مبادرة “تقدم” تطرح 10 خطوات لإعادة بناء الجامعات

الرابط المختصر

وثائقيات حقوق الانسان مع وقوع أحداث الشغب والعنف المأساوية في الجامعات الأردنية والتي ذهب ضحيتها مؤخرا شاب أردني في حادثة لم تكن هي الأولى، وإنما تكررت خلال السنوات الأخيرة بصورة مرعبة، فقد آن الأوان أن نعترف أن وقت "قرع ناقوس الخطر" وإجراء "الدراسات والتوعية" قد انتهى، فالتدمير الذي حذر منه مرارا المختصون والمهتمون بقطاع التعليم قد وقع بالفعل في جامعاتنا الأردنية الخاصة والحكومية. لقد شهدنا أمام أعيننا، وفي جيل واحد، كيف تم تدمير أهم منجز أردني وهو تفوقنا النسبي في التعليم على مستوى المنطقة العربية .والمتابع للتطور الأكاديمي في دول الخليج وحجم الاستثمارات في هذا المجال يدرك أنهم قد قطعوا أشواطا مهمة، بينما نحن نخسر المكانة التي كنا نتميز بها. لقد دمرنا الجامعات، ودمرنا معها قدرتنا على رفد المجتمع بالكفاءات والقيادات الجديدة، فحتى لو افترضنا أن هناك قدر من التحصيل الأكاديمي يحصل عليه الطلبة في الجامعات المحطمة، فإن الأهم من العلوم التي يحصلون عليها هي منظومة القيم التي استوعبوها:  إنها قيم لا تعبّر عن قيم العلم والعمل والإنتاج والإبتكار والتسامح والانفتاح، لا بل على العكس فهي منظومة قيم الإقليمية والتعصب الجهوي والواسطة. إن تدمير الجامعات يعني أننا وضعنا الوطن الأردني كله على طريق الخراب  ومن لديه شك في ذلك، فلينظر حوله ليرى ما يشهده الوطن من تراجع القيم وتآكل المؤسسات وهدم الروح الوطنية الإيجابية. على مدار سنوات متتالية، أدى التلاعب والعبث بالجامعات إلى ضرب الدور الحيوي التقدمي الذي كانت تقوم به في السابق، ففي زمن مضى كانت البيئة الجامعية القائمة على أساس أكاديمي وفكري صحيح، تجمع وتصهر الطلبة من المدن والمخيمات والبوادي والقرى ومن خلفيات اجتماعية مختلفة وتعلّمهم المنطق العلمي والحوار واحترام التعددية والاختلاف وقبول الآخر. لقد كانت الجامعات منارات للتقدم، واليوم أضحت مكانا لإعادة انتاج أمراض المجتمع. إن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع الخطير واضحة، وتتلخص في ما يلي: -         اعتماد المنظور الأمني الضيق ومفهوم بدائي للولاء في التعامل مع الجامعات، بحيث أصبح النشاط الطلابي السياسي والفكري والثقافي داخل الجامعات سبباً للاستدعاءات الأمنية. كما طالت التدخلات الأمنية التعيينات الأكاديمية والإدارية في الجامعات، مما أفقد الجامعات استقلاليتها وحريتها الأكاديمية. -         تشجيع مفهوم مشوّه لللعشائرية داخل الجامعات يحولّها من مفهوم التكافل الإجتماعي والعلاقات القرابية الإيجابية إلى فكر فاشي قائم على التعصب، وذلك كبديل عبثي للتحزب السياسي الطبيعي والانتماء الفكري. -         تغييب النشاطات اللامنهجية الثقافية والرياضية وغيرها وترك نسبة كبيرة من طلاب الجامعات بدون نشاط يشغلون به ساعات طويلة من أوقات الفراغ في الحرم الجامعي. -         ضخ عدد كبير جدا من الطلاب إلى الجامعات، وقبول أعداد هائلة من الطلاب من خارج القبول التنافسي، عن طريق التوسع في المكرمات والاستثناءات. -         التراجع الكبير في سيادة القانون، وقدرة أصحاب الجاه والنفوذ على التحايل على القانون سراً وعلنا، وهو ما يتم توظيفه في أحداث العنف والشغب لمساعدة المتسبببين على الإفلات من العقوبة. -         طبيعة الدولة الريعية التي تعتمد معايير بدائية في توزيع الأعطيات والمكارم والخدمات، وهو ما أدى تعزيز ثقافة الجهوية داخل الجامعات وضخ أعداد كبيرة من الموظفين الإداريين من غير المؤهلين الذين يشكلون عبئا على موازنة الجامعة. -         استشراء الفكر التجاري المبني على الطمع في الربح السريع في مجال التعليم العالي، وتحويله إلى تجارة بدون ضوابط ومعايير علمية واجتماعية سليمة. أما وقد انتهينا من تشخيص الداء، لا بد لنا اليوم من امتلاك الجرأة الكافية لتطبيق العلاج المؤلم والضروري.  الدولة الأردنية مدعوّة، اليوم وليس غداً، للتعاون مع قطاعات الأردنيين المتنورين، وهم موجودون في كل محافظة، للتعامل مع موضوع الجامعات بعلاج الصدمة المدروسة. يجب إعلان حالة الطوارئ في هذا الملف، وبناء تحالف وطني من السياسيين والأكاديميين والناشطين المشهود لهم بالكفاءة، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، حول إرادة سياسية صلبة لتوجيه صدمة وإحداث انقلاب ثوري في الجامعات. ولن يكون هذا بالأمر السهل، وقد يواجه مقاومة من المتضررين، إلا أن واجبنا أن نوضح للجميع أن هذه الخطة هي خطة مؤلمة ولكنها تضمن مستقبلا أفضل لجميع أبنائنا على الأمد البعيد، فلا بد لنا من أن نتعاون مع بعضنا البعض لإنقاذ وإعادة بناء الجامعات. وفي هذا الصدد، تقدم منصة "تقدَّم" الخطوات العملية التالية كحلول مقترحة لبرنامج "إعادة بناء الجامعات الأردنية": ١. التوقف الفوري عن قبول الطلبة غير المؤهلين تحت أي مسمى أو استثناء، وتطبيق ذلك منذ العام الدراسي القادم. بموجب هذا البرنامج، يتم قبول 50 % فقط من عدد الطلاب الذين تم قبولهم في العام الماضي. ٢.  لن يتم التخلي عن الـ50 % الذين لم يتح لهم الدخول إلى الجامعات، بل يجب أن يتم تفعيل برامج للتدريب المهني وبرامج أكاديمية قصيرة وبرنامج وطني لتدريب المهارات. وستضطر الدولة إلى استصدار قانون طارئ يلزم الجيش وكل شركات القطاع الخاص على استيعاب أعداد معينة من خريجي التوجيهي كمتدربين لمدة سنة على الأقل. كما يجب توجيه الشباب بحملة اعلامية للتوجه للعمل مباشرة بعد التوجيهي والحصول على التدريب في القطاع الخاص. ٣. العمل على برنامج مؤقت لتشجيع طلبة الجامعات الحاليين من ذوي التحصيل الأكاديمي المتدني على ترك الجامعة مبكرا من خلال تحفيزهم ماديا ومعنويا وإعطائهم شهادات جزئية تعترف بما حصلوا عليه من تعليم. ٤ .  بالتوازي مع الحد من أعداد الطلبة، يجب تقليص أعداد الموظفين الإداريين، طوعيا وإجباريا، حتى لو تطلب ذلك الاستمرار بدفع رواتب من يتم الاستغناء عن خدماتهم لمدة عامين مثلا . ويجب إنشاء لجنة لتقييم الأداء الوظيفي تتسم بالحيادية والمصداقية، بقيادة شخصية تحظى بالاحترام العام، وتشرف هذه اللجنة على برنامج "تخفيف الوزن الإداري" في الجامعات، بلا هوادة أو تراخي . ومرة أخرى يجب أن تتوفر برامج للتدريب وإعادة التأهيل لمن يختار ترك وظيفته في الجامعة. ويترافق ذلك مع حملة اعلامية توعوية ترسل رسالة للناس أن الدولة غير قادرة على توظيف الجميع ولتحفيز الروح الانتاجية لدى المجتمع والأفراد.  ٥. البدء في عملية إعادة بناء الكفاءة الأكاديمية للجامعات عن طريق استقطاب الأكاديميين الأردنيين المرموقين في الداخل والخارج بشتى الحوافز المادية والمعنوية، مما يعني زيادة في الرواتب والإنفاق الحقيقي على برامج البحث العلمي.  يجب أن يكون الهدف الأسمى هو الإرتقاء أكاديميا عن طريق إعطاء دفة القيادة في الجامعات للأكاديميين الممتازين، وإعطائهم الحرية والاستقلالية المطلوبة لتنمية جامعاتهم فكريا وإداريا وماديا. ربما يقول قائل: ومن أين ستأتي الأموال لكل ذلك؟ نعتقد أن الدولة الأردنية هي التي تملك الجواب. فلتبحث الدولة في أوجه الانفاق في الموازنة العامة. فلنسأل الدولة عن حجم الإنفاق العسكري وحجم الإنفاق على بناء الطرق. التعليم لا يقل أهمية، بل هو الأولوية اليوم، فلا مستقبل لاستقرار الأردن وأمنه وأمانه بوجود أجيال من الشباب الذين يتلقون تعليما بهذه الجودة المتدنية وبهذه القيم الهدامة. فلنجعل التعليم أولوية قصوى حتى لو اضطررنا للاقتراض من أجل تحسين الجامعات علميا. ٦. استخلاص العبر من بعض المؤسسات التعليمية الناجحة في الأردن وتطبيق الدروس المستقاة على باقي الجامعات، فلماذا لا نسمع عن مشاجرات جامعية في جامعة الأميرة سمية أو في الجامعة الأردنية الألمانية مثلا؟ ٧ .الوقف الفوري والنهائي للتدخل الأمني في الجامعات واطلاق حرية التعبير والنشاط الفكري والسياسي والأكاديمي في كل الجامعات الأردنية. ٨ .التوقف عن التهاون القانوني مع مثيري المشاجرات الجامعية والمشتركين في أعمال عنف وتخريب في الجامعات أو من يشجعه أو يحرض عليه. ٩. دعودة النوادي الرياضية والمؤسسات الثقافية والجهات التطوعية إلى العمل  داخل الجامعات وإجبار جميع الجامعات قانونيا على بدء سلسلة من النشاطات المتنوعة وتشجيع جميع الطلبة على الإشتراك بها. ١ ٠. مراجعة التشريعات الناظمة لعمل جميع الجامعات لضمان عدم طغيان الجانب التجاري والربح السريع على نشاطاتها. إن الانتفاضة والحراك والثورة المطلوبة أردنيا يجب أن تكون موجهة نحو التعليم!  وواجب كل أستاذ وطالب ومثقف متنور أن يشارك في هذه الانتفاضة. فما فائدة الحريات السياسية التي ننادي بها في مجتمع يستشري فيه الجهل والتعصب؟ لقد أثبتت الدولة الأردنية أنها قادرة على مواجهة الارهاب، وتحصيل ضريبة المبيعات، وإجراء انتخابات نزيهة ورفع أسعار المحروقات عندما توفرت لديها الإرادة. فهل هناك إرادة عند الدولة، ومعها المجتمع، لإطلاق حوار وطني حقيقي وإجراء عملية جراحية لإعادة بناء جامعاتنا وإنقاذ مستقبل الأردن؟