تمكين: تضاربا في أعداد العمالة والمطالبة بتطبيق الاتفاقيات الدولية
-وثائقيات حقوق الإنسان-
اطلق مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان تقريرا حول احتياجات سوق العمل الأردني للعمال المهاجرين واتجاهات أصحاب العمل في دراسة تعتبر هي الأولى من نوعها تتعلق بهذا المجال.
وكشفت الدراسة التي أعلنتها المديرة التنفيذية للمركز لندا كلش في مؤتمر صحفي عقد صباح اليوم عن تضارب أعداد العمالة المصرية ما بين سفارة بلادهم التي تتحدث عن 424 عامل ووزارة العمل التي تراوح أرقامها 300 ألف عامل.
وتقدر مساهمة القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي تعمل فيها العمالة المهاجرة وتمثل نحو 20% من العاملين في هذه القطاعات بنحو (5743,1 ) مليون دينار لعام 2010.
وبالمقارنة بين مساهمة العمالة المهاجرة في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 والبالغ (1148,62) مليون دينار مع القيمة الإجمالية للتحويلات الخارجية لهذه العمالة في العام ذاته والبالغة (309,8) مليون دينار، يتبين أن مساهمة العمال المهاجرين في الاقتصاد تفوق تحويلاتهم بأضعاف.
تنص الإستراتيجية الوطنية للتشغيل على أن من أهدافها الرئيسية تخفيض نسبة العمالة الوافدة بمعدل سنوي يبلغ ( 5%) واستبدالها بالعمالة الأردنية، إلا أن هذه السياسة تعترضها العديد من العقبات.
منها عدم إقبال الأردنيين على العمل في القطاعات التي يعمل فيها العمالة المهاجرة، وذلك لعدة أسباب منها، الظروف الصعبة المحيطة ببعض هذه المهن وعدم وجود حماية اجتماعية كالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي كما في قطاع الزراعة الذي تبلغ نسبة العمالة المهاجرة فيه نحو (84% ) من عدد العاملين في هذا القطاع.
بعض هذه القطاعات تتطلب مجهود بدني شاق مثل قطاع الانشاءات، أما في قطاع التجارة والمطاعم والفنادق الذي يعمل فيه حوالي 24 ألف عامل مهاجر، فيضعف اقبال الأردنيين على هذا القطاع لعدم اقبالهم على مهن الضيافة والتحميل والتنزيل.
وكذلك من الأسباب التي تعيق احلال العمالة الأردنية محل العمالة المهاجرة ضعف اقبال الأردنيين على البرامج التدريبية، ففي مهنة الخياطة التي لاتتوفر فيها عمالة أردنية ماهرة بلغ عدد الملتحقين في التدريب على مهنة خياط عام 2010 فقط 181 ملتحق تخرج منهم 111 خريج، بينما يبلغ عدد العمال المهاجرين في هذا التخصص 7258 خياط و24485 فني خياطة.
أما في برامج الزراعة فقد بلغ عدد الملتحقين في البرامج التدريبية نحو 30 ملتحقا. وتكاد تكون التجربة التدريبية الوحيدة الناجحة هي تجربة الشركة الوطنية التابعة للقوات المسلحة لتدريب الأردنيين على مهن فنية مثل مهنة نجار أو حداد طوبار، وبليط وقص حجر ورخام، وبناء حجر .. حيث بلغ عدد الخريجين عام 2010 حوالي 1482 خريج.
وخلصت الدراسة إلى ضرورة أن العمالة المهاجرة تشكل موردا اقتصاديا إضافيا لأي دولة في تحقيق التنمية المستدامة، ولكنها تخضع لظروف سوق العمل واحتياجات كل بلد، حيث يحكم النظرة لواقع العمالة المهاجرة ومستقبلها أولويات المجتمع واحتياجاته السوقية وقدرته على استدامة النمو الاقتصادي.
ومن أهداف الدراسة: تقييم حاجة المملكة من العمالة المهاجرة وتحديد أسباب حاجة السوق اليها، وأسباب تفضيل القطاع الخاص لها، وكذلك التعرف على واقعها ومستقبلها والعوامل المحفزة والمنفرة للعمالة الوافدة في السوق. بالإضافة إلى إمكانية استبدالها بالعمالة الوطنية.
كذلك محاولة الوقوف على مدى مساهمة العمالة المهاجرة في تنشيط عجلة الاقتصاد الأردني وفيما إذا كانت تشكل عبئا على هذا الاقتصاد أو عاملا أساسيا في تنشيطه واستقراره.
فضلا محاولة التحقق من المقولة الشائعة في الأردن من أن العمالة المهاجرة تشكل عبئا على الاقتصاد الأردني ولا تقدم له الكثير وأنه يمكن الاستغناء عنها بسهولة.
واتبعت منهجية الدراسة جمع البيانات من خلال مصادر البيانات الثانوية (وتتضمن الكتب العلمية والتقارير الإحصائية والمراجع والدوريات العربية والأجنبية التي تناولت الموضوع وخصوصا الرسمية منها الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة وغيرها)، بالاضافة إلى استبيان أولي تم توزيعه على عينة الدراسة الذي يتكون من منشآت القطاع الخاص، بالاضافة إلى إجراء مقابلات مع أصحاب العمل.
وعن واقع العمالة المهاجرة في الأردن، إذ تتميز العمالة الأردنية بارتفاع مستوياتها التعليمية وكفاءاتها المهنية والإدارية، وفي المقابل نجد العمالة المهاجرة معظمها من ذوي التعليم المتدني ولا يتوفر لها الحد الأدنى من المهارات العملية والتعليمية، حيث ينعكس ذلك على الأجور التي يتقاضاها كل من العامل الأردني المهاجر والعامل المهاجر إلى الأردن، فتمتاز العمالة الأردنية في الخارج بارتفاع أجورها بشكل واضح وتوليها مناصب مهنية عالية، وبالمقابل نجد أن العمالة المهاجرة في الأردن معظمها عمالة بسيطة وذات مهارات متدنية وتتقاضى أجورا متدنية.
والعمالة المهاجرة في الأردن – وان كانت في أغلبها غير ماهرة – قد أسهمت بقدر معيَّن في استمرارية نشاط القطاعات الاقتصادية التقليدية، مثل: قطاع البناء، وقطاع الزراعة، والمجالات التي يحجم عادة أبناء الأردن عن العمل فيها كجمع النفايات مثلاً. كما كان لهذه العمالة اثرا في توسيع حجم السوق وزيادة الطلب على إنتاج واستهلاك السلع والخدمات، ودفع الضرائب وادَّخار الأموال...الخ ، وهو ما يترك أثرًا اقتصاديًا ملحوظًا على الاقتصاد الأردني الذي يستقبلهم.
- وفيما يتعلق بالعمل المنزلي الذي تحتكره العمالة المهاجرة، فهو من الأعمال غير المرغوب بها من قبل الأردنيين لأسباب تتعلق بشكل خاص بثقافة العيب، إضافة إلى أن اشتراط المبيت في منزل صاحب العمل يعتبر مرفوضا في غالب الحالات، وهو في معظم الأحيان غير مرض لأصحاب العمل، وخاصة ممن اعتادوا على استخدام عاملات المنازل المهاجرات، حيث تبيت العاملة في المنزل، وتعمل على مدار الساعة، كما أن حالات الانتهاكات التي ترتكب بحق العاملات المهاجرات قد عكس صورة سلبية عن هذه المهنة ونفورا اجتماعيا كما يفضل أصحاب العمل استخدام العاملات المهاجرات لأسباب تتعلق بسهولة استضعافها وإدارة عملها وإخضاعها بشكل كامل لأوامر العمل وأحيانا كثيرة استغلالها اقتصاديا وعدم دفع حقوقها، الأمر الذي يصعب ممارسته بحق العاملة الأردنية، ناهيك عن تفضيلهم استخدام العاملة المهاجرة لعدم إتقانها اللغة العربية بما يضمن عدم اطلاعها على خصوصيات الأسرة وعدم إفشاء أسرارها.
خطوة إغلاق بعض المهن أمام العمالة المهاجرة لم تكن ناجعة، حيث لم يقبل العامل الأردني على المهن الخدمية، لأسباب مختلفة، منها ثقافة العيب وطول ساعات العمل وغير ذلك من الأسباب.
أفاد 86,6 من أصحاب العمل أنه لايمكن الاستغناء عن العمالة المهاجرة في الوقت الراهن أو حتى في المستقبل القريب، وخاصة في مجالات الصناعة والزراعة والتشييد والبناء والعمالة المنزلية.
أهم ما يميز العمالة المهاجرة من وجهة نظرأصحاب العمل، توفر الخبرة الكافية والتخصصات المطلوبة و الدقة في الإنجاز والإنضباط في مواعيد العمل والاستعداد للبقاء في العمل مدة أطول دون إجازات سنوية، وكذلك طاعة الرؤساء، وإنتاجية العامل واحترام أنظمة المنشأة والمواظبة على العمل، وقبول التنقل حسب متطلبات المنشأة والتعاون مع الزملاء.
أهم أسباب استغنائهم عن العمالة المهاجرة فكان إلغاء الوظيفة أو العمل، ثم الالتزام بقانون العمل والأنظمة والتعليمات التي تنظم استخدام هذه العمالة، وجاء توافر البديل المحلي من العمالة في ذيل قائمة أسباب الاستغناء عن هذه العمالة.
أشار 77.2% من أفراد العينة، وهم أصحاب العمل في المنشآت الاقتصادية التي تشغل العمالة المهاجرة، إلى أن الأردنيين لا يقبلون على المهن والوظائف التي تؤديها العمالة المهاجرة، كما ذكر 60.7% من أفراد العينة أن مؤهلات النظام التعليمي الأردني لا تتناسب مع احتياجات العمل في منشآتهم، ولذلك ذكر 58.9% من أفراد العينة انه لا يمكن إحلال العمالة الأردنية محل العمالة المهاجرة في المهن التي يقومون بها دون التأثير على مستوى الإنتاجية في مؤسساتهم.
أفاد 85.2% من أفراد العينة، وهم أصحاب العمل في المنشآت الاقتصادية التي تشغل العمالة المهاجرة، بان احتياجاتهم إلى العمالة المهاجرة لأداء الأعمال التي يقومون بها في الوقت الحاضر ستستمر خلال السنوات الخمس القادمة، كما أفاد 63.3% من أفراد العينة بأنه لا توجد لديهم أي خطة مقترحة لتدريب العمالة المحلية على الأعمال التي تقوم بها العمالة المهاجرة، وهؤلاء يرون أن وجود خطة مقترحة لتدريب العمالة المحلية غير مهمة بنسبة 44,2% ومهمة إلى حد ما بنسبة 57.8%، بينما درجتي مهمة ومهمة جدا كانت نسبتيهما صفرا لعدم إشارة أي من أفراد العينة إليهما.
يفيد أصحاب العمل بأن إحلال العمالة المحلية محل العمالة المهاجرة لأداء الأعمال التي تقوم بها الأخيرة سوف يؤثر بدرجة كبيرة على مؤشري انخفاض مستوى أداء العمل وارتفاع إجمالي تكاليف الإنتاج.
أن سوق العمل الأردني بحاجة إلى عمالة مهاجرة لشغل مهن يبتعد عنها الأردنيون، وان أرباب العمل يفضلونها على العمالة المحلية لأسباب اقتصادية في المقام الأول في مقدمتها زيادة إنتاجية العامل المهاجر، وعدم استقرار العمالة المحلية في العمل، وضعف التزامها بأوقات الدوام. هذا إضافة إلى أن العامل المهاجر يعتبر أكثر تفرغا من العامل الأردني وتكريسا لنفسه للعمل في معظم الأوقات.
غالبًا ما يُحرم العمال المهاجرون من تقديم ميزات الضمان الاجتماعي والصحي والتقاعد وغيرها، في الوقت الذي تنسحب العمالة الأردنية من عدد من المهن بسبب انخفاض مستوى الأجور والامتيازات فيها.
غالباً ما يكون العمال المهاجرون أول من يتعرَّض للتسريح عند وقوع أزمة اقتصادية سواء على صعيد الشركة أو الدولة بالرغم من الحاجة لاستخدامهم في السوق الأردني.
إن وجهة النظر السائدة تجاه العمالة المهاجرة بأنها تعد عالة على الاقتصاد الأردني وتساهم بإخراج السيولة النقدية إلى الخارج ليست صحيحة مطلقا، ولا تعدو كونها فزاعة وعاملا من عوامل إشاعة الكراهية ضد العمال المهاجرين، فقد دلت الدراسة على أن مساهمة هذه الفئة من العمال تفوق في الناتج المحلي الإجمالي بأضعاف قيمة تحويلاتهم النقدية الخارجية. وهذا الأمر يجعل الاستغناء عن العمالة المهاجرة أمرا غير متصور ولا ممكن من الناحية الفعلية.
التوصيات الأساسية:
1-ضرورة التعرف على احتياجات سوق العمل من مختلف التخصصات من خلال دراسة مستقبلية واسعة النطاق تعكس بدقة حاجة السوق الأردني من العمالة المهاجرة قطاعيا.
2-ضرورة تأسيس قاعدة بيانات دورية خاصة بالعمالة المهاجرة وتوحيد مصدر نشر المعلومات الخاصة بها ومعالجة الإختلالات والتناقضات في المعلومات بين الجهات المختلفة.
3-تعزيز الدور الاعلامي حول نشر الوعي العام للمواطنين حول احترام العمل وقيمه والنظر إلى كافة المهن بنظرة تقدير وقبول، وأهمية عدم ازدراء أي من المهن أو العاملين فيها أو الترفع عنها.
4-ضرورة مواءمة مخرجات التعليم مع حاجة السوق، وتطوير التعليم المهني بما يتناسب مع الاحتياجات، مع تقديم حوافز مجزية للملتحقين بهذا النوع من التعليم.
5-العمل الحثيث على توفير البيئة التشريعية والحقوقية اللازمة لحماية حقوق العمالة المهاجرة وضمان احترامها وتأمينها.
6-التفكير جديا في قائمة المهن المغلقة واعتماد معايير واقعية وواضحة لإغلاق بعض المهن، وعدم إغلاق أية مهنة إلا بعد توفير البديل المحلي المناسب والمدرب تدريبا جيدا، والقادر على أداء العمل بكفاية وانضباط.