"المشاجرات العشائرية" فيول تراجع "هيبة الدولة" وتنامي "الهويات الفرعية"

الرابط المختصر

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان

كان العام 2009 فارقا في الأردن في ارتفاع عدد "المشاجرات العشائرية"، أو كما يسميها البعض مشاجرات "عائلية" أو "جماعية"، أسماء مختلفة لمشاجرات مسلحة بين أفراد من عشيرتين وأحداث شغب ينفذها أفراد من عشيرة، بإحراق إطارات في الشوارع وأكشاك تابعة لمديرية الشرطة، إطلاق عيارات نارية باتجاه أفراد أمن. وتنتهي جميعها بـ"عطوات عشائرية"، أي فض الخلاف والحكم فيه وفق قوانين خاصة بالعشائر.

وقعت 229 مشاجرة "عائلية" في العام 2010، كان معظمها في إقليم العاصمة عمان وبلغت 70 مشاجرة، إقليم الشمال 38 مشاجرة، إقليم الجنوب 59 مشاجرة، إقليم الوسط 47 مشاجرة، إقليم العقبة 10 مشاجرات وقيادة قوات البادية الملكية 5 مشاجرات "جماعية"، وفقا لإحصائية مديرية الأمن العام.

كشف عن هذه الأرقام مدير الأمن العام السابق مازن القاضي، في ملتقى "سيادة القانون وظاهرة التوترات الاجتماعية" الذي نظمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالتعاون مع مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية ومركز الدراسات الإستراتيجية الأمنية.

وفي الملتقى، كشف مدير وحدة الاستطلاعات في مركز الدراسات الإستراتيجية، السابق د. محمد المصري، أنّ أغلبية العينة الوطنية في استطلاع أجراه المركز، "تثق بالعشيرة أكثر من الدولة".

وقال القاضي إن "عام 2009 شهد تطوراً وتزايداً ملحوظاً في عدد ونوعية قضايا المشاجرات ذات الطابع الاجتماعي وبحالة غير مسبوقة في أعراف وتقاليد المجتمع الذي يتميز على الدوام بحالة من الأمن والأمان والتآلف والتراحم بين أبناء الأسرة الواحدة، وذلك لاختلاف نمط حدوث هذه المشاجرات، حيث امتدت واتسعت مساحتها وأطرافها وشملت الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والإضرار بها".

وعزا القاضي سبب تزايد هذه المشاجرات إلى "تراجع دور العشيرة في المملكة في التأثير على أفراد العشيرة والعائلة، ليحل مكانها قيادة العامل الاقتصادي والمتنفذين ماليا من أصحاب المصالح والشركات والمؤسسات المالية والتجارية".

وفي أوساط العام 2010 نظمت وزارة التنمية السياسية الملتقى الوطني "سيادة القانون أساس بناء الدولة الحديثة"، وتميز الملتقى بحضور ساد فيه المعادين "لليبراليين"، أو "المحافظين" كما يسميهم الليبراليون.

وفي الملتقى تحدث رئيس الوزراء السابق معروف البخيت عن أن "العشيرة هي بنية اجتماعية مفيدة من الممكن أن تكون رادعا للعضو فيها من ارتكاب الجريمة ولكن لا يجوز أن يتم تسييسها".

أما وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة فقال أن "بلادنا تشهد في السنوات الأخيرة هجمة ظالمة على العشائرية والعشائر من قبل من يزعمون أنهم يسعون إلى التطوير لكنهم يتخفون وراء هذه المزاعم معتبرا هذا الهجوم نهجا يسعى إلى إضعاف وتفكيك الدولة الأردنية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي". واعتبر الحباشنة أن "لا تعارض بين العشائرية والقانون وان العرف العشائري يعتبر المقتول على أيدي أجهزة الأمن خارج على القانون لا تجوز المطالبة بدمه".

وبين القاضي العشائري، الشيخ بركات الزهير، أن القانون العشائري وجد قبل الإسلام واستمر خلاله، وأن "طبيعة الأردن العشائرية التي لا تتناقض مع التطور والحضارة".

الصحافي والكاتب ياسر أبو هلالة أشار إلى أن "هناك خلط بين مفهوم العشيرة والعشائرية، ولا مشكلة مع العشيرة في إطارها وحيزها الطبيعي الاجتماعي لا السياسي. لكن هناك من يدافع عن العشائرية لأسباب سياسية ومن يهاجمها لذات الأسباب".

"المشاجرات العشائرية" امتدت لتشمل الطلاب داخل الجامعات. وقدر عددها مدير إقليم أمن العاصمة، فهد الكساسبة، بـ767 مشاجرة وشغب خلال الـ12 سنة الأخيرة (1995 - 2007) داخل حرم الجامعات الأردنية، كان منها 17 مشاجرة خلال عام 2007 و82 مشاجرة خلال 2006 و41 في 2005 و102 في 1999. وكشفت الأرقام عن أن معدل المشاجرات الجامعية في الأردن بلغ نحو 64 مشاجرة في العام.

الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي. يعزو سبب العنف في الجامعات إلى "الحملة المنهجية التي تعرضت لها الجامعات طوال ثلاثة عقود، بمنع القوى السياسية من العمل والنشاط داخلها، حيث بقيت الجامعات في حالة خواء سياسي وبعيدة عن العمل العام".

ويلفت منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا"، فاخر الدعاس، إلى "نظام الصوت الواحد في الجامعات الأردنية"، كأحد أبرز أسباب العنف في الجامعات، لأنه "يعزز الفكر العشائري والإقليمي عند طلاب الجامعات".

ورغم قدم الظاهرة، لفت "العنف العشائري" الأنظار مؤخرا، ليس بسبب ارتفاع عددها وحسب، بل ولتطور حجمها وحدتها كذلك. مشاجرة مدينة عجلون (شمال الأردن) في 21 آب الماضي كانت نقطة تحول في شكل المشاجرات العشائرية في الأردن، فقد امتدت وبعنف شديد لعدة أيام ووقفت الحكومة وأجهزتها عاجزة عن السيطرة على الموقف.

ومنذ ذلك الحين بدأ محللون وكتاب صحف يحذرون من "زعزعة هيبة الدولة"، و"تنامي الهويات الفرعية" الناتجة عن ظاهرة المشاجرات العشائرية. الكاتب فهد الخيطان وصف مشاجرة عجلون بأنها "مظاهر استقواء على الدولة التي اقتصر حضورها على قوات الدرك، بينما غابت باقي الأدوات وكل القوى الوسيطة في الدولة والمجتمع".

الكاتب جميل النمري أبدى تفهمه "لقبول الأعراف العشائرية إلى جانب القانون المدني على أن لا تتجاوز عن القانون وتنتقص منه". وانتقد بعض البنود التي تضمنتها "العطوة العشائرية" في مشاجرة عجلون، وخاصة تلك التي تتضمن مخالفات قانونية صريحة، معربا عن خشيته من أن تكون هذه الحالة "سابقة قد تجعل البلد بمواجهة حالات مشابهة يفرض الناس فيها شروطهم الخاصة المتناقضة مع القوانين".

"المشاجرات العشائرية" لم تتوقف عند حادثة عجلون، ففي أسبوع واحد من تشرين ثاني 2009 وقعت أحداث مشابهة في مدينة معان (جنوب الأردن) وفي حي الطفايلة بالعاصمة عمان (نسبة إلى مدينة الطفيلة جنوب الأردن). لكن في كل من الحادثتين اندلعت أعمال شغب إثر مقتل أحد أفراد العشيرة على يدي رجال أمن عام. وهنا كانت الدولة، ممثلة بالأمن العام، طرفا في عطوتين أمنيتين.

وزير الداخلية صرّح في حينها أن "معالجة مشكلات من هذا النوع، تتم بتطبيق القانون والنظام، وأن "العطوة والصلح خطوط جانبية يسلكها بعض المعنيين بحل المشكلة، وليس على حساب القانون والنظام والمحاكمة التي هي السبيل الوحيد لفرض النظام وتكريس الأمن وهيبة الدولة". لكن الوزير أكد في الوقت نفسه أن العشائر "أسهمت في إنهاء مثل هذه المشكلات، وساعدت رجال الأمن في السيطرة على الموقف"، وأن "العادات والأعراف العشائرية لا تسمح بمثل هذه السلوكيات".

الناشط الحقوقي المحامي طالب السقاف يرى أن العطوة "نافذة واسعة لإمكانية الإفلات من العقاب، وهو ما لا نحتاجه في جهود مناهضة التعذيب وسوء المعاملة على المستوى الوطني".

ويلفت السقاف، إلى التأثير السلبي للعطوة الأمنية لكونها "تكرس معتقدات سائدة عند المواطنين بأن رجال الأمن العام يميزون بين المواطنين في المعاملة، تبعا لمركزهم الاجتماعي والعشائري أو الاقتصادي. ولجوء جهات معنية بتحقيق المساواة بين المواطنين وتنفيذ قرارات العدالة، إلى ممارسات تقوم على التمييز، يعتبر من دروب سوء المعاملة التي لا يجوز أن تحصل".

وفي تشخيصه لمشكلة "العنف العشائري" يقول أستاذ علم الاجتماع موسى شتيوي لوثائقيات حقوق الإنسان، أن هناك مشكلة في ثقافة حقوق الإنسان كما في الثقافة السلمية وثقافة احترام القانون. "لدينا أزمة ثقافية في هذا الموضوع لدى كل الأطراف، سواء أكانوا مواطنين أم جهات رسمية، لكن من الظلم أن نعممها".

"الأجهزة الأمنية تفرض في استخدام القوة، والناس من جهة أخرى أصبحوا يتجرأون ويتطاولون على رجال الأمن ويوجهون لهم الإهانات، مثل اعتداء مواطنين على موظفين في مواقع عملهم، بل إن حالات اعتداء مواطنين على جهات رسمية أكثر من حالات اعتداء رجال أمن على مواطنين".

أما الكاتب أحمد أبو خليل فيرى أن المشكلة، وتحديدا في أحداث معان وحي الطفايلة، هي في "وصول مواطنين إلى حالة عدم ثقة بجهاز الدولة، وعدّه خصماً لهم". وهذا برأيه ناتج عن "انسحاب الدولة، وبشكل متسارع، من علاقاتها مع المجتمع، سواء في المواضيع الاجتماعية والاقتصادية أو الأمنية أو المصالح، أو حتى في الموضوع الأكبر: الكرامة الوطنية"، ما يبرر عودة أشخاص إلى العشيرة، بوصفها الدائرة التي توفر لهم حماية وشخصية وهوية وحضوراً في المجتمع.

ويقول أبوخليل أن "الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، تكشف عن نمط جديد يُخشى من تكريسه بالتدريج في العلاقة بين العشائر والدولة، هو النظر إلى الدولة بوصفها عشيرة هي الأخرى، ما يستدعي إعادة النظر في طبيعة هذه العلاقة، لوضع الأمور في نصابها".