في كلفة اللاجئين
بقلم الدكتور يوسف منصور من حق الأردن دائما أن يحتسب تكاليف عبء استضافة أي لاجئ على الاقتصاد المحلي، وخاصة ما ينجم عنه من ضغط على البنية التحتية التي تعاني منذ سنين من عدم التحديث وبالكاد تسد حاجة "المعزبين" ذاتهم، واستهلاك لموارد مدعومة كالكهرباء والوقود والماء وبالتالي إرهاق موازنة مرهقة منذ سنين. ومن حق الأردن أن يطالب المجتمع الدولي والدول المانحة في المنطقة والعالم بأن يقوموا هم ايضا بدورهم في مساندة إخوتنا، ولا نطالبهم باستضافة ضيوفنا من سوريا بدلا منا فالبيت الأردني معروف بالنخوة والكرم، وكل ما نطلبه أن يتحمل الداني والقاصي جزءا من المسئولية. ولولا ضائقة الأردن المالية المزمنة، ربما ما قام أحد هنا بإطلاق مطالبات بالمليارات لتمكين دعم أشقائنا بين ظهرانينا فنحن أقدر وأولى بهم. ولكن، ومن أجل الأمانة الاقتصادية والأخلاقية (وكلاهما مهم غير أن الأخير أهم) فيجب أن يقر بعضهم أيضا بأن اقتصادنا يستفيد بعض الشيء من جموع الأشقاء الذين لجأوا ويلجأون إلينا في منطقة عديمة الاستقرار بسبب أمن وأمان الأردن قيادة ونظاما وشعبا. فقد رافق كل لجوء أو نزوح أو هجرة جماعية معدلات نمو اقتصادية كبيرة استمرت لبضع سنوات، وإذا استذكرنا الطفرة الاقتصادية التي شهدها الأردن بعد حرب الخليج الثانية ولجوء بضع مئات آلاف الإخوة من العراق، وتلك التي سبقتها مع عودة الأردنيين في 1990 نتيجة حرب الخليج الأولى، والطفرات الأخرى التي سبقتها نتيجة "النزحة" في 1967 و"النكبة" في 1948، كلها أتت بجموع بشرية وبقفزات في معدلات النمو لم نكن لنشهدها لولا المصائب الإنسانية التي أحاقت بمن حولنا والأفواج البشرية العارمة المتدفقة بقدراتها ومدخراتها التي تترجم إلى ارتفاع وتيرة الطلب ما يؤدي إلى زيادة في النشاط والنمو الاقتصادي، وزيادة في الإنفاق الاستثماري ما يحسن من رأس مال البلد ويزيد من إنتاجه وبالتالي من العرض ويقود إلى معدلات نمو أكثر ارتفاعا مما سبق. نعم، ارتفع استهلاك الماء (اللاجئ قد لا يستهلك أكثر من ثلث ما يستهلكه الأردني بالمتوسط)، والكهرباء، والمشتقات النفطية وكلها حسب تصريحات الحكومة مدعومة، وقام المجلس الاقتصادي الاجتماعي بحساب التكاليف الناجمة عن هذه الاستضافة وقاموا بعمل دراسة قد لا تشوبها شائبة حول التكاليف فكانت النتيجة أن الكلفة حتى الآن بلغت 590 مليون دينار، وهي دراسة مهمة تهدف إلى بيان التكاليف وليس المنفعة. ولكن هنالك منافع لاستضافة اللاجئين، فقد تحرك سوق العقار وشهد الاقتصاد ارتفاعا نتيجة ازدياد معدلات الاستهلاك والاستثمار الناجمة عن قدوم اللاجئين (صرحت مؤسسة تشجيع الاستثمار بأن استثمارات إخواننا السوريين تزيد عن مليار دولار)، والاستثمارات التي تحولت من الأردن بدلا من سورية، وموسم السياحة الذي استفاد أيضا من أزمات سورية ولبنان، كلها منافع يجب أن تذكر، كما أن عمل بعضهم في وظائف في سوق العمل أدى لمنافسة غير الأردنيين (صرحت الحكومة قبل أسابيع بأن لدينا مليون عامل ضيف) لأن هذه الوظائف كانت حكرا على غير الأردنيين لعدم رغبة الأردنيين فيها. وقد يكون من المفيد حين نطلب من المانحين أن لا نذكر بعض منافع وجود اللاجئين وما نستفيده منهم اقتصاديا واجتماعيا من حيث هجرة العقول والقدرات والثروات إلى بلدنا، وربما يجب أن ندفن أرقام المنفعة بعد أن نحسبها، ولكن الأمانة تتطلب أن نكون صادقين مع أنفسنا فلا نبدأ بلوم اللاجئين على مشاكلنا الاقتصادية التي صنعناها بسواعد وعقول أردنية منذ 2009.ا عن العرب اليوم