"خدش الحياء العام" يقيد حرية كفلها الدستور

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان

بعد مغيب شمس كل يوم تعترض دورية أمن عام شاب وفتاة وتوبخهما وتتهددهما باقتيادهما لمركز الشرطة لكونهما يجلسان في سيارتهما المصطفة أو يمشيان في شارع عام متشابكا الأيدي، وذلك للاشتباه باقترافهما سلوكا "يخدش الحياء العامة".

 

قرابة ثلاثين شاب وفتاة رووا لنا تجاربهم مع دوريات النجدة والبحث الجنائي التي اعترضتهم يوما، دون أن يعرفوا على أي قانون استند الشرطي في توقيفهم وتعنيفهم. وقلة منهم اقتيدوا فعلا إلى مركز الشرطة حيث سمعوا عبارات من مثل كنت في "ظروف تجلب الشبهة" أو ارتكبت سلوكا "يخدش الحياء العام"، وأي منهم لم يحول إلى المحكمة.

 

كان عمر عائدا ليلا من حفل زفاف في منطقة طريق المطار ومعه خطيبته وتوقفت قليلا بجانب الطريق، عندما اعترضته سيارة نجدة وسأله الشرطي عما يفعل. "أجبته بأنني توقفت للحظات وسأتحرك، فطلب هويتي ورخصتي فأظهرتهما فورا، ثم بدأ يحدثني عن عشائه الذي تأخرا عنه بسببي. فجاملتهما خوفا من الوقوع في مشكلة خصوصا أن خطيبتي معي وقلت لهما: عشاؤكما عندي لكن بعد أن أوصل خطيبتي إلى البيت، فقالا: لا داعي نفضل أن نتعشى وحدنا. لكنهما استمرا بالحديث عن عشائهما الذي سيبرد ولم يتركانا نذهب، فشعرت أنهما يريدان شيئا ما وخفت أن يأخذاني وخطيبتي إلى المخفر، فقلت لهما: إذن عشاؤكما على حسابي ومددت للشرطي 30 دينارا فأخذها وأعطاني رقمه وقال: اتصل بي في أي وقت تواجه فيه مشكلة مع دورية شرطة، وذهب".

 

أما هالة فكانت تسير مع خطيبهما حوالي الساعة التاسعة مساء ويد كل منهما حول خصر الآخر، عندما اعترضتهما دورية بحث جنائي فيها أربعة رجال بلباس مدني. "وقفت السيارة في منتصف الشارع ونادى السائق على خطيبي وقال: ما تفعلانه عيب وهذا مكان عام لا يجوز فيه هذا السلوك المخل بالآداب. وطلب هوية خطيبي فرفضنا إلا بعد أن أرانا هويته التي تثبت أنه بحث جنائي، فقلت له: نحن لا نفعل أي خطأ وطريقة مشينا ليست من شأن البحث الجنائي فالأولى أن تنشغلوا بأمور أهم. فرد بنبرة تحدي أن هذا من شأنه وهدد باقتيادنا لمركز الشرطة لإثبات ذلك. لكن خطيبي حاول مداراتهم لتهدئة الوضع، وبعد عشرة دقائق أفرجا سبيلنا".

 

وتتساءل هالة: "سلوكيات تخدش حياء من؟ في منطقتي أغلب الشباب والفتيات يفعلون ما أفعل. كما أن أسرتي وأصدقائي وجيراني، يوافقوني فيما أتصرف".

 

مدير المكتب الإعلامي في مديرية الأمن العام، محمد الخطيب، أوضح أن دوريات البحث الجنائي أو النجدة أو الأمن الوقائي، سواء كانت راجلة أو في مركبات، لها واجبات محددة في الشوارع، احترازية وقائية لمنع الجريمة قبل وقوعها، وذلك استنادا على قانون منع الجرام. والهدف من هذه الدوريات مراقبة وملاحقة الأشخاص المطلوبين. "وقد يتطلب ذلك أحيانا إيقاف الأشخاص أو الناس للحظات بسيطة لكي يتم التعرف عليهم ورؤية هوياتهم للتأكد مما إذا كانوا مطلوبين أو غير ذلك، وخاصة في أوقات الليل".

 

ونفى الخطيب أن يكون رجل شرطة قد أوقف رجل وإمرأة فقط من أجل التدقيق على الهويات. "هناك أحيانا شبان من الجيل الجديد موجودين في الشارع برفقة فتيات، فإذا قاما بأي فعل يخدش الحياء العام يقوم رجال الأمن العام بإيقافه وتنبيهه إلى هذا الموضوع. وإذا كان الفعل واضح وظاهر نأخذ إجراءات قانونية ونحولهم إلى المحكمة. وهذا عادة يقع في سيارات، لكن لا يوقف رجال الأمن الرجل الماشي برفقة خطيبته أو زوجته أو غيرها إلا إذا ارتكب فعلا يسيء للناس أو الحياء العام فعندها نتخذ الإجراءات الإدارية والقانونية".

 

"نحن مع حرية الناس وحرية الحركة والتنقل كاملة لكن بما لا يسئ إلى الآخرين"، يقول الخطيب. "نحن مجتمع محافظ ولدينا عادات وتقاليد وأنظمة وتعليمات، تردع الناس لكي لا يرتكبوا سلوكيات تخدش الحياء العام. من يريد أن يمسك بيد المرأة المرافقة له فليفعل ذلك في بيته، أما الشارع فهو للجميع وعلى الناس أن يحترموا أنفسهم والآخرين. والتعليمات واضحة ويقدر ضابط الدورية الموجود مستوى الفعل الذي حدث وبعدها تتم الإجراءات".

 

ولا تعتمد إجراءات الأمن العام على المزاجية، وفقا للخطيب. "فرجل الأمن بإمكانه تقدير إن كان هذا الشخص يمشي مع زوجته أو خطيبته أو أخته، لكن حركات هذا الشخص هي التي قد تثير انتباه رجال الأمن أكثر من الناس الآخرين لأن هذا هو اختصاصهم وأحيانا الناس هي التي تشتكي. وعندما نشعر أن هناك شبهة ما بحدوث جريمة فإننا نتعامل ضمن إطار القانون"، في إشارة إلى قانون منع الجرائم لعام 1954.

 

وقانون منع الجرائم، وفقا للمحامي مراد خريسات، غير دستوري. "لكن للأسف لا نستطيع الطعن في هذا القانون لأنه ليس لدينا محكمة دستورية لمراقبة مدى دستورية القوانين. يجب أن لا ينشأ أي قانون دون أن يصادق عليه مجلس النواب. ورغم نشوء هذه القوانين دون مرورها بالقنوات التشريعية، لا يعترض عليها النواب لأن أغلبهم ذوو خلفيات عسكرية".

 

ظهرت الأحكام العرفية في عام 1970، يبين خريسات، وبناء عليها صدر قانون الدفاع. وعليها كذلك نشأت المحكمة العسكرية، أو محكمة أمن الدولة، ونشأ قانون منع الجرائم. وعندما ألغي قانون الدفاع وألغيت الأحكام العرفية، كان الأصل أن يلغى كل ما نشأ عن هذا القانون، مثل المحكمة العسكرية وقانون منع الجرائم. لكنها لم تلغى، وبالتالي فهي غير دستورية.

 

كما أن الأصل في القانون أن الأعمال التحضيرية للجريمة غير معاقب عليها، إلا إذا دخل هذا العمل التحضيري حيز التنفيذ أو الشروع فيه. والمشكلة أن هذه الحالات ليس لها ضوابط ويحكمها التقدير الفردي لرجال الشرطة.

 

أما النائب الحالي ووزير العدل الأسبق، عبدالكريم الدغمي، فينفي أن يكون بعض رجال الأمن العام يتعسفون في تطبيق القوانين. "في الماضي كان هناك تشديد أكثر من الحاضر. الآن أنا أرى شباب وشابات في ظروف تخدش الحياء والذوق العام، وهناك نص في قانون العقوبات يمنع ذلك".

 

لكن وزير العدل الأسبق يقر بأن "خدش الحياء العام" و"ظروف تجلب الشبهة" تبقى عبارات مطاطة تخضع لتقدير رجل الأمن وثقافته وبيئته. "بعضهم قد يعتبر مسك الأيدي بين شاب وفتاة عيبا أو حراما، وآخرون لا يرون فيها شيئا. فهي تعود لذوق الإنسان ومزاجه وقناعاته وثقافته".

 

ولا يرى الدغمي تعارضا بين جريمة خدش الحياء العام في قانون العقوبات وبين الحريات الفردية في الدستور. "بإمكاني أن أمارس حريتي كإنسان دون التأثير على الآخرين أو أن أخدش حياء المجتمع أو الذوق العام، فهذا ملك للجميع وبالتالي انتهاكه يصبح جريمة في حق المجتمع".

 

ويحمل "شباب هذه الأيام" المسؤولية. "فوق الخطأ الذي يرتكبه يود الشاب إثبات رجولته أمام الفتاة التي يرافقها ويتحدى الشرطة والدولة والقوانين لأنه مسنود بعائلة كبيرة أو أب غني أو متنفذ، وزير أو نائب. الله يكون بعون رجال الشرطة"، يقول الدغمي.

 

لكن المحامي خريسات يشتكي من بعض رجال الأمن العام حين توليه قضايا "خدش الحياء العام". "نحن نعاني في المحاكم من رجال الشرطة الموقعين على الضبط ويتمنعون عن الحضور إلى المحكمة لمدد تصل سنة أو سنتين. فالضبط أمام القاضي لا يطعن فيه إلا بحضور الموقع عليه. لذلك يختار الناس راحة بالهم ودفع كفالة والاعتراف بذنب لم يرتكبوه، لكنها تسجل في قيدهم بأنهم ارتكبوا جريمة خدش الحياء العام أو ظروف تجلب الشبهة، ويصبحوا ذوو سوابق. وهذا يخدش العدالة".

 

 

أضف تعليقك