أجنبيات في الأردن: انتهاكات بالحقوق وخروقات بالقوانين
محمد شما لوثائقيات حقوق الإنسان
تصدر مجموعة القانون لأجل حقوق الإنسان "ميزان" في غضون أيام مذكرة توثيقية تستهدف الأجنبيات المقيمات على أراضي المملكة من شأنها توعيتهن بحقوقهن.
وأوضحت المديرة التنفيذية لميزان، إيفا أبو حلاوة، أن هذه الوثيقة من شأنها إثارة واقع تلك السيدات المقيمات في المجتمع الأردني، وإطلاع تلك السيدات على واقعهن القانوني وكيفية اللجوء إلى القضاء والجهات ذات العلاقة.
وكانت ميزان أطلقت برنامجا خاصا لمتابعة أوضاع الأجنبيات المقيمات في الأردن بداية العام الجاري، مستفيدة منه قرابة ٧ سيدة مقيمة في الأردن من جنسيات: روسية رومانية سيرلانكية وفلبينية ومصرية وفلسطينية وسورية.
جاء حديث أبو حلاوة في إطار مائدة مستديرة نظمتها ميزان اليوم الأربعاء، خصُصت للحديث عن "الوضع القانوني للمرأة الأجنبية في الأردن"، وفيها عاين خبراء محليون واقع السيدات الأجنبيات من حيث القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية والحقوق الواجب توفرها لهن.
الأحوال الشخصية
الناشط الحقوقي، الدكتور عاكف المعايطة يرصد نصا يحمل رقم ٧٨ من قانون الأحوال الشخصية الأردني والذي يعطي الحق للمرأة الأجنبية المتزوجة من أردني بزيارة أهلها على اختلاف أصلها فضلا عن حق النفقة والسكن ومكان الإقامة؛ ذلك في إطار صعوبات تواجهها الأجنبية في تحصيل حقوقها بسبب عدم تمكنها من معرفة ما لها وما عليها.
وفي سياق عرضه لورقته، أوضح المعايطة أن ثمة مخالفات ترتكب بحق الأجنبيات، رغم أن القانون تعامل معهن كمعاملته مع الأردنيات، "أعطاها القانون الحقوق مثل الأردنيات بالعقد والشروط ومع التحديد مهما كان الاختلاف في الديانة أو الجنسية".
ومن بين المآخذ في قراءة شروط النفقة المعدلة، "فمن يكفل السيدة الأجنبية ومقدار نفقتها من ٥٠ إلى ٧٠ دينارا لكن الأردنيات تفوق ذلك ما يعتبر تجاوزا على حقوق الأجنبية".
وفي ذات الرصد لحقوق الأجنبيات في مجال الأحوال الشخصية والإشكالات المتعلقة بالحضانة والمشاهدة، اتفقت المحامية والناشطة الحقوقية فاطمة الدباس مع ما أورده المعايطة، وأضافت أن قانون الأحوال اعطى ذمة مالية خاصة ومنفصلة للمرأة بغض النظر عن ديانتها وجنسيتها.
فضلا عن ذلك، فثمة حق في الإرث والوصية للمسلمة لكن الحال ليس كذلك بالنسبة للأجنبيات اللواتي لا يرثن، تقول الدباس، إلا في حال كان هناك وصية من زوجها الأردني ولا تتعدى ثلث التركة ومشروطة بموافقة أبنائه وتقيد لدى المحكمة العسكرية.
الحماية القانونية
واستعرض كل من المعايطة والدباس جانبا من المشاكل التي تحدُث في حال غياب الزوج عن المنزل خصوصا وعندما يكون لديهما أطفال، فللأجنبية يبقى أطفالها معها حتى عمر الـ١٥ عاما، والأردنيات حتى ١٨ عاما مع هامش الاختلاف بين الولد والبنت في موضوع لقاء الأب.
وفي ذات الصدد، أضافت أبو حلاوة أن الأجنبية لا تستطيع أن تؤمن شهود وكفيل والتي تدخل في نزاع مع القانون في حال كان هناك مشاكل مع زوجها، مستعرضة حادثة وقعت مع مصرية متزوجة من أردني، تعرضت لتشويه سمعتها وتم تسفيرها بعد طلاقها، ما حرمها من رؤية أطفالها الثلاث.
على أن النساء الأجنبيات الأكثر ضعفا في ظل عدم ادراكهن لحقوقهن، خاصة وأن كانت تلك السيدات ليست من بلدان عربية ما يزيد الأمر تعقيدا، وساق الحاضرون من المحامين أمثلة على سيدات أجنبيات فقدن أبسط حقوقهن جراء قوانين واستغلال ازواجهن لهن في نقطة جهلهن بالقوانين أو حتى معرفتهن باللغة العربية.
بغياب الاحصاءات تصبح الاجتهادات والتوقعات المصدر الوحيد، وهنا تعاين الناشطة أبو حلاوة واقع السيدات الأجنبيات من خلال تعامل "ميزان" يوميا مع تلك النسوة، وتقول: “من بين ٥٠٠ حالة نتعامل معها، يكون هناك ٦٠ أجنبية نقدم لها المساعدة القانونية" على اعتبار أن المؤشرات لا تتحدث عن عدد قليل.
أبو حلاوة ومن خلال إداركها أن "النساء الأجنبيات الأكثر ضعفا في المجتمع" الأمر الذي يتطلب، برأيها،مزيدا من الجهود المحلية في مجال إجراء تعديلات على المنظومة القانونية، وبهذا السياق ستتحرك "ميزان" لأجل تحضير قانون يجرم التمييز في الأردن في أيلول القادم من خلال الاستماع إلى تجارب العديد من دول العالم والتي فيها قانون يجرم التمييز، ومن خلال خبيرة دولية.
الاتفاقيات الدولية
والاتفاقيات الدولية تشكل رافعة للقوانين المحلية في البلدان في حماية الفئات الأكثر تعرضا للاعتداء على حقوقها ومن بينها النساء، وهنا يوضح الخبير في القانون الدولي، الدكتور محمد الموسى أن سبل الإنصاف للنساء الأجنبيات في البلدان يكمن في جوهره بداية في كيفية وصولها إلى القضاء في البلدان لكي تحرك قضايا من شأنها إنصافها.
وأضاف الموسى أن المبتغى هو أن تصل إلى القضاء ليحميها من أي جور قد يقع عليها في حال طلقت من زوجها وبقيت في بلد زوجها.
ويذكر الموسى أنه وفي دراسة سيصدرها بعد شهر من الآن، يرصد ويوثق حقوق الأجنبيات، ومن بينها يكشف أن هناك نسبة ٣٧ من العينة يعتمدن في معرفة حقوقهن على الإذاعات فقط وهذا مؤشر يعكس مدى غياب الجهود الحكومية الرامية لتحسين واقعهن وحمايتها قبل كل شيء.
ويطالب الموسى بوضع استثناءات في القوانين في مجال مساعدة الأجنبيات في العمل في القطاعات التي باتت مغلقة بوجه الأجانب، معتبرا أن انخراطها في سوق العمل سيخفف من العديد من المشكلات.
“جميع دول العالم هي منتهكة محتملة لحقوق الإنسان" يقول الموسى في إشارة منه إلى أن كل الدول قد تخرق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، والأردن واحدا من تلك البلدان وإن لا يقارن بغيره من دول العالم سيما العربية منها، غير أنه وفي سياق حديثه يعتبر أن الخطورة قد تكمن من خلال التعليمات والأنظمة وليست القوانين، والتي تخالف القوانين والدستور أيضا عند تطبيقها.
والمطلوب هو مراجعة القوانين وتقييمها وتصويب ما يمكن تصويبه، يقول الموسى، ولا بد من أخذ النصوص بشكل تشابكي وتناصية بمعنى تشابك النصوص بعضها ببعض وجعل التعليمات والأنظمة متاحة أمام الجميع.
لكن الخروقات قد لا تقتصر على الحكومات، فقد تساهم فيها سفارات بلدان تلك السيدات التي لا تحرك ساكنا في مجال حماية ومتابعة واقع نساءها.
حماية المرأة دوليا
"سيداو" واحدة من اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمتعلقة بالمرأة التي تشكل حماية كاملة للنساء؛ تدعو إلى المساواة التامة في الحقوق بين المرأة والرجل في جميع الميادين السياسية والاقتصادية.
وتتحدث المحامية أمل حدادين ممثلة اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، عن التزامات الدول بحماية المرأة استنادا إلى المعايير الدولية والكفالة المحلية من خلال القوانين الوضعية.
على أن مطلب المنظمات النسائية سيما العربية منها على حكوماتها هو رفع التحفظ على المادة التاسعة من الاتفاقية سيداو. وهذه المادة تنص على منح الدول الأطراف المرأة حقوقا مساوية لحقوق الرجل في اكتساب جنسيتها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها وكذلك الحال فيما يتعلق بجنسية أطفالهما.
وتوضح حدادين أن قانون الجنسية الأردني يفرق بين المرأة العربية والأجنبية، من حيث اكتساب العربية الجنسية الأردنية بعد ٣ سنوات على زواجها والأجنبية بعد ٥ سنوات على زواجها، وهذا قد يفتح بابا للانتهاك بحق المرأة التي قد تطلق وتجرد من جنسيتها فيما إذا كانت من جنسية عربية لا تجوز الجمع بين الجنسيتين ما يجردها من الجنسيات لتصبح عديمة الجنسية.
وطالب الحاضرون في المائدة المستديرة بضرورة نشر التعليمات والأنظمة بالجريدة الرسمية لتكون متاحة أمام القانونيين من محامين وقضاة ومواطنين، فضلا عن استقطاب نواب ووضعهم بتفاصيل هذا الواقع لأجل إحداث تعديلات على القوانين ذات العلاقة.