الأديان وحرية التعبير: هل يتعايشان؟

الرابط المختصر

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان

عند الحديث عن التسامح في التغطية الإعلامية لقضايا الدين، يتبادر للأذهان سؤال: من يتسامح مع من؟ الإعلام أم الجمهور؟ المؤسسات أم الأفراد؟ النظام أم الأعضاء؟

 

الجواب، وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو الجميع معا. فالمادة 19 من الإعلان تنص على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".

 

وهي كذلك لا تتعارض من سابقتها المادة 18 من نفس الإعلان والتي تنص على أن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة".

 

لكن عند التطبيق ترتكب اعتداءات على حق الآخرين في حرية التعبير ويغيب التسامح بين المختلفين في الرأي، وتصطف وسائل إعلام وصحفيين كل خلف دينه أو اعتقاده.

 

من أبرز حالات الاصطفاف التي شهدها الإعلام الأردني كانت قضية رسوم الكرتون الدنمركية التي اعتبرت مسيئة للرسول. وكان من تداعيات الحدث آنذاك، مذكرات حضور أمام القضاء الأردني أصدرها مؤخرا مدع عام محكمة عمان بحق 20 شخصا، منهم رسامي كاريكاتور ورؤساء تحرير 17 صحيفة دنماركية نشرت الرسوم. وذلك إثر دعوى قدمتها حملة تضم قرابة 30 مؤسسة أردنية، إعلامية ونقابية وحزبية ونواب.

 

كما رفع القائمون على الحملة، التي تشكلت في آذار العام ٢٠٠٥ إثر قضية الرسوم، دعوى مماثلة ضد النائب الهولندي جيرت فيلدرز الذي أطلق فيلم "فتنة" على الانترنت في آذار ذلك العام.

 

وبعد صدور قرار الحضور بحق المشتكى عليهم ينتظر تسليم القرار عبر الطرق الديبلوماسية بتنسيب وزارة العدل إلى وزارة الخارجية التي تقوم بتبليغ المشتكى عليهم عبر السفارة الأردنية في الدنمارك. وفي حال عدم حضورهم يقوم المدعي العام، وفق صلاحياته في قانون أصول المحاكمات الجزائية، بإصدار مذكرات إحضار في حقهم. ويتوقع المشتكون أن تودع مذكرات الإحضار لدى مكتب التعاون الشرطي العربي والدولي المعتمد في الأردن (الإنتربول) وبدورها تعمم على الدول الداخلة في هذه الاتفاقية ويصبحوا مطلوبين فيها.

 

وفي ظل غياب اتفاقات أمنية ثنائية لتبادل المطلوبين والمجرمين بين الأردن والدنمارك، يرى قانونيين أنه لا تأثير لهذه المذكرة بموجب القانون الدولي، وأن أثر مذكرة الحضور لا يمتد إلى الخارج، إذ لا قيمة قانونية لها في الدنمارك أو غيرها.

 

إلا أن محامي الحملة أسامة البيطار يرى أنها سابقة قضائية لا يمكن التكهن به إلا عند حدوثها، وعندها يكون الاجتهاد. "النظرية القانونية الأولى تقول بأنهم سيمثلوا أمام القضاء الأردني بموجب مذكرة الإحضار وأن الدنمارك ستتعاون حسب الاتفاقيات الدولية. أما النظرية الثانية فتقول أن ذلك ينطبق فقط عندما تكون الحادثة مجرمة في الدنمارك، وهي ليست كذلك. لكن الفرق هنا أن تأثير الجريمة حدث في الأردن ولم يحدث في الدنمارك ولهذا اعتبرت المحكمة الأردنية ذات اختصاص، وهي في الأردن تعتبر جريمة وأنهم انتهكوا القانون الأردني وكأنهم في الأردن".

 

رئيس الحملة ورئيس هيئة تحرير أسبوعية "الحقيقة الدولية” المتوقفة حاليا الصحفي زكريا الشيخ، نفى أن تكون القضية مرفوعة ضد إعلاميين مارسوا حقهم في التعبير. "حق التعبير عن الرأي حق مقدس. لكن المفهوم الغربي لحرية التعبير والضوابط والشروط والأسس لتلك الحرية، للأسف، يريدون أن يطبقونها علينا في بلادنا العربية ذات الثقافة والحضارة المختلفة تماما عن حضارة هؤلاء".

 

وبالنسبة للشيخ، أن "تسب الأنبياء وتثير الفتن والكراهية بين الحضارات والأديان، وأن تدخل في باب القدح والذم والتشهير، وبخاصة لأرباب الشرائع السماوية، هو خط أحمر لا يقع ضمن حرية التعبير. حرية التعبير المسؤولة تعني أن حريتك تنتهي حينما تتعدى على حرية الآخر".

 

"حسب القانون الأردني وفي المواثيق الدولية والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الذي صادقت عليه الأردن عام 2006 وكذلك الدنمارك وهولاندا. وتنص مواده 18، 19 و20 على أن أي عمل يؤدي إلى نشر الكراهية والتحريض والفتن بين الأديان والشعوب يعتبر جرما. فحتى في قوانينهم الدولية يوجد مثل هذه القوانين".

 

"الإعلام هو وسيلة للتثقيف وتوصيل المعلومة ووسيلة لترسيخ التعايش بين الأمم والحضارات والأديان، وليست وسيلة لنشر الكراهية والفتن والتدمير وإيصال العالم إلى مرحلة خطرة"، يقول الشيخ.

 

تنص المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن: 1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. 2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

 

قد تجد الحملة الأردنية المضادة لحملة الدنمركيون العشرون مبررا في خضم الأصوات القائلة بوجود "عداء للمسلمين" أو "الرهاب من الإسلام" في الغرب. وقد يستند هؤلاء إلى المواثيق والمعاهدات الدولية التي، إلى جانب تركيزها على حماية حرية التعبير والرأي، حرصت على حماية الأقليات، ومنها المسلمة، في الغرب من العنصرية، بشمولها "بعض القيود".

 

لكن هل هناك أية مواثيق ومعاهدات دولية، عدا القوانين المحلية، تبرر حملات "التكفير والردة" التي استهدفت مفكرين وكتاب وصحفيين أردنيين وعرب عبروا عن آراء جعلت منهم أقليات في بلدانهم.

 

بعد أن شن عليه إسلاميون متطرفون هجوما وهدروا دمه، صدر قرار بحبس الشاعر الأردني موسى حوامدة ثلاثة أشهر من محكمة جزاء عمان بسبب مخالفة قانون المطبوعات والنشر، على مجموعته الشعرية الثالثة "شجري أعلى" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، التي صادرتها وزارة الإعلام عام 2000.

 

وكان حوامدة حوكم أمام المحاكم الشرعية خمس مرات حيث كانت محكمة الاستئناف ترفض رد الدعوة، ولما فرغت المحاكم الشرعية أواخر عام 2001 من القضية رفعت وزارة الإعلام ممثلة بدائرة المطبوعات والنشر قضية جديدة ضده، وبعد عدة أشهر وفي عام 2002 أصدرت المحكمة براءته من تهمة تحقير الأديان ومخالفة قانون المطبوعات، لكن النائب العام استأنف الحكم ضده.

 

وعلى خلفية مقال نشرته، اتهمت النائب الأردنية الأسبق توجان فيصل، بالردة وأهدر دمها وطولب بسحب أطفالها وأموالها منها ورفعت عليها قضية.

 

أما الكاتبة العراقية هدية حسين المقيمة في الأردن، فبعد أن وافقت الجهات الرقابية هذا العام على دخول روايتها "مطر الله" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، ووزعتها في الأردن دار الفارس للنشر والتوزيع، عادت دائرة المطبوعات والنشر لمنعها بعد تحريض إحدى المواقع الإلكترونية الأردنية على الرواية بحجة إساءتها للدين.

 

وكذلك منعت الدائرة كتاب "الدين والدهماء والدم" للبناني صقر أبو فخر الذي صدر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بسبب احتوائه على ما وصفته الدائرة بـ"إساءات للصحابة والعلماء والفقهاء"، و"مساس بالمعتقدات الدينية الإسلامية والمذاهب"، واشتماله على "افتراءات على الصحابة وإدعاءات لا أساس لها من الصحة". وهذه ليست المرة الأولى التي تمنع فيها كتب أبوفخر في الأردن، فقد منع أيضاً حوار مع أدونيس لأسباب مشابهة.

 

الفضيلة الأساسية لكتاب "الدين والدهماء والدم"، كما قال أبوفخر في تصريحات، هي "المواجهة النقدية لرجال الدين هؤلاء الذين يزرعون الفضاء العربي بفتاوى مروعة ومهينة للعقل العربي وللعلم وللعقلانية علي وجه العموم". ويرى أن منع الكتاب يقيس مدى الحريات المتاحة في هذا البلد أو ذاك، ويقيس في الوقت نفسه، منسوب الاستبداد والتخلف معاًً".

 

ويتساءل أبوفخر: "من قال أن السلطات العربية الحاكمة تحارب الأصولية أو السلفية؟ إن هذه السلطات المرتعدة كانت دائماً تحتاج إلى جلاد وشيخ لقمع حيوية المجتمع، وإرسال المفكرين الأحرار إلى السجن أو الآخرة أو المنفي. وبهذا المعني، فان هذه السلطات المستبدة كانت دائماً الصدر الذي أرضع جميع الحركات السلفية الجديدة والأصوليات المتجددة. إن أي إجراء يقمع الحريات، وبالذات حرية التفكير، يعزز قوة الأصوليات في المجتمع. لان هذه الجماعات لا يمكن أن تنتعش إلا في بيئة تنعدم فيها حرية التفكير".

 

ولا يستغرب أبوفخر "أن تسكت السلطات عن كتب من عيار زواج الجان من بني الإنسان و امرأة أنجبت للشيطان والقبر يتكلم والجن وعلم الفيزياء واعرف شخصيتك من قفاك. والانكي من هذا كله ان كتب أيمن الظواهري تباع في كل مكان بينما كتب نصر حامد أبو زيد ومحمد سعيد العشماوي وحسن حنفي ونوال السعداوي والصادق النيهوم وصادق جلال العظم ممنوعة في الكثير من العواصم العربية".

 

وكما هو الحال في معظم الدول العربية حظرت الأردن عام 2005 رواية "شيفرة دافنشي" للروائي الأمريكي دان براون بعد أيام من تداولها وبيعها في السوق. قرار منعها من قبل دائرة المطبوعات والنشر الأردنية جاء بتوصية من مجلس الكنائس العالمي بعد ارتفاع أصوات العديد من الرموز المسيحية الأردنية التي تنادي بحظر "رواية الشر" هذه في مشهد يذكر بأجواء ما بعد إعلان رواية آيات شيطانية.

 

بينما يرى الأب حنا الكلداني من مطرانية اللاتين أن كون الكتاب يتعرض لشخص السيد المسيح لا يجعله محظورا. "من الخطأ التعامل مع الناس على أنهم قاصرون وغير قادرين على اتخاذ قرار بشأن كتاب سواء أكان جيدا أم سيئا".

 

أما فيلم "آلام المسيح" فاتهمته جماعات يهودية عام 2004 بمعاداة السامية حيث أنه يلقي باللائمة على اليهود في صلب المسيح، ومنع عرضه في إسرائيل. وطالبت بمنع عرضه في دور السينما. في حين عرض الفيلم على شاشات معظم الدول العربية.

 

في الكويت يحظر عرض أفلام تتعرض للأنبياء الذين يعترف بهم الإسلام (ومنهم المسيح)، ولكن أحد الزعماء الشيعة الكبار آية الله محمد باقر المهري دعا إلى التعامل مع الفيلم كحالة خاصة لأنه "يعرض جرائم اليهود". ومصر التي رفضت في حينه فيلم "ملك مصر" وافقت على عرض فيلم "آلام المسيح".

 

ويرى المناصرون لحق حرية التعبير أن القيود على حرية التعبير في تزايد منذ 11 أيلول، وأن الجماعات الدينية والسياسية التي تعمد إلى تكفير وإسكات معارضيها بذريعة مناهضة "الرهاب من الإسلام" تتبع في نهجها هذا خطى من استخدموا شعارات مثل "الحرب على الإرهاب" لإسكات منتقديهم و"العداء للسامية" لقمع الأصوات المنتقدة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي. وتتهم هذه الجهات بازدواجية المعايير، حيث تبيح لنفسها ما تحرمه على غيرها.