الإعلام والحق في الحياة

الرابط المختصر

بقلم محمد شما

قد يكون من السهل الاختلاف بالآراء على اعتبار أننا في وسائل إعلامنا نكرس دوما حق الرأي والرأي الآخر في القضايا كافة. لكن ما هو قد لا يكون رأيا آخر هو الحق في الحياة على اعتبار أنه لا يحتمل الرأي الآخر.

وهذه قناعتي وقناعة المشتغلين في حقوق الإنسان وعموم المواطنين، لكن ما نواجهه في عملنا هو العديد من القضايا الجدلية التي إما نواجه فيها بسؤال "بيرضيك يروح حق المغدورة هبائا؟" على اعتبار أن القاتل قتلها بدم بارد فكيف لنا التسامح معه ونعفو ببساطة لا نريد اعدامه فحسب نريد سحله أمام الجميع ليعتبر الجميع من فعلته.

الحق في الحياة هو أحد الحقوق الأساسية للإنسان وقد كرسته القوانين والمواثيق الدولية ابتداء من: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية و البرتوكول الاختياري الثاني الملحق به.

اعتاد الواحد منا خلال عمله الإعلامي مواجهة العديد من القضايا الحقوقية وكنا نسأل دوما عن المتضررين كأحد الأركان الرئيسية في قصصنا أو أخبارنا أو تقاريرنا الإذاعية الصحفية، على اعتبار أنهم المصدر والحدث والمحور الذي تدور حوله تفاصيل القصص. وكان همنا الدائم: إلى أي مدى يمكن لنا أن نحمي الضحية والتحفظ باسمها وتفاصيلها كي لا تصبح معلومة وبالتالي نضرها أكثر من ما نفيدها. فعلا هو ما كان، لكن للأسف فهناك أبعد ذلك، حيث أن تلك القصص الإنسانية والتي يكون فيها ضحايا أصبحت لدينا قصصا إخبارية سرعان ما تختفي في اليوم التالي، وتقتل مرة أخرى بمجرد رمينا الحدث وراء ظهرنا بحثا عن قصص أخرى مسايرة لسياسات التحرير حيث الحدث الجديد هو الأولوية أو حتى قناعة الصحفي بأن الأخبار الجديدة ولا شيء غيرها تضمن الاستمرارية في عملنا.

 

نعم نواجه في عملنا الإعلامي العديد من الأزمات حيال قضايا حقوق الإنسان ومن بينها الحق في الحياة، على اعتبار أنها قد تختزل بجريمة قتل هنا أو حكم إعدام من هناك أو وفاة بظروف غامضة. وبعد ذلك تصبح الضحايا أرقاما وإحصائيات عند نهاية كل عام ليس أكثر.

فحادثة إصابة طفل بعيار ناري من قبل عناصر أمنية خلال مداهمتهم لمنزل ذوي، ليست بالعادية بالنسبة لنا كصحفيين متخصصين في شؤون حقوق الإنسان، لكننا قد نواجه سؤالا أمنيا حول الإساءة للجهاز الأمني، فنتجه اتجاه التحليل والقراءة ما بين الأسطر حول تقييم أداء الأمن العام ومواكبته لحقوق الإنسان بصعوبة بالغة.

كما ونتقصى واقعا لمريض توفي نتيجة لخطأ طبي، ويتم التكتم عن الحادثة حفاظا على أطراف القضية ولنكتشف فيما بعد أن ثمة رائحة "تعويض" لذوي الضحية مقدم في الخفاء وهو ذات السبب الذي أوقف متابعتنا لحادثة مقتل مواطنين اثنين في مكب نفايات قبل سنوات عن طريق عناصر أمنية، حيث أن التعويض السخي من قبل الطرف المتسبب بالقتل لم يوقف القضية فحسب إنما دفع الأسر القدوم إلينا والطلب منا مباشرة وبأسلوب الترجي، أسحب كل التسجيلات الصوتية التي كانا سجلناها معك فالقضية انتهت ولا نريد الإستمرار.

الحق في الحياة مكفول وهو ضمانة، الجميع يصادق ويؤكد عليها لكننا وفي عملنا بالإعلام وعند تقصي وتوثيق الحالات قد نواجه العديد من العراقيل الأمنية والمجتمعية التي تحول دون تناولنا الطبيعي لتلك القضايا.

 

لن أطيل عليكم لكن أحببت مشاركتكم ببعض أحداث أنا عايشتها وحاولت متابعتها وفشلت في الوصول إلى خلاصات بعضها وأعلم أني لست بمحقق أمني أو ناشط حقوقي بقدر ما أنا صحفي لكني قد أجمع ما بين الأمرين لطالما كنت مكملا لعملهما ووسيلة تسعى لحماية الناس عبر تعزيز ادراكها لحقوقها وعبر معرفة القوانين، ورفع الوعي المجتمعي.

 

فكيف لنا أن نعزز من حقوق الإنسان ونبني سياجا شفافا للحماية من أي انتهاك لطالما كان الإعلام بعيدا كل البعد عن هذين الأمرين، بأن تكون صحفيا محققا وناشطا وباحثا عن القضايا تمس الناس..فزمن الفاكسات والبيانات والشعارات انتهى في وسائل إعلامنا وبات سؤال الحرية والعدل والحقوق هو الذي يجول في عقول إدارات التحرير ومدراء الإذاعات والصحف والتلفزيونات وكيف يمكن ترجمتها على شكل أخبار أو تقارير أو تحقيقات صحفية.

أو ليس نحن في زمن الربيع العربي وفي زمن الحريات وحقوق الإنسان، فقد آن الأوان لوسائل اعلامنا أن تجعل من حقوق الإنسان تخصصا يعمل فيه صحفيون حيث ترُصد فيه الانتهاكات وتعزز فيه الحقوق وتضمن من خلاله سماع الأصوات الحرة المنادية بحماية الحق في الحياة والتعبير والدين وإلى غير ذلك، وأن يكون هناك صوت للمجتمع المدني غير صوت الحكومة الذي أشبعنا شعارات وخطابات سقطت بسقوط الخوف عن عالمنا العربي.