الهويّة الوطنية الأردنية
*مثنى غرايبه ليس هناك تعريف واحد لمعنى الهوية الوطنية، ولكن ربما يكون التعريف الأبسط هو أنها مجموع السمات والخصائص المشتركة التي تميز شعباً أو مجتمعاً أو وطناً معيناً عن غيره، يعتز بها مواطنوه وتشكل جوهر شخصية المجتمع المتميزة. وتتشكل هذه الهوية نتيجة عدّة عوامل منها التاريخ المشترك والتهديد المشترك وطبيعة الإقتصاد وسبل الإنتاج في الدولة وأحيانا يكون للجغرافيا دوراً مهمة في تشكيل هذه الهوية الوطنية. هذه الهوية ليست ثابتة وجامدة ونهائية وإنما هي في حالة نضج وتطور وحركة مستمرة معتمدة على الكثير من العوامل، والهوية تكتسب قيمتها ليس من ذاتها ومما لها من خصوصية بقدر ما تكتسب قيمتها مما لها من دور في بناء حياة كريمة ومستقبل مشرق لأبناء الوطن الواحد الذين يحملون هذه الهوية، فبالتأكيد لا يمكن أن يعتبر الفرنسيون أن هويتهم هي مرتبطة بلويس السادس عشر ولا نابليون ولا ديجول وإنما هي خلاصة القيم والمفاهيم والرموز التي يتبناها الفرنسيون في وصف أنفسهم، ولا أظن أن هوية السويد الوطنية مرتبطة بالفايكينج بقدر ما هي مرتبطة بدولة تنتج العديد من أنجح الصناعات في العالم وتستقبل اللاجئين من كل الدول المنكوبة وتحتضنهم وتعتبر ذلك مكوّن أساسي من هويتها. في الأردن يتم توظيف مفهوم الهوّية الوطنية من قبل البعض في إطار إشاعة الرعب بين أفراد المجتمع وتصبح الهوية مجرد وسيلة لإستفزاز مشاعر الناس للوصول للسلطة تماماً كما يتم إستغلال الدين من قبل جماعات أخرى، ويبدأ تصنيف الناس بتسرع بين ديجيتال وحرّاثين وكأن الهوية الأردنية معادية للتطور والعلم، ولو أنني أفتخر بأن جدّي حرّاث ووالدي حرّاث وعسكري وتعلمت الكثير عن الأرض وحبّها من والدي ومن قصص عمّي فليّح الغرايبة الحرّاث الذي كان يبذر أينما وجد تراباً أحمر وإحتمالاً للمطر، ولكن هذا التصنيف للتعبير عن الهوّية هو غير علمي فعلياً، فإذا نظرنا للأرقام الرسمية المعلنة من دائرة الإحصاءات العامة سنجد أن مساهمة قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الناتج المحلي الإجمالي تتجاوز ال 16% بينما للأسف لا يتجاوز مساهمة القطاع الزراعي ال 5.45% في الناتج المحلي الإجمالي، ورقم مماثل من مجموع فرص العمل في المملكة وهذا جزء كبير منه نتيجة سوء إدارةوتخطيط للحكومات المتعاقبة، ونجد أن العاملين في التعليم تقارب نسبتهم ال 10% من القادرين على العمل، والعاملين في القطاع الخاص يمثلون ما يقارب 69% من كامل القوى العاملة في الأردن حسب أرقام المرصد العمالي للعامين 2008\2009 وهؤلاء يتوزعون على الكثير من القطاعات الإنتاجية. مما سبق نستنتج أن التقسيم بين حراثين وديجيتال ربما كان صالحاً في سياق الإعتراض على حكومة الرفاعي لحظتها لتوصيف بعد تلك الحكومة كغيرها عن هموم الناس ومعاناتهم وإهتمامها بالتنمية الشكلية التي لا تصل للأرياف والبادية والمخيمات، لكن التجربة أثبتت عدم دقة ما أريد إقناع الناس به بأن المشكلة هي في الوزراء الديجيتال والذين تم إستبدالهم بحكومة البخيت من (أبناء الحرّاثين) لتكون أحد أسوأ الحكومات في تاريخ الأردن بإستثناءات بسيطة لبعض وزرائها، ولكن المحصلة النهائية للحكومة كانت ليس فقط سوء الإدارة المعتاد ولكن ما حصل من إعتداء على المتظاهرين في 25 آذار ومن عنف أهلي بسبب قانون البلديات الذي من المفروض أن يكون أبناء الحرّاثين أكثر الناس علماً بتبعات تغيير هكذا قانون، ومهدت هذه الحكومة لحكومة الخصاونة الطريق للتنصل الكلّي من مخرجات لجنة الحوار الوطني التي كانت بمجملها من أبناء الحرّاثين أيضاً الذين إتفقوا على ديباجة وقانون إنتخابات لا يهدّد الهوية الوطنية الأردنية بل يسمح لها بالظهور كمكون جامع منتج بدلاً من إستخدامها للتفريق بين من يحملونها كما حصل في قانون الإنتخاب الأخير. مجتمع الحرّاثين جزء أساسي وجوهري من الشعب الأردني وأتشرف بأني منهم، ولكنّه ليس التعبير الوحيد ولا الأساسي عن هوّية الأردن، فالبداوة أيضاً مكوّن أساسي من هوّية الأردن، وثقافة ما يزيد عن نصف مليون أردني مغترب في الخليج جزء أساسي من هوّية الأردن، ونمط الحياة في المدن الكبرى والمخيمات جزء أساسي من هوّية الأردن، ومئات الآلاف من العسكريين والمعلمين العاملين منهم والمتقاعدين، الهوّية الوطنية الأردنية لا يمكن لمخيم الحصن مثلاً إلا أن يكون جزءً منها وقد نزل عليه من قنابل الغاز المسيلة للدموع ما نزل على الطفيلة والكرك، وآلاف العمّال المظلومين في المدن الصناعية الذين يعملون بأجر أقل من الحد الأدنى للأجور هم مكوّن أساسي للهوية الوطنية الأردنية، وحتى علمياً يمكننا أن نصف العمالة الوافدة التي تشكل بشكل مستمر ما يزيد عن مليون فرد مقيم ومنتج في الأردن كجزء أساسي من المجتمع الأردني وطبيعته الإنتاجية التي تساهم في تشكيل هوّيته. ووجود كيان محتل وغاصب على الحدود نشترك وعمقنا العربي بالعداء له هو جزء أساسي من هويتنا الوطنية الأردنية. المذراة ولوح الدراس مكوّنات أساسية في ثقافتنا وتاريخنا ولكن لا تبنى بها وحدها الهوية الوطنية. الهوية الوطنية الأردنية هي الهوية التي تجمع المواطنين لبناء دولة مدنية ديموقراطية منتجة يمتلك مواطنوها قرارهم والقدرة على إدارة أمورهم، الهوّية الوطنية الأردنية تحدد الخلاف بالصراع بين الظالم والمظلوم لا غير. ناشط وعضو في التيار القومي التقدمي*