طلاق المرأة: عندما يحرم المجتمع ما حللته الشرائع

 

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الانسان

 

ثمة مسميات ومبررات عديدة للطلاق عندما يكون ذكوريا، ولكنه لا يحمل سوى اسما واحدا عندما يرتبط بحق المرأة في حياة حرة كريمة بعيدة عن الإهانة والتجريح والإذلال، فهو "خلع"، وهو فوق ذلك مرفوض، إن لم يكن بسبب تأويل ما للنصوص الدينية، فهو مرفوض أيضا بحكم العادة والتقاليد والاستلاب.

 

منى (29 عاما) ضاقت بها سبل العيش مع زوج يسيء معاملتها على مدار أربع سنوات، هي عمر زواجها الذي أثمر طفلتين، لكنها لم تتمكن من الحصول على حريتها والتخلص من كل هذه المعاناة إلا بعد أن رفعت دعوى نفقة على الزوج الذي سارع إلى تطليقها، وتقول: "تزوجت صغيرة، كان عمري 17 عاما، واستمر زواجي أربع سنوات. بقيت لمدة سنتين وانا أحاول ان احصل على الطلاق بطريقة التفاهم، بعد ان توصلت الى قناعة ان حياتي معه مستحيلة، وان الاستمرار في الزواج ليس من مصلحة بناتي ايضا، فقررت ان اترك له البيت واخرج، وبقيت لمدة ثلاثة شهور حتى حصلت على الطلاق.. وما حصل معي أنني رفعت عليه قضية نفقة حتى تمكنت من الحصول على الطلاق".

 

لا يكفي أن تكون القوانين الناظمة للطلاق منحازة دائما وابدا للرجل، الذي وضعها وشرعها وفقا لمصالحه الخاصة وتأبيدا لسيطرته، فهو ايضا من يقوم بتطبيق هذه القوانين، وفي احيان كثيرة يمعن في التعسف والتجاوز على حقوق المرأة المنصوص عليها رغم قلتها.

 

تقول منى: "القاضي كرجل دائما يحاول ان يساعد الرجل، لكن في النهاية تحصلي على حقك. أما بالنسبة لدوائر الإجراء يحصل نفس الشيء فالشخص العامل بها رجل، ودائما تكون نظرته للمرأة أنها هي غلطانة ودائما يقوم على مساعدة الرجل وهذا إجحاف بحقها".

 

واذا ما تجرأت المرأة على طلب الطلاق بسبب إساءة معاملتها من قبل الزوج، فالامر في يد الرجل من قبل ومن بعد، سواء كان زوجا ام قاضيا، فهو من يقرر ما اذا كان طلب المرأة الحصول على الطلاق مبررا ام لا، وهو من يقرر مدى الاساءة او الضرر الذي لحق بنفس وجسد المرأة، لا هي نفسها.

 

ويرى القاضي سامر القبج أن القاضي "قد لا يقتنع بالإساءة ويقول أنها ليست إساءة كبيرة، في الواقع ليس من حقه ان يتدخل في هذا الأمر لأن القاضي في الأصل يقيم حدود الشرع، أي إساءة تقر بها الزوجة وأنه لا يمكن لها استمرار الحياة الزوجية مع هذا الرجل بسبب هذه الإساءة مهما كانت صغيرة، فإن من حقها ان تطلب التفريق وعليه ان يسمع البينة ويقيم البينة على الزوج وإذا ثبت يحكم بالتفريق، وإذا لم يفعل هناك المحكمة الأعلى وهي محكمة الاستئناف التي تقرر هذه الإساءة وتستوجب أو لا تستوجب التفريق".

 

ما هو اشد غرابة أن المجتمع قد تفوق على الشريعة في هذا الجانب بشكل ملفت، حيث أن الإسلام منح المرأة حق طلب التفريق وحق خلع زوجها إذا وجدت صعوبة في الاستمرار معه في علاقة زوجية مستقرة.

 

وبحسب القاضي سامر القبج فإن "التفريق للشقاق والنزاع شرعاً يعني أي إساءة تصدر من الزوج على الزوجة أو بالعكس من حق الطرف المتضرر ان يرفع الأمر أو الشكوى إلى القاضي ويطلب التفريق للشقاق والنزاع لحصول الضرر، وهذا الضرر يختلف، قد يكون ضررا ماديا أو معنويا".

 

وبحسب القبج فإن الفقهاء قالوا أن الرجل "لو نظر إليها (المرأة) نظرة قاسية وكان من عادتها أن تتأثر من هذه النظرة فمن حقها ان تطلب الطلاق لأجل ذلك. فالأمر إما ان يضيق وإما ان يوسع. إذا ثبت الضرر عند القاضي وأقيمت البينة عليه، فدعوة الشقاق والنزاع تثبت أما بإقرار الزوج وقوله أمام القاضي: نعم انا أساءت لها هذه الإساءة، وإما ان يشهد عليه شاهدان يقولان سمعناه يسيء أو سمعناه يقر بهذه الإساءة، أو ان تأتي بينة كتابية بأنه كان يضربها ضربا مبرحا وتذهب إلى الطب الشرعي وتحضر تقريرا بذلك وبالتالي يجب على القاضي ان يطلقها إذا طلبت الزوجة ذلك".

 

لا تنتهي مشاكل المرأة عندما تحصل على الطلاق، وهو في اغلب الحالات بل أكثرها، لا يتم بـ"الإحسان والمعروف" وإنما بالضرب والإهانة والتنكيل ونشر "الغسيل الوسخ" في أروقة المحاكم، وتنازل المرأة عن حقوقها في النفقة والأطفال، فعندما تصبح المرأة مطلقة تترك عرضة لنظرة المجتمع القاسية، تحاصرها الشكوك، وتتناهبها عيون الرجال كـ"فريسة" يسهل اصطيادها. تقول منى عن الطلاق: "أكيد هناك خسارة لان المرأة لا تستطيع التحكم بحياتها، وفي حال أصبحت مطلقة وأرادت الخروج في مشوار كل الناس تنظر لها بطريقة مختلفة تماما. وكونها إنسانة مطلقة ليس من المفروض ان تكون بين البشر، لا تستطيع ان تعيش حياة طبيعية مع الناس في المجتمع، وفي الشغل عندما تقول انها مطلقة تتعرض لكثير من الأمور".

 

ولكن منى تفضل احتمال كل هذا على الاستمرار في زواجها وتقول: "رغم كل الأمور، لكن اشعر ان الحياة محتملة أكثر من الاستمرار في زواجي وان يعيش اولادي في نفسية محطمة، وادركت ان بناتي الان لديهن شخصية قوية ويعشن في أمان واستقرار، ولو كن في بيت أبيهن فلن يكون هناك أي نوع من الأمان والاستقرار".

 

المعاناة التي لا تحتمل للمرأة في زواج مفروض بحكم الأمر الواقع، والضغوط المتعددة من جهات مختلفة لانهاء هذا الوضع المجحف للنساء، دفع بالحكومة الأردنية وبضغط التطورات، إلى إدخال تعديل على قانون الأحوال الشخصية عام 2001 سمح بموجبه للمرأة "خلع" نفسها، ولكن مادة "الخلع" شابها الكثير من العيوب فبدت مبادرة "عرجاء" فلا معنى من سن قانون حساس ومهم كهذا في قانون مؤقت، سيبقى فريسة سهلة أمام الرافضين له بالطعن بدستوريته من الأساس دون حتى مناقشته في مجلس النواب.

 

ويظهر تساؤل: لماذا لم تقم الحكومة بالبحث المطول في القانون والشريعة للوصول إلى صيغة يقبل بها الجميع ولا تنتهك حقوق المرأة بالنهاية.

 

يقول القاضي سامر القبج: "مجلس النواب هو إحدى جناحي مجلس الأمة، يمثل الشعب وهو يستطيع ان يقرر ما هو المناسب، ولكن من الواقع القضائي فان قانون التفريق للشقاق والنزاع أفضل لمصلحة المرأة بسبب ان المرأة في التفريق والنزاع تأخذ حقوق ولا ترد حقوق، ولكن في الخلع نجبرها ان ترجع حقوق وهي مظلومة ومهانة ومضروبة، رغم ما عمل بها نقول لها ان ترجع كافة ما استلمت من مهر عندما نجعله يطلقك".

 

ورغم هذه العيوب في المادة التي يشير اليها القاضي فان مجلس النواب الأردني ذي الأغلبية العشائرية وبمشاركة الاسلاميين رد القانون لاول مرة ولكنه أعيد إليه من قبل مجلس الأعيان الأكثر ليبرالية. ويتعذر نواب إسلاميون وعشائريون ومستقلون برفضهم للقانون بأنه في شكله الحالي يشجع الطلاق والتفكك الاسري وإن الطلاق على هذا النحو لم يأت كما احلته الشريعة الإسلامية. وقد نفهم جميع الأسباب ولكننا لا نبررها فيما عدا الشرعية منها، إذ كيف يبرر الإسلاميين وممثليهم في مجلس النواب رفضهم لقانون اساسه الشريعة بحجة أنه نابع من سياسة التغريب والانفتاح.

 

تقول النائب السابقة أدب السعود، وهى إسلامية مستقلة: "ما نعارضه هو الخلع القضائي وليس الخلع بالتراضي وهو الموجود في الشريعة السلامية".

 

وأضافت ان "الطلاق من حق الرجل وليس القاضي"، فإذا كان الطلاق وهو ابغض الحلال لا بد منه فليقم الزوج بتطليق زوجته".

 

وتضيف السعود: "نحن نطالب بتعديل الخلع القضائي حتى يصبح الطلاق باتفاق الطرفين... الطلاق غير محبب الى الله ويترتب عليه هدم أسرة بالإضافة إلى الأوضاع النفسية السيئة للطرفين كما انه غير مقبول من ناحية اجتماعية وخصوصا بالنسبة للمرأة".

 

ولكن ما تحاول ان تتغاضى عنه النائبة هو: هل يكون الطلاق "ايجابيا" عندما يكون في يد الرجل؟ وهل الطلاق في هذه الحالة لا يسهم في تفكيك الاسرة؟ وكيف يفسر دعاة رفض حق المرأة في الطلاق وجود اكثر من تسعة آلاف حالة طلاق سنويا تعادل نصف عقود الزواج؟

 

قد يكون من المفهوم ان يدافع الرجل عن مكتسباته التي نالها طيلة عقود طويلة من التسلط، برفضه فكرة "الخلع" او حق المرأة في الطلاق، على ما يقول احمد (35 سنة): "هل الشريعة الإسلامية تسمح للمرأة بتطليق زوجها في أيام الرسول ام إنها اجتهاد من علماء الدين في هذه الأيام؟ ما دام لم يكن هناك قانون شرعي ينص على ذلك في أيام الرسول، لذلك يبقى هذا الأمر عبارة عن اجتهاد ويبقى لدينا اختلاف في الرأي، وليس من الشرط ان أكون على خطأ، ولا أتصور ان هذا الأمر يجوز. فالرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعض على بعض".

 

كما يتفق معه علي (48 سنة) فهو يسأل باستهجان: "تطلق نفسها؟ لماذا! ولأجل من! لا بد من أن يقام إصلاح بيننا حكم من أهلي وحكم من أهلها وآخر شيء الطلاق، وعندما تنفذ السبل يحدث الطلاق".

 

اما سامر فهو اذا كان يرفض حق المرأة في تطليق نفسها الا انه يبدي بعض "التسامح"، اذ يتفهم ان تطلب فقط الطلاق فيقول: "من حقها أن تطلب من زوجها الطلاق لا أن تطلقه، واسمها أن تفسخ نفسها لا أن تطلق نفسها، شخصيا أنا أرضى بمثل هذه الأعمال".

 

ما ليس مفهوما هو ان تدافع المرأة عن هذه المكاسب الذكورية المجحفة بحقها وتتبنى نظرة "نمطية" عن نفسها عززتها ثقافة سائدة وصلت بها الى حالة من "الاستلاب" الكلي فصمها عن كونها انسانا له كيانه الخاص متساو في الحقوق والواجبات.

 

فعالية (22 سنة) ترفض الفكرة من حيث الاساس وهي تتبنى الفكرة الشائعة عن كون المرأة "عاطفية جدا" ولا تتحكم في مشاعرها، فتقول: "انا أُطلق نفسي! الأمر يعتبر صعبا وانا أجد أنه يجب أن تكون بيد الرجل لان المرأة بطبيعتها عاطفية وفي كل مشكلة صغيرة ستطلب الطلاق وأظن ان الأسرة ستدمر بسرعة".

 

ورانيا (22) لا تؤيد حق المرأة بتطليق نفسها ايضا: "بصراحة أنا لا أؤيد، وأن تخلع نفسها فلذلك ظروف، لكن ليس في كل مرة يحصل خلاف بينهما تذهب وتخلع حالها أو تطلق حالها، وهنا قد يصبح الكل مطلق، وعندما تصبح الحياة مستحيلة عندها يمكن الطلاق. كل علاقة زوجية فيها الكثير من خلافات وفي كل خلاف يحدث عندها طلاق وخلع فما معنى الحياة الزوجية".

 

والامر نفسه بالنسبة لسمر (22 عاما) اذا تقول: "إذا كان هناك مشاكل ممكن ان يتم الطلاق، لكن يكون الطلاق بيد الرجل. لا ينفع ان يكون بيد المرأة، لماذا تكون بيدها! تخلعه إذا كانت تعيش معه بجحيم، لكن أن يكون الطلاق بيدها لا".

 

اما مريم (29 سنة) فهي الاخرى ترفض هذا الحق وتقول: "لا أؤيد حتى لو كانت لديها مشكلة في بيتها أو يتعلق بأولادها، أن تجلس في بيتها أحسن لها، لكن إذا كانت الحياة الزوجية جحيم فتطلب عندها الطلاق، لا يوجد مشكلة في ذلك".

 

وعلى أي حال، ففي ضوء ما تؤكده بعض الاحصائيات والدراسات على ان اكثر من نصف المتزوجين في الاردن يعيشون في حالة "طلاق فعلية" دون ان يتحول الامر الى "طلاق رسمي" مسجل في دوائر المحاكم، فان البعض بدأ ينظر بشكل اكثر واقعية الى مشكلة الطلاق بوصفها حلا لا بوصفها تفككا وهو بذلك لا يعيد الاشياء الى المجهول بل يؤكد حقيقة شرعية بوصف الطلاق حلال وان كان بغيضا.

 

ولعل أهم ما في الامر ان الكثير من النساء اصبحن اكثر تفهما لحق المرأة في الطلاق أو في الخلع وتشير إحصاءات انه في عام 2003 تقدمت حوالي 570 امرأة بطلب للطلاق، من بينهن 125 امرأة خلعن أزواجهن، بينما تم إسقاط 180 قضية لعدم الحضور، وباقي 265 ما زلن ينتظرن الحكم.

 

وسمية (25 سنة) هي واحدة ممن استطعن التخلص من هذه الثقافة النمطية فهي تؤكد على تأييدها للخلع وتقول: "أكيد أؤيد إذا في ضرورة، لما لا، من حقها أن تطلق".

 

وتوافقها نورا (22 سنة) وتقول: "لماذا انتظر إذا كنت مكانها، إذا لم يكن هناك اتفاق بيني وبينه، أو يوجد تدخل من أهله وشخصيته ضعيفة بالتأكيد سألجأ إلى الطلاق".

 

وحتى عالية التي رفضت الفكرة فهي لا تستطيع ان تتجاهل الواقع الصعب حين تجد المرأة نفسها في زواج مدمر فتقول: "ولكن حاليا أصبح الخلع هو الحل الأخير بالنسبة لها خصوصا إذا كان هناك مشاكل ليس لها حل وتؤثر على نفسيتها وحياتها، ولا تستطيع العيش معه ولا يرغب بتطليقها، فإذا الخلع هو الحل الأنسب بالنسبة لها".

 

 

أضف تعليقك