء شراكات إقليمية ودولية لضمان استمراريتها.
ندعو إلى تعاون مشترك بين وزارة التخطيط والتعاون الدولي، والجهات المانحة، ووزارة العمل، ومنظمات المجتمع المدني لتطوير حلول لأزمة التمويل، واستكشاف بدائل تمويل جديدة، وتنسيق الجهود التي تحمي الوظائف وتضمن استمرارية البرامج الإنسانية والتنموية الأساسية.
نحث وزارة الخارجية ووزارة العمل على الانخراط في حوار مع السلطات الأمريكية لمناقشة حقوق العمل والتعويضات المحتملة للموظفين الذين أنهيت عقودهم بسبب وقف مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وختاماً يشدد منتدى الأردن للتعاون الدولي (جيكوف) تضامنه مع جميع المتضررين من هذه الأزمة، مع التزامه بالسعي إلى حلول مستدامة تحمي مكتسبات التنمية في الأردن.
*نبذة عن منتدى الأردن للتعاون الدولي (جيكوف)
تأسس منتدى الأردن للتعاون الدولي (جيكوف) في العام 2022 بمبادرة من التحالف الوطني الأردني للمنظمات غير الحكومية (جوناف)، وبالتعاون مع منتدى المنظمات غير الحكومية الدولية في الأردن (جيف)، ورئيس مجموعة عمل المجتمع المدني للمانحين (الولايات المتحدة وهولندا) في الأردن. يُعدّ منتدى الأردن للتعاون الدولي (جيكوف) منصةً فريدة تجمع أعضاء المجتمع المدني المحلي، والمنظمات غير الحكومية الدولية، والمؤسسات الدولية، ومجتمع المانحين. ويعزز المنتدى تبادل المعرفة، والتنسيق الاستراتيجي، والحوار المفتوح لتعظيم أثر الجهود الجماعية في دعم استقرار الأردن وتقدمه الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل.