حق اختيار الدين

الرابط المختصر

محمد شما لوثائقيات  حقوق الإنسان

لا تزال سطوة العشائرية في المجتمع الأردني تلعب دوراً مؤثراً في جميع مناحي الحياة، وما يزال "الإعــلان العـالمي لحقـوق الإنسان" معلنا منذ ما يزيد عن ستين عاما لكنه يغيب عن أجندة مجتمع يجهل حقوقه الذي يحتويها هذا الإعلان.

تحفظ الأردن على المادة (18) من الإعلان العالمي الذي تضمن أن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة".

وتحفظ كذلك على المادة (16) من ذات الإعلان، والتي تنص على أن "للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله".

 

على أرض الواقع، تنظر الأربعينية "أم محمد" من شباك بيتها إلى الشارع حيث المارة وتحديداً إلى السيدات المتسوقات "بحسرة" ولا تستطيع الخروج من بيتها "بحرية" فهي ملاحقة من قبل ذويها الذين أهدروا دمها منذ العام 1991. وتقول: "أحببت مسلما وأردت الزواج منه، واعتنقت الدين الإسلامي منذ العام 1991 في سوريا حيث تزوجنا، لكن والدي وإخوتي الأربع رفضوا ما قمت به، بل وطالبوا بهدر بدمي، ما اضطرني إلى الاختفاء عن أنظارهم كل هذه السنوات".

 

"أم محمد" تقطن في إحدى المناطق القريبة من العاصمة عمان حيث تتواصل مع ثلاث سيدات أردنيات أخريات يتشابهن معها بالحال؛ هاربات من نار عشائرهن اللاتي أهدرت دمائهن لنفس السبب. وتقول أم محمد أن "هناك ما لا يقل عن ثلاثين سيدة اعتنقن الديانة الإسلامية ولا يتواصلن مع عائلاتهن".

 

تعمل السيدات الأربعة بإعداد الأطعمة والحلويات وبيعها للعائلات أو الجمعيات، ويعتمدن على بعضهن البعض بالإضافة إلى عائلات مقتدرة أو جمعية المركز الإسلامي. "غير أن الدعم، تقول أم محمد، لا يغطي مصاريف البيت والأولاد خصوصا وأني منفصلة عن زوجي ما يدفعني والأخوات الفاضلات الثلاثة على إنتاج معجنات وحلويات وطبخ على أنواعه المختلفة وبيعها".

 

لا تصرح تلك النسوة عن أنفسهن في محيطهن. "النظرة السيئة لنا لا تزال تلاحقنا وشبح عائلتي وهدرها دمي لا يزال يؤرقني خصوصا وأني تركتهم وعمري 22 سنة وكانت علاقتي مع إخوتي ممتازة"، تقول أم محمد.

 

تجتمع السيدات في بيت إحداهن في عمان، يقمن بإعداد المأكولات وتحضيرها عند الطلب، ويعملن عن طريق المعارف والاتصالات من خلال ترويج رقم موبايل سيدة خامسة- لا تشبههن بالحال- ولكنها أتاحت بيتها وأدواتها سبيلا لمساعدتهن.

 

تحاول "أم محمد" وصديقاتها الثلاثة الاستمرار في حياتهن وعدم الرضوخ للمأساة، غير أن المجتمع فرض عليهن عزلة أضاعت حقوقهن لاسيما في المعاملات الحكومية. "نخاف من زيارة الدوائر الحكومية لأن الكثير من أبناء عشيرتي يعملون فيها وان ذهبت سيعرف أهلي مكاني"، تقول أم محمد.

 

لجأت "أم محمد" إلى الشرطة بعد اعتناقها الدين الإسلامي وتم حمايتها داخل إحدى المراكز لمدة 17 يوما، وبعدها ذهبت مع زوجها إلى مكان "مجهول الإقامة". "وبعد سنوات، تقول أم محمد، إيماني ازداد بديني بالمقابل ازداد اشتياقي لأهلي، فكثيرا ما أشعر بحزن عميق من وفاة والداي وأنا بعيدة عنهما".

 

"أم محمد" حاولت سابقا إعادة العلاقات مع أهلها سواء عن طريق اتصالات كانت تجريها معهم مباشرة أو عن طريق وسطاء، لكن جميع محاولاتها المستمرة على مدى سنوات باءت بالفشل. وتقول: "هذه ضريبة اختياري وحريتي في الحياة كما أردتها".

 

حاولت أم محمد سابقا فتح محل "بوتيك" لبيع أدوات منزلية قرب بيتها، لكن وبسبب المعاملات والتكلفة المالية التي وصلت إلى 200 دينار، توقف مشروعها بعد أن قامت بشراء بضاعة بالدين، ولكن سرعان ما أعادت البضاعة إلى أصحابها لتعود إلى المربع الأول من معاناتها.

 

صديقاتها أو "أخواتها في الحال"، كما تقول، يعشن وحيدات باستثناء واحدة منهن مطلقة ولديها أربعة أبناء، وجميعهن يعتمدن على مساعدات عينية تقدمها جمعيات تطوعية أو عائد ما يبعنه.

 

على الجانب الآخر، نقلت إحدى الفضائيات "التبشيرية" عن الشاب "سلطان" الذي كان يقطن في أحد مخيمات المملكة، وتحول إلى الدين المسيحي، منذ أقل من عام. "سلطان لم "يهدر دمه" إنما هدر دم زوجته "رنا" التي لم يتجاوز عمرها 20 عاما، حيث أقدم أبيها على قتلها بسبب عدم تركها لزوجها الذي غير دينه في حادثة وصفت بأنها جريمة شرف.

 

"سلطان" الذي يقطن خارج الأردن حالياً تحدث للفضائية عن أسباب تحوله للديانة المسيحية: "كانت عن طريق أحد رجال الدين شعرت بالراحة من حديثه، وفكرت كثيرا إلى أن قررت التعمد واعتناق المسيحية".

 

الحرمان من الحرية الدينية لا يقتصر فقط على من يريدون تغيير دينهم الأصلي، بل هناك من ينتمون لأسر تدين بالإسلام أو المسيحية، اختاروا أن لا يتبعوا أي دين، كما هو الحال مع رامي غير المقتنع بأي من الأديان، ويرى أنها لا تنسجم مع الواقع الحالي، ويوضح "أنا شخص واقعي وعلمي ولا أميل إلى الإيمان بالغيبيات. أما الأخلاق العامة التي تجمع عليها الأديان فتحكمها قدرة الإنسان بالفطرة على التمييز بين الخير والشر".

 

ويزيد رامي: "معظم المحيطين بي من أصدقاء وأقرباء وزملاء وصلوا إلى النتيجة التي وصلت لها، لكن يخشون التعبير عن ذلك بحرية ".

 

سلطة العشيرة أم سلطة الدين

 

العشيرة، لم تكن إلا نقمة على حياة "أم محمد" التي دفنت 16 عاما من حياتها في متاهات الخوف والهروب من أفراد عشيرة يحاصرونها في أماكن عامة؛ جعلها لسنوات عدة، حبيسة في بيت تستجدي حرية ذهبت أدراج رياحِ عادات وتقاليد لا ترحم حرية الفرد.

 

"العشيرة الأردنية تغيرت عن ذي قبل"، يقول طلال الماضي شيخ عشيرة العيسى. "العشائر الأردنية على اختلاف ديانتها متشابهة في العادات والتقاليد، لكنها في ما يخص الدين لا يصل الحد فيها إلى القتل"، لكن "ما حصل لتلك النسوة ما هو إلا رسالة لغيرهن من النساء إذ ما فكرن القيام بهذا الخطوة"، يقول الماضي.

 

ويضيف الشيخ الماضي: "غير أن العشائر المسيحية لا تقوم بالقتل وإنما بالتضييق على بعض النسوة اللاتي غيرن دينهن منعا لحالات أخرى قد تحصل فيما بعد، أما بالنسبة لهدر الدماء بالنسبة للعشائر على العموم تكون في القضايا المتعلقة بالشرف وقطع الوجه".

 

الشيخ طلال الماضي عايش تجربة تتشابه مع تجربة "أم محمد" حيث قام بحماية سيدة مسيحية اعتنقت الإسلام وتزوجت شاباً مسلماً وتمت الإجراءات من خلاله. لكن "القضية لم تكن حساسة كما كان متوقعاً، حيث أن تلك السيدة تتواصل مع أهلها بشكل طبيعي ولم يصل الأمر إلى حد هدر دمها".

 

شيخ عشيرة العيطان، فوزان العيطان، يقول إن "قصص تغيير الدين" ليست موجودة عند كل العشائر الأردنية. "ما نقوله نحن الدين لـ لله والوطن للجميع وكل واحد مخطئ فحسابه عند الله ونحن لا دخل لنا". "تدخلنا في قضايا تغيير الدين كثيرا وجميعها حلت بالتراضي بين الطرفين، لكنها نسبية من حيث الحلول الجذرية وعودة العلاقات بين الأسر مع بعضها البعض".

 

العيطان يؤكد أن الكثير من القضايا لا يكون هدر الدم فيها على أسس "دينية" إنما "قضايا الشرف" وكل ما يتعلق "بالعلاقات غير الشرعية".

 

"سطوة العشائر خفت في العاصمة، وقد يكون تأثيرها أكبر في مناطق الأرياف وكل ما هو خارج العاصمة"، يقول الأب سالم مدانات عضو المحكمة الكنيسة الأرثوذكسية، الذي يكشف عن حالات كثيرة اعتنقت فيها الكثير من المسيحيات الإسلام ثم ما لبثن بعد فترة وعدن إلى ديانتهن وكذلك العكس فهناك الكثير من الشبان والفتيات المسلمين يأتون إلى الكنيسة رغبة باعتناق المسيحية، ولا ملاحقة للفتيات اللواتي يغيرن دينهن، لأنهن سيعدن إلى عائلاتهن في نهاية المطاف ولدينا فتيات عادوا إلى المسيحية بعد سوء العلاقة"، يتحدث الأب مدانات وقد واكب عدة علاقات عادت إلى ما كانت عليه.

 

بحسب إحصاءات دائرة قاضي القضاة، فإن عدد الأفراد الذين اعتنقوا الإسلام خلال الأعوام 1997-2006 بلغ 3451 فردا من ذكور وإناث، والذين تقدموا في العام 2006 وسُجلت لهم حجج الإسلام بلغوا 488 وفي عام 2005 كان عددهم 454 فردا، وفي عام 2004 كان عددهم 396 فردا وفي عام 2003 كان العدد 319 فردا.

 

تقرير صدر مؤخرا عن مكتب "الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل" في وزارة الخارجية الأميركية، وصف الحريات الدينية في الأردن "بالمتدهورة" إلى جانب عدة دول عربية وإسلامية.

 

في الأردن حريات الأديان تراجعت حسب التقرير، راصدا الفترة التي غطاها (من تموز 2007 حتى تموز 2008) أحداث ساهمت سلبا في تدهور الحريات الدينية، منها "كيف تعاطت الحكومة مع حالات الارتداد عن الدين"، أبرز ما تناوله التقرير عن الأردن هو: جميع المواطنين بمن فيهم غير المسلمين خاضعون للقانون الإسلامي فيما يتعلق بالميراث. الأبناء القصر لمواطن اعتنق الإسلام يُعتبرون مسلمين، أما الأبناء البالغين لمسيحي اعتنق الإسلام فيحرمون من ميراث أبيهم ما لم يعتنقوا الإسلام.

 

كما تناول التقرير: حظر الحكومة التحوّل عن الإسلام أو التحريض على الردة. إلا أن الدستور لا ينص صراحة على حظر الدعوة إلى الردة عن الإسلام. كما أنه وبموجب الحكم الشرعي، المرتدون يفقدون حقوقهم المدنية وممتلكاتهم. أما الحكومة فلا تعترف بانضمامهم إلى دين آخر ويعاملون كمسلمين في تعاملاتهم المدنية مثل الزواج والطلاق. بالمقابل، تسمح الحكومة باعتناق الإسلام.

 

لكن، وبمقابل ذلك، فإن "جميع التحريات التي يجريها المركز الوطني، تعارض مثل هذا التقرير لأن الدستور كفل حماية وحرية العبادات والأديان في الأردن من كنائس وجوامع، وكفل حماية وحرية العبادات لكل مواطن أردني، لجميع المذاهب لذلك لا يوجد أي تحيز أو تمييز في الأردن بين مواطن أردني مسيحي أو مسلم، فالجميع يشهد أن حرية العبادات كلها محمية ومتوفرة للجميع بدون أي تمييز". وفق عدنان بدران رئيس مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان.

 

أضف تعليقك