عندما ينقلب التعويض لعنة على الحقوق
يحذر أطباء وقانونيون من انقلاب "حق التعويض" لمرضى تضرروا من أخطاء طبية، إلى "لعنة" على الجسم الطبي. فعدم معاقبة المخطئ تساهم في زيادة الأخطاء الطبية، في وقت لا تزال وزارة الصحة ونقابة الأطباء تتجاذبان لأجل الوصول لصيغة توافقية لقانون المساءلة الطبية.
الطبيب الذي أجرى عملية ولادة قيصرية لميسر الحيت، 34 عاما، نسي مقص طبي داخل بطنها، وهي ترفض تعويضها بالمال، وتقول إن الطبيب عليه أن يحاسب على فعلته تلك لكونه "ارتكب خطأ أساسه الإهمال"، إذ اضطر الأطباء لاستئصال عشرة سنتيمترات من أحشائها التي التفت حول المقص الذي بقي شهرين داخل بطنها.
ويشاطرها الرأي مراد عبد كامل حسين، 31 عاما، حيث توفي والده في أيار الماضي نتيجة إهمال الأطباء لأبيه عندما توقف جهاز القلب مدة دقيقتين وسط غيابهم عنه، ما أدخله في غيبوبة عميقة أدت إلى وفاته فيما بعد.
ويقول مراد إنه يريد وجميع أفراد عائلته محاسبة المتسببين في وفاة والدهم، لكون الإهمال أدى إلى الوفاة وبالنسبة لهم "لا تعويض على الوفاة".
الطبيب محمد بشير شريم، باحث ومتخصص في قضايا الأخطاء الطبية، يروي حادثة حصلت مع إحدى السيدات التي أقامت دعوى قضائية ضد طبيبها الذي أزال رحمها بالخطأ، لكنها عادت وسحبتها بعد أن دفع لها الطبيب مبلغ 15 ألف دينار. ويقول شريم إن هذه القضية لم يستفد منها أي من الطرفين، فالطبيب بقي مستمرا في عمله دون محاسبية رادعة.
ويضيف الدكتور شريم أن التعويض في الإهمال الطبي، "يزيد من احتمالية تكرار الأخطاء، لكون الطبيب الذي يقوم بالتعويض سيدفع باتجاه تنازل المريض عن حقه، وتبقى الساحة الطبية معرضة للانتهاك من وراء إهمال أطباء وعدم وجود رقابة ومحاسبة على أخطائهم".
المجلس الصحي العالي، وفي آخر دراساته الإحصائية، بين أن نسبة 76% يريدون "سقوف مالية للتعويضات تتراوح بين 50 - 100 ألف دينار".
الدكتور مؤمن الحديدي، رئيس مركز الطب الشرعي، يرى أن غياب أدوات الضبط والربط في الساحة الطبية يؤسس لحوادث "إهمال"، ويؤكد أن "لا أخطاء" في الطب في الأردن، "لا يوجد أرقام دقيقة لعدد الأخطاء الطبية".
كما لا يوجد قاعدة معلومات دقيقة حول أعداد الأخطاء الطبية التي وقعت في الجسم الطبي الأردني. ويعزو الحديدي ذلك إلى عدم وجود مرجعية محددة تتعامل مع الحالات التي يسجل فيها ضحايا، ويقول: "تعدد المرجعيات المستقبلة لشكاوى الأخطاء متعددة، من القضاء ووزارة الصحة ونقابة الأطباء"، ويعتقد أن كل قضية لها ظروفها.
وكانت وزارة الصحة اتخذت قرارا بسحب مشروع قانون المساءلة الطبية من رئاسة الوزراء لتعاد صياغته بالتعاون مع نقابة الأطباء بعد اعتراضها على عدم مشاركتها في صياغة المشروع، ويطالب نقيبها أحمد العرموطي بإعادة صياغة القانون "ضمن فريق يمثل كافة القطاعات الطبية" ليصدر بعد ذلك "قانون متوازن" يراعي مصلحة المريض والطبيب في ذات الوقت.
وزير الصحة الدكتور نايف الفايز، يقول في تصريح صحفي إن ملف الأخطاء الطبية واسع وأن وجود قانون للمساءلة الطبية "أمر ملح" لتنظيم المهنة وحماية حقوق الطبيب والمريض على سواء.
المحامي المتخصص بقضايا الأخطاء الطبية، تامر أبو السعود، يرى من جانبه أنه آن الأوان لإيجاد قانون ينظم عمل المستشفيات ويراقب ما يجري فيها ويحاسب المخطئ.
ويقول أبو السعود إن الجانب القضائي في قضية الأخطاء الطبية يستند دوما على قانوني "المدني" و"العقوبات" والأصل هو قانون المساءلة الطبية لسد جملة ثغرات في الساحة الطبية ولوقف الإهمال الحاصل في بعض الحالات.
وتنص المادة 256 من القانون المدني، على أن "كل إضرار بالغير يُلزم فاعله ولو غير مميز ضمان الضرر" كذلك المادة 265 "إذا تعدد المسؤولون عن الضرر كان كل منهم مسؤولاً بنسبة نصيبه فيه، وللمحكمة أن تقضي بالتساوي أو بالتضامن والتكافل فيما بينهم".
أما المادة 266 من ذات القانون "يقدر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار".
الدكتور شريم، يعتقد أن القانون بالأساس يحمي الأطباء ثم المواطنين، "الأطباء أولا لمحاسبة المخطئ منهم، ولإنصاف الضحية أو ذويها في حال وفاتها".
*هذا التقرير للصحفي محمد شما
إستمع الآن