معاهدة وادي عربة عقبة أمام اللاجئين الفلسطينيين

الرابط المختصر

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان

منذ 15 عاما والحكومة الأردنية بانتظار الرد على مذكرة قدمها أول سفير أردني في إسرائيل إلى الخارجية الإسرائيلية احتجاجا على خرقها معاهدة السلام بين الدولتين.

فبعد شهور ثلاث من توقيع معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل في تشرين ثاني 1994، سن الكنيست الإسرائيلي قانون تطبيق المعاهدة لكن بعد تعديل اعتبرته الحكومة الأردنية خرقا للمعاهدة، وأرادت منه إسرائيل تجريد الأردنيين من اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في أراضيهم التي فقدوها في إسرائيل.

كان من شأن المادة 11/1/ب من معاهدة السلام، والتي تعهد الطرفان بموجبها إلغاء كل الإشارات المناوئة أو التمييزية في قونينهما في غضون ثلاثة أشهر، أن تحمي اللاجئين الأردنيين من القانون الإسرائيلي المتعلق بأملاك الغائب. لكن الكنيست عند إقرار قانون تطبيق المعاهدة أضاف بندا يقصر عدم تطبيق قانون أملاك الغائب على الأردنيين على الفترة اللاحقة لتوقيع المعاهدة، ويضمن استمرار تنفيذ هذا القانون على الفترة التي تسبق توقيع المعاهدة.

وبذلك فقدت المعاهدة قيمتها بضمان حقوق الأردنيين من اللاجئين الفلسطينيين في أراضيهم التي فقدوها قبل توقيع المعاهدة، وتبقى خاضعة لقانون أملاك الغائبين وتحت تصرف الحكومة الإسرائيلية، فمن حق حارس أملاك الغائبين أن يبيع ويشتري كما يريد. لكن يبقى بموجب هذا القانون صندوق يحفظ أموال الغائبين فيما لو باع حارس الأملاك أراضيهم، ويجري تعويضهم في حال سقطت عنهم صفة الغائب.

جاء الاحتجاج الأردني، الأول والأخير، على هذا الخرق في 31 آب 1995، بمذكرة تعترض على التعديل الذي أضافه الكنيست على المعاهدة، أرسلها أول سفير أردني في إسرائيل، د. مروان المعشر، إلى الخارجية الإسرائيلية التي لم تكلف نفسها عناء الرد الخطي لغاية الآن، واكتفت بالإجابة على متابعات ومراجعات السفير المتواصلة خلال فترة عمله القصيرة كسفير في إسرائيل.

"لم نتلق أي جواب خطي"، يقول د. مروان المعشر، السفير الأردني الأول في إسرائيل ووزير الخارجية الأسبق. "عندما كنت أراجع الخارجية الإسرائيلية كانوا يتذرعون بحجج كثيرة من مثل أن هذا الموضوع يجب تأجيله ليناقش ضمن ملف اللاجئين عموما في مفاوضات الوضع النهائي. ونجيب: ليس لنا علاقة ببقية اللاجئين، نحن هنا نتحدث عن أردنيين ونحن وقعنا معكم معاهدة سلام. يجيبون: يجب بحث هذه المسألة مع كل العرب ضمن إتقافية سلام شامل. ونعود للقول بأننا لم نوقع معكم معاهدة سلام شاملة، نحن وقعنا معاهدة ثنائية لذلك نريد حلا لموضوعنا الثنائي. والحجة الثالثة كانت أنهم يريدون البحث في أملاك اليهود الذين خرجوا من دول عربية. وكانت حجتنا المقابلة أنه لا علاقة لنا بذلك فلم يكن لدينا يهود قدموا إلى إسرائيل، ولا يوجد لدينا ما نبادلكم به".

لكن المعاهدة، بالنسبة للمحامي أنيس القاسم، عضو لجنة التوجيه في الوفد الأردني المفاوض في معاهدة وادي عربة، لم تفقد قيمتها بعد التعديل الذي أجراه الكنيست الإسرائيلي عند إقرار قانون تطبيق المعاهدة، وإنما فقدتها حتى قبل وصول الوفد المفاوض الأردني إلى طاولة المفاوضات.

"شاركت في هذه المفاوضات وتعلمت أن المفاوض العربي خسر قبل الوصول إلى طاولة المفاوضات. غرست إسرائيل في ذهن المفاوض الأردني والفلسطيني: لا تبحث في موضوع اللاجئين فهو محسوم، قضية القدس انتهينا منها، الحدود، المستوطنات، لا تبحث في حق العودة فهو يعني إنهاء الدولة اليهودية. فأصبح المفاوض الأردني والفلسطيني مهزوما سلفا، وتساوى المفاوض الأردني مع مثيله الفلسطيني الذي هو في أسوأ أوضاعه التفاوضية، في حين أن الأردن دولة بمواصفات وعناصر الدولة وذات وزن في المجتمع الدولي ولها علاقات مع الغرب الذي يحميها ويدعمها، يعني موقف المفاوض الأردني أقوى قليلا من نظيره الفلسطيني. ومع ذلك فلم يثر المفاوض الأردني هذه الإشكاليات".

نص المعاهدة كان واضحا، كما يراه المعشر الذي يعزو المشكلة إلى أن إسرائيل عند التطبيق لم تتصرف بحسن نية فيما يخص اللاجئين. "في المعاهدة بندان يتعلقان بهذا الموضوع، الأول يتكلم عن حل لموضوع اللاجئين حسب القانون الدولي. والثاني يمنع التمييز ضد مواطني طرفي المعاهدة. وهما البندان اللذان اعتمدنا عليهما".

لكن المفاوض الأردني في معاهدة وادي عربة، بحسب القاسم، لم يطرح قضية الأردنيين من اللاجئين الفلسطينيين، لم يطرح حقهم في العودة ولا المسؤولية ولا احتفاظهم بأموالهم. "الأردن ظلم نفسه وظلم مواطنيه الأردنيين من أصل فلسطيني حين لم يتمسك بحقهم في العودة ولا في التعويضات، ولا حتى بمبدأ معنوي فيه إقرار إسرائيل بمسؤوليتها عن قضية اللاجئين".

تنص الفقرة الأولى من المادة الثامنة في المعاهدة، والتي تعالج قضية اللاجئين والنازحين: "اعترافا من الطرفين بالمشكلات الإنسانية الكبيرة التي يسببها النزاع في الشرق الأوسط بالنسبة للطرفين، وبما لهما من إسهام في التخفيف من شدة المعاناة الإنسانية فإنهما يسعيان إلى تحقيق مزيد من التخفيف من حدة المشكلات الناجمة على صعيد ثنائي".

و"هذا النص فيه تضليل كبير"، كما يقول القاسم. "لأنه أولا يحول مشكلة اللاجئين إلى مشكلة إنسانية وليست سياسية، وكأن المشكلة التي حدثت في الشرق الأوسط هي زلزال خلق مشكلة كبيرة لكل دول الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل".

أما المعشر فيؤكد أن الأردن أصر على إدراج موضوع اللاجئين في المفاوضات منذ البداية. "الأجندة الموقعة بيننا وبينهم، والتي سبقت توقيع المعاهدة، نصت صراحة على أن حل مشكلة اللاجئين سيأتي وفقا للشرعية الدولية. في البداية كان الإسرائيليون رافضين لأي ذكر لموضوع اللاجئين، لكن نحن رفضنا وأصررنا على إدراجها في المعاهدة، وهذا ما حصل بالفعل. لكن عند تطبيق القانون اختلفت الأمور".

ويلفت المعشر إلى ضرورة التمييز والفصل بين مسألتين: "حل مشكلة اللاجئين السياسية، مثل حق العودة، لا نستطيع الحديث فيها كأردن إلا بالتزامن مع المفاوضان الفلسطينية-الإسرائيلية حول الوضع النهائي. وبالتالي فصلنا المعالجة السياسية للاجئين عن الموضوع المالي وهو تعويض الأردني من أصل فلسطيني عن الأملاك التي فقدها في إسرائيل بعد توقيع المعاهدة".

وبانتظار مفاوضات الوضع النهائي تبقى قضية اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، كما يراها القاسم، مبررا لاستمرار "قانون انتخابات أردني مشوه، وتجميد الأجندة الوطنية التي تكفل دولة عصرية ديمقراطية".