العاملات في قطاع الترفيه: تمييز واضطهاد ونظرة دونية

الرابط المختصر

سوسن زايدة

إذا كان عمل المرأة مطلبا حيويا لتقدّم أي مجتمع، فماذا لو كان هذا العمل إجباريا، ترغم عليه النساء بفعل الظروف الاقتصادية والاجتماعية. والعمل في قطاع الترفيه يبدو، في بعض فروعه على الأقل، من نوع تلك الاعمال التي تجبر عليها المرأة ويفعل شدا عكسيا في تأخير وضعها لا في تمكينها.

شهد الاردن خلال السنوات الاخيرة، لاسباب تتعلق بجذب الاستثمار وتنشيط السياحة، ومآرب واسباب اخرى، زيادة كبيرة في مراكز الترفيه. فانتشرت في البلاد عشرات المراكز التي تعنى بالرجال تدليكا وتمسيجا، ومئات المقاهي او "الكوفي شوبس"، والحمامات المغربية والتركية والنوادي الليلة وعشرات الفنادق والمطاعم، القديم منها والحديث.

ولما كانت مراكز الترفيه هذه معنية بجذب الزبائن وتحقيق الربح الوفير فهي تفضل تشغيل النساء، وبخاصة الفتيات. وهكذا فقد شهد الاردن ايضا طفرة في عدد النساء العاملات في قطاع الترفيه او ما تطلق عليه الحكومة "قطاع تنشيط السياحة". واذ ان المجتمع الاردني لا يزال محافظا فقد تم "استيراد" آلاف النساء من الخارج من دول أوروبا الشرقية والمغرب وبنسب قليلة من سوريا ومصر ومن العراق ولبنان.

لا احد يعرف على وجه الدقة عدد العاملات في هذا القطاع، بيد ان بعض الجهات تقدر العدد بما لا يقل عن عشرة آلاف، بينهن ألفي امرأة مغربية يعملن في العاصمة وحدها (بحسب صحيفة الغد). وقد دفعت ظروف الفقر في المغرب هؤلاء النسوة الى اختيار الاردن مكانا للعمل.

الفقر سيد الأسباب

تقول هدى، عاملة مساج مغربية (24 سنة): "نحن في المغرب نعاني من البطالة والفقر. وهنا بالأردن السوق تمام حاله، لان الأموال فيه كثيرة، والتعامل مع ناس ينتمون لطبقات غنية، ويرمون الأموال رميا".

وهدى التي وصلت الى الاردن عن طريق صديقة لها، وفقا لأقوالها، تعمل في عمان منذ ثلاث سنوات في المساج، وقد تخلت عن مهنتها الاصلية كسكرتيرة في شركة لتقوم بتدليك "أقدام وظهر ورقبة وأيدي الزبائن، بطرق مختلفة عبر مستحضرات وكريمات"، حسب قولها. وكل ذلك لقاء مائتي دينار شهريا، عدا الإكرامية، عليها ان توزعها بين اسرتها ونفقاتها الشخصية وأجرة سكنها التي تتشارك فيه مع أربع صديقات من نفس موطنها.

اما زبائن هدى فهم "أردنيون وعرب وحتى أجانب، وهناك الكثير من الطلاب الخليجيين".

اذا كانت هدى رفضت الحديث عن خفايا عملها، وعما يشاع عن بعض مراكز المساج هذه من انها تحولت الى مراكز للدعارة الخفية، وعن رفضها التعامل معها كـ"لقمة سهلة"، كما تقول، فان تقارير اعلامية لصحفيات مغربيات تقمصن دور الباحثات عن عمل كشفت عن أبشع وجوه استغلال لهؤلاء الفتيات والاتجار بهن عبر شبكات دولية منظمة وعن ممارسة الخداع والعنف عليهن لحملهن على العمل كمومسات.

وحتى عندما لا تكره هدى على العمل في مهنة غير التي تم التعاقد معها عليها فإنها تتعرض لتعسف صاحب العمل، فتقول انه يشاركها مالها ويشترط عليها أن يتقاسما الإكرامية، حال كانت كبيرة. وتضيف انه في احدى المرات مرة دُفع لي إكرامية ضاهت راتبي بأضعاف فطلبها مني.

اما خلود (25 سنة)، العاملة في مقهى بحدائق الملك عبدالله، فهي كزميلتها هدى أجبرت على اختيار المهنة الشاقة هذه بسبب الفقر. وتقول: "دوامي يبدأ من الخامسة مساء حتى الساعة الواحدة ليلا، وأنا اعمل هنا منذ 7 سنوات، اعمل كي اعيل أهلي وحتى لا أعوزهم لأي احد، فلا أحد يساعدنا وأخي ليس موجودا في البيت، لا احد في البيت سوى أنا وأخواتي وأمي متوفاة وأبي مريض".

ورغم كل ما تبذله خلود من جهود شاقة في العمل فإن دخلها "يصل الى مائة وخمسين دينارا في الشهر".

اما ليلى (21 عاما)، مصرية تعمل في احد المقاهي فهي ليست بأفضل حال من ناحية الوضع الاقتصادي الذي اجبرها على هذا العمل، فتقول: "عملي تنزيل طلبات المشروبات للزبائن كالعصير والأراجيل والبيبسي، اتحمل كل مضايقات العمل، واعمل لأن العيشة صعبة وزوجي جالس في البيت، أطلب منه ان يساعدني لكنه لا يرضى فأنا لو عملت وجدت طعام يومي ولو لم اعمل لا اجد".

وكأن ليلى لا يكفيها ان تتحمل كل قساوة ظروف العمل، فهي وكثيرات مثلها تتعرض ايضا الى اضطهاد الزوج العاطل عن العمل. وتقول: "وزوجي يضربني إذا لم احضر مصاري". وتضيف: "وافقت على الزواج الذي اجبروني عليه، فلدي أخوة كثيرون هناك في مصر والحياة صعبة جدا، أجرتي لا يبقى منها شيء كلها أعطيها لزوجي، فهو يفكر في النقود فقط لا يفكر فيّ ابدا، فقد اخرجني للعمل في رابع يوم ولادة لي، أرمي كل شيء وراء ظهري لأن لدي ابن، لا أشتري أي شيء لي، واول ما أصل البيت يفتش حقيبتي ويأخذ ما بها. منذ أن تزوجته وانا في عذاب، ويضربني دائما، العمل أفضل لي من الجلوس في وجهه فلا يضايقني العمل بقدر ما يضايقني زوجي".

ربما تعتقد ليلى انها في وضع افضل من غيرها، إذ هي وجدت الرجل الذي يقبل الزواج منها برغم طبيعة عملها ونظرة المجتمع الدونية لها، وهو الامر الذي قد يفسر سبب عدم تمردها على وضع كهذا. ولكن غيرها من العاملات في هذا القطاع او بعض فروعه يحلمن بيوم يأتي يجدن فيه من يقبل بالزواج منها. فتقول هدى: "كل امرأة تحلم بالسترة والزواج وتكوين عائلة وأطفال". ولكن هل سيأتي يوم تجد فيه هدى الزواج المناسب وهي على ما هي عليه الآن.

تعسف لا يحتمل

واذا كان الفقر هو سيد الاسباب التي تدفع بهؤلاء للعمل في مهن شاقة مثل هذه، ولا تحظى باحترام المجمع، فإن هنالك أسباب اخرى منها اجبار الاهل وزوج الفتاة على مثل هذه الاعمال. تقول أمل، مديرة مقهى في حدائق الملك عبدالله: "هناك فتيات كالنّور يعملن لان اهاليهن يجبروهن على العمل، وهناك من يأتي بزوجته من مصر ويشغلها في الأردن، وهناك من يتزوج المصريات كي يعملن هنا كي يبقى هو في البيت يلعب، وأنا لدي من هذه الحالة لكنك لو دخلت على بيتها لبكيت عليها، هي تأخذ النقود 7 أو 8 دنانير، بمجرد ان تدخل البيت يفتشها ويأخذها منها هناك سيارة تعيدهم الى بيوتهم".

وتضيف أمل: "هناك من يبيع بناته، أنا كنت اعرف سيدة تبيع ابنتها في الثالثة عشرة من عمرها وتخرجها مع زبائن، وهناك من يأتي ببناته لعرضهن. وهناك من يفتح محلات والمهم ان يعمل بغض النظر عن كيف يعمل".

نظرة دونية

ليس مهما ان تكون الفتاة او المكان الذي تعمل فيه لائقا لا يمارس أي عمل خارج نطاق ما هو مسموح به قانونيا، فنظرة المجتمع الى بعض هذه الامكنة والعاملات فيها هي دائما نظرة نمطية، دونية اتهامية مسبقا.

ولانها كذلك فإن الفتيات العاملات في هذا القطاع لا يتعرض فقط للتحرش والمضايقات بل والعنف. تقول ليلى: "تعرضت للكثير من المضايقات والكلام السيئ وكانت الرئيسة (مديرة المحل) تقف معي وقد صدف مرة أن جاء شباب لضربي فوقفت الى جانبي".

أما أمل، مديرة المحل، فتروي قصصا تكشف مدى النظرة الدونية التي يرى فيها البعض الى هؤلاء العاملات، فتقول: "هم يظنون ان أي فتاة جاءت للعمل فهي سهلة، فيظنون انها كاللواتي يجدونهن في الشوارع أو من اماكن معينة لا يفكرون انهم يمكن ان يجدوا فتاة نظيفة وتعمل في المحل، فهناك شباب يعتقدون أن كل البنات مثل بعضهن".

غير ان النظرة الدونية للمجتمع تجاه هؤلاء لا تمنعهن من مواصلة العمل، فالفقر والحاجة والاجبار لا يترك لهن حرية الاختيار. تقول ليلى: "صحيح انني أعمل في هذا المحل وفي الحدائق مهما كان يقال عنها، لكن انا لا يهمني كلام الناس واثقة من نفسي ويجب أن أحتمل لأن هذه طبيعة عملي فلا أدقق على أي شيء بل أتجاهل".

ونفس الشيء تؤكده هدى، فتقول: "لا أهتم بما يقول الناس عن عملي أو تأخري خارج البيت، فهناك وظائف كثيرة كالتمريض والسكرتاريا يعملن في الليل، لست انا وحدي، أسمع كلام لكن لا أهتم طالما أعرف انني ماشية صح لا يهمني. أنا اعمل كي أعيش والفقر له دور في عملي".

ونوال (22 سنة)، مصرية متزوجة من أردني تعمل في احد المقاهي في حدائق الملك عبدالله فهي كغيرها ممن اجبرن على اختيار هذا العمل، فتقول: "زوجي يعمل ميكانيكي، نساعد بعضنا في العمل من اجل أطفالنا".

ورغم كل ما تتعرض له نوال وكل قسوة ظروف العمل فهي تنظر بارتياح خاص لعملها الحالي، إذ تقول: "هنا انا مرتاحة. في البداية كنت اعمل في نادي ليلي لكن كان العمل متأخرا في الليل، هنا آخر موعد لنا هو الساعة الواحدة ليلا نعود بعدها الى بيوتنا".

على أي حال، اذا كانت الجهات المعنية حققت ما تصبو اليه من تنشيط لقطاع السياحة، عبر تقديم تسهيلات وغض نظر، فإن ما تجاهلته هذه الجهات، بما فيها منظمات المجتمع المدني، هو حقوق النساء العاملات في هذا القطاع. ويبدو ان النظرة النمطية والدونية تجاه هؤلاء حرمهن حتى ممن يجرؤ على رفع الصوت دفاعا عن حقوقهن بأبسط معانيها.

أضف تعليقك