نساء عاملات يواجهن التمييز الأنيق
سوسن زايدة
لوثائقيات حقوق الإنسان
تعمل المرأة كما لو كانت تمضي في حقل من الأشواك، يستوي في ذلك عملها في أي مجال. فإذا نجحت في إقناع رجل البيت بجدوى عملها في الخارج، مع الحفاظ على واجباتها المنزلية والأسرية كاملة، عليها أن تقنع رجل العمل بكفاءتها التي تضاهي زميلها.
وتبدو صورة المرأة العاملة في قطاع الشركات كما لو كانت زاهية تماما، فهي تشكل نسبة أعلى مما هي عليه في قطاعات أخرى، وقد حصلن على حقوق كثيرة، أساسها عدم التمييز قانونيا. ولكن واقع الحال ليس كذلك، فنظرة أكثر عمقا ستظهر مدى التمييز والمضايقات التي تتعرض لها النساء العاملات في هذا القطاع. المرأة العاملة تبقى مرغوب ومرحب بها طالما بقيت عزباء، لا تحبل ولا تلد، وإلا يبدأ التمييز والمضايقة، وغالبا "التطفيش" بكل الوسائل.
التمييز ضد الموظفات لا يستند إلى قوة القانون، فالقانون أعطى حقوق متساوية للجنسين، فقد ضمن المشرع، على سبيل المثال، أن يحصل أطفال العاملات على الرعاية وفقاً للمادة 72 من قانون العمل، ونصها "على صاحب العمل الذي يستخدم ما لا يقل عن عشرين عاملة متزوجة تهيئة مكان مناسب يكون في عهدة مربية مؤهلة لرعاية أطفال العاملات الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات، على أن لا يقل عددهم عن عشرة أطفال".
المشكلة تكمن في تطبيق القوانين، فكثيرا ما يتجاهل صاحب العمل القانون، مستندا الى العرف السائد، فيصبح الواقع اقوى من نص القانون.
اذا كان قانون العمل لا يجيز فصل موظفة، إو إنذارها بالفصل في فترة الحمل، أو إجازة الأمومة، فإن كثير من إدارات المصارف تعمد الى "تطفيش" المرأة المتزوجة، وهو ما يعكسه رأي نهيلة، موظفة في شركة دعاية وإعلان: "لا يلتزم الجميع بحق العاملة بساعة الرضاعة، وفقا لما نص عليه قانون العمل، ويبقى ذلك مجرد قانون مكتوب لا ينطبق على واقع الحال".
أميرة، موظفة في بنك حكومي، كانت اكثر وضوحا في الحديث عن عمليات "التطفيش": "هناك ضغوطات على النساء المتزوجات، فساعة الرضاعة ألغيت، اذ ان الادراة تتعمد ان تعطيها للام في منتصف الدوام وليس في بدايته أو نهايته، ولدينا موظفات يسكنّ مناطق بعيدة عن عمان، لا يستطعن الذهاب والعودة في نفس اليوم. نطالب ان تكون في أول الدوام أو في نهايته. إنهم (الادارات) يريدون منعنا من العمل، بشكل غير مباشر، من خلال تضييق الوضع علينا".
"اما موضوع الولادة فهو يؤثر على تقييمها، اذ ينظر اليها بانها لم تعمل 360 يوما، ويقولون (غيرك أولى بتقييم أفضل)"، تقول إيمان. وتوافقها في ذلك احدى الموظفات، التي لم ترغب بذكر اسمها، "يتم تأخير ترقيات الموظفة بحجة انها تأخذ إجازة ثلاثة أشهر (اجازة الامومة)، وكأن الامر هبة او منحه منهم".
وتعتقد سوزان، ان هنالك قصورا في مطالبة المرأة بحقوقها في هذا الجانب، تقول: "كان التمييز واضحاً في البنك، فقد كان يتم تخفيض التقييم والزيادة السنوية للموظفة المتزوجة، وقد تعرضت لهذا في الحالتين التي أنجبت بهما طفلي. فقد كانت زيادتي السنوية قليلة على الرغم من تميز إنتاجي، اذ كان يتم محاسبة المرأة لأنها غابت فترة الأمومة. والموظفات اللواتي أنجبن أطفالا لم يكن على قدر من الجرأة للمطالبة بساعة الرضاعة وفقا للقانون".
ناديا الشاويش، المرأة الوحيدة بين 11 عضو في الهيئة الإدارية لنقابة المصارف، مضى على عضويتها عام لم تر خلالها إمرأة واحدة تشتكي إلى النقابة تمييزا ضدها في العمل، رغم أن النقابة أنشأت لجنة مكونة من ثمان نساء. "لم أجد أية مؤسسة بنكية تلتزم ببند إنشاء حضانة مثلما يحدث في المؤسسات الكبرى في الأردن، صحيح أنه موجود في القانون هذا الحق، لكنه لا يفرض على المؤسسات. لكن إذا كانت الأم العاملة نفسها لم تطلب هذا الحق فكيف ستوفره المؤسسة. نصف من يعمل في البنوك هن نساء ومجموعة كبيرة منهن متزوجات، لكنهن لا يأتين حتى للنقابة"، تقول الشاويش.
أما نقابة المحامين الأردنيين، التي تفرض رسوما عالية للعضوية الإلزامية فيها، تبدأ من 260 دينار سنويا خلال التدريب و300 بعدها وتزيد تبعا للفئة العمرية، لم تكلف نفسها وسع بناء حضانة لأطفال المحاميات، وتوفير هذه الخدمة بأسعار معقولة تسهم في مساعدة المرأة على القيام بواجبها المهني.
ورغم الزيادة في عدد المحاميات العاملات والمتدربات، اللاتي يشكلن ما نسبته حوالي 20% من اجمالي عدد الاعضاء المسجلين في النقابة، وعلى الرغم من ان نقابة المحامين التي تضع على رأس جدول اعمالها "السعي لتطبيق النصوص الدستورية المتعلقة بالحريات العامة وحقوق المواطن كضمانة أساسية لحماية الحريات السياسية والحقوق الطبيعية لعموم المواطنين"، إلا ان المرأة المحامية لا تزال تخضع لتمييز في عقر دار العدالة نفسها.
لا يقف التمييز بين المرأة والرجل العاملين في مسائل الأمومة والحمل والرضاعة فقط. هناك ايضا ما قد يكون أسوأ، وهو حرمان الموظفة المتزوجة من حقوق التأمين الصحي لأطفالها ولزوجها حتى لو كانت عائلة. تقول نهيلة: "زوجة الموظف مؤمنة صحيا وتدفع نفقات علاجها الطبية كاملة ومصاريف الولادة، لكن الموظفة لا تمنح هذه الحقوق".
وتؤكد سوزان نفس الحقيقة: "يحق للموظف ان يؤمن زوجته وأطفاله صحيا، ولا يحق للموظفة ان تؤمن زوجها وأطفالها الذين قد لا يكون لهم تأمين صحي. ومن القضايا الأخرى التي تميز بين الرجل والمرأة في البنوك تمتع الرجل بحق تعليم ابنائه على حساب البنك، بينما لا يحق للمرأة ذلك".
وإذا كان التمييز الواقع على المرأة في هضم حقوقها في الحصول على تأمين صحي لزوجها واطفالها، او في الحصول على راتب اعلى وامتيازات وزيادات متساوية مع الرجل، فان العلة قد لا تكمن دوما في تطبيق او عدم تطبيق قانون العمل، فالعلة قد تكون في اسباب اخرى، مثل الثقافة الاجتماعية او الأنظمة الداخلية للمؤسسة، فهو في مجمله يصب في صالح الرجل، بصفة أن "المرأة ضلع قاصر عائل على الزوج"، "مهمتها الأولى الإنجاب وتربية الأبناء".
العادات والتقاليد لا تزال تلعب دورا كبيرا بإعطاء مبرر لأصحاب العمل في عدم إعطاء المرأة كامل حقوقها الوظيفية، كما تقول سهى، موظفة في دائرة حكومية: "هناك امتيازات للرجل من ناحيتي السفر والترقية، لأن للمرأة ظروفا تحول بينها والسفر، لكن يوجد فتيات عندهن طموح ويرغبن في السفر وعندهن رغبة لإثبات جدارتهن، لكنهم وبسبب العادات والتقاليد يختارون الرجال".
والأمر ينطبق على كل المؤسسات الحكومية والخاصة، ولا يعطى أي اعتبار للمرأة العاملة، حتى لو كانت هي المعيل الحقيقي للأسرة. تقول سمر، موظفة في شركة خاصة: "المرأة ليست منصفة في مكان عملها، فالرجل يأخذ مكافآت ورواتب أكثر من المرأة في العادة، بوصفه المسؤول والمنفق على العائلة، على الرغم من توفر نفس الكفاءة والخبرة لديها. للرجل امتيازات أكثر كونه رجلا فقط".
وتلمس مها، موظفة بنك، بتجربة شخصية، مدى التمييز الذي يمارس ضدها في مجال عملها وتراجع فرصها في الحصول على ما تستحقه مقابل ما تقدمه. "هناك تمييز، وعادة فإن ضغط العمل أكثر على المرأة، والاتكال عليها أكثر، بينما الزيادات المادية تذهب للرجل وتكون اكبر، فعلى سبيل المثال، أنا رئيسة قسم وعندنا زميل رئيس قسم، لكن زياداته أعلى مني".
المهندسة الصناعية، سهر الخطيب، تعمل في القطاع الحكومي، تتحدث من واقع تجربة شخصية، لترينا كم هي المرأة، وبخاصة المتزوجة، لا تمتلك الفرصة للارتقاء والتطور. "كنت مرشحة لأن أكون رئيسة قسم وتم اختيار شاب بدلا مني، فكونه شاب يعتقدون أن على المرأة مسؤوليات في البيت والأطفال، ولن تعطي الوقت الكافي للعمل، بينما العكس هو الصحيح فالمرأة تعطي اكثر، ولأن عندها عائلة تعرف كيف تنظم امورها أفضل، وإجمالا فان قدرتها أكبر على ضبط الوقت لأنه يصبح جزءا من حياتها".
وتشير الخطيب إلى الخلل: "دائما انظر الى عدد الوزراء وعدد العاملين في القيادات العليا فليس هناك سيدات في هذه المواقع سوى قلة قليلة، وهذا يعطي مؤشرا. أنهم لا يفكرون بالمرأة فهناك تمييز من هذه النواحي".
وتقول المهندسة هدى شحالتوغ: "تتاح للرجل فرص أكثر كونه يستطيع ان يسافر وله حرية أكثر، فالسفر يزيد من خبرة المهندسة".
ولا يقتصر التمييز بحق المرأة على مديرها أو زميلها في العمل، فالمحامية تصطدم بنظرة تمييزية أكثر عندما يتعلق الامر في التعامل مع دوائر القضاء ومؤسسات الدولة الاخرى او مع المواطنين ايضا. والسائد ان نظرة القضاة، وبخاصة في المحاكم الشرعية القائمة على الشريعة أساسا وعلى قانون الأحوال الشخصية المميز بحق المرأة، تتصف بنظرة استعلائية واضحة.
وتقول نداء: "بالنسبة للقضاة ونظرتهم للمرأة فلا يوجد تمييز في المحاكم النظامية، خاصة في المحاكم الكبيرة. أما في المحاكم الشرعية فإن التمييز كبير جدا، لدرجة أن القاضي في المحكمة الشرعية يريدني أن أكون محجبة، وإلا فنظرته لي تكون مختلفة. وعندما قررت ان أتدرب شرعي لم ينظر القاضي لي كمحاميه، حتى مصطلح أستاذة لم يستعمله فيقول "يا أختي روحي استني بغرفة النسوان".
وتضيف: "في المحاكم الشرعية لا يتعاملون مع المحاميات كالمحامين، ما دفعني ومن باب المحافظة على نفسي من الابتذال ان لا أتدرب شرعي. لقد واجهت أكثر من مرة صدمات في المحاكم الشرعية، وقررت ان لا أتدرب فيها لاني لست محجبة ولست مستعدة لقبول التعامل الفوقي معي".
ما تقوله نداء يعني بالدرجة الاولى، ان عزوف المحاميات عن ممارسة الجانب الشرعي وتفضيل النظامي ترك المرأة ككل خلال عملية التقاضي عرضة للذكر، خصما، ومحاميا، وقاضيا، اضافة الى قانون الاحوال الشخصية الذي يميز ضد المرأة.
لكن المحامي مهند لا يرى أن هناك تمييزا يمارسه القضاة أو حتى المحامين الذكور بحق المحاميات. يقول: "لا يوجد تمييز ضد المحامية سواء من قبل القاضي والمحامين والشخص كمحامي او محامية متواجد امام هيئة القضاء ليس له اهمية للقضية لان القاضي سيطبق القانون سواء كان الذي امامه رجل او امرأة".
والحال ان التعامل بدون مساواة مع المحامية يمتد الى دوائر اخرى مما يعيق عمل المحامية، كما تقول نداء. "هناك تمييز ضد المحامية في قسم الشرطة وامام المحكمة ودوائر البحث الجنائي، حيث يخاطبونها "مرة" بدلا من "أستاذة" كما يقال للمحامي. هذا مصطلح مهين بالنسبة لي، هناك استخفاف بالمرأة".
وتورد نداء مثلا: "في احدى المرات ذهبت لكفالة موكل، فقال لي الشرطي "نحنا ما بنكفل نسوان" ودفعني لأحضر شخص يكفل موكلي. وعندما شكوته لرئيس المخفر صدمني قائلا "طبعا نحن لا نكفل نسوان" والسبب حسب الشرطي انه "عندما اتصل في المرأة وأقول لها احضري موكلك تقول لي عيب ما تتصل على البيت ممكن تعملي مشكلة مع جوزي". قلت للشرطي إني "أوازيك كأي إنسان" وكان رده "أنت لا توازيني ومش شايفك والدين يعتبرني أحسن منك ولا تزيدي بالحكي". فقدمت شكوى للمركز الوطني لحقوق الإنسان".