أبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب..عمالة بدون تصاريح

الرابط المختصر

محمد شما لوثائقيات حقوق الإنسان

أن تكون غير أردني في الأردن، ليس بالضرورة أن تعلن عن نفسك أمام الآخرين وتلجأ للهروب أمام سؤال الهوية!!

 

“لا أعلن عن نفسي، نعم، بل أخاف من السخرية الدائمة لجنسيتي، وأيضا أتحاشى الكثير من الناس، كي لا أقع في مطب الموقف الصعب”..هبة 22 عاما لا تملك من خبرتها في الحياة سوى عدة مواقف تعرضت لها لسبب جنسيتها المصرية.

 

هبة، لم تر النور في مصر، “أعرف مصر من خلال والدي فقط، لكني لا أشعر أنني مصرية حتى لهجتي لا تمت بصلة”. حيث يعمل والدها أستاذا في إحدى الجامعات الأردنية منذ 30 عاما، “هو بعرف من عاصروه أردني الهوا لا الهوية”. كثيرون قالوا لها أن المصريون يعملون في الأردن فقط عمال نظافة.

 

تدرس هبة “هندسة حاسوب” في جامعة حكومية، تقدمت سابقا بمشروع جامعي في إحدى المساقات، وعند إعلان الأسماء والمعلومات المتعلقة بمنفذي المشاريع انسحبت زميلتين لها من القاعة بعد معرفتهم جنسيتها المصرية. تقول: “أتوقع أي شيء ولم تكن صدمة كبيرة”.

 

وتضيف أن “صوتهم غير مسموع..كم من الأيام أعود إلى المنزل ونفسيتي مثقلة بالحزن من وراء الممارسات اليومية بحق بعض الطلاب”..ولم يشفعها ريادتها في تخصصها “أشعر أن علاماتي المرتفعة ليست إلا نقمة عليَ وتزداد يوما وراء يوم. لا أدري لماذا”.

 

ويزيد عدد الأردنيات المتزوجات من الأجانب عن 53419 أردنية، وفق ما هو معلن، فيما يرى الأردن أن “منح أبناء وأزواج الأردنيات الجنسية وكامل الحقوق” يمس “أمن البلاد” من باب أنه ملف “سياسي” مرتبط “بالتوطين”.

 

“أنا لم آت من الفضاء”..تقول الطالبة المغربية ريم. وتتمنى أن تشابه زميلاتها من الجنسية العراقية في الحال، “أكون مثل العراقيات اللواتي يشابهني في الحال”، إذ أعلن الأردن في آب الماضي عن إعفاء الطلبة العراقيين في المدارس الحكومية من دفع الرسوم المدرسية انسجاما مع موقف أردني نحو تسهيل عيش العراقيين الذين يناهزون ال700 ألف في المملكة.

 

ويدفع كل طالب أجنبي في المدارس الحكومية رسوماً تتراوح من 20 و30 ديناراً أردنياً (28و42 دولاراً) عن كل فصل دراسي. كما يتكلف الطالب بقيمة شراء الكتب، في الوقت الذي لا يدفع فيه الطالب الأردني أي مبلغ مالي.

 

على الجهة المقابلة، سلمى أردنية متزوجة من مصري الجنسية، تواجه “وصمة اجتماعية” لأنها متزوجة من غير أبناء جلدها..”ألم تجدِ أردني لتتزوجي به؟ تزوجت بمصري!” تلك الأسئلة والاستغرابات اليومية الدائمة على مسمعها في المؤسسات والدوائر وخلال جولات المطاردة التي تقوم بها مع زوجها لإجراء المعاملات المختلفة.

 

غير أن جولة خارج البيت بسلام هي ما تطمح له سلمى وهي التي تعاني وزوجها في حال خروجهم في نزهة ما من مخاوف توقيف زوجها من قبل الشرطة حيث يقوموا بالتحقيق معه ثم يتم إيقافه في المخفر دون أي سبب واضح وإلى حين الإخلاء ما يعكر من صفو حياتهم.

 

“هذه معاناتنا الدائمة” تقول سلمى “أشعر يوما وراء اليوم بعدم الاكتراث في وجودنا الأردن ويتعمق شعوري نحو الاتجاه إلى مصر حيث البلد الذي لن يوقفني أنا وزوجي وسيرحب بي عندها”.

 

الجمهورية العربية المصرية هي الدولة العربية الوحيدة التي تسمح لنسائها المتزوجات من غير مصريين الحق في منح أبنائها الجنسية المصرية. فيما لا يعترف الأردن بأبناء الأردنية من غير أردني وسط “نضال” يقوم به ناشطون عن حقوق المرأة لكنها لم تفلح حتى الآن في تعديلِ أي من القوانين.

 

رضا زوج سلمى، فهو مقيم في الأردن منذ 25 عاما، يعتبر نفسه أردني بعمله وإخلاصه للبلد، يقول: “أنا ملتزم بإقامتي من حيث تصريح الإقامة وغيرها من الأمور وأدفع إيجار البيت والاحتياجات المختلفة وأشعر أني مواطن وأحب الأردن وتمر سنوات ولا أزور بلدي الأصلي مصر ورغم هذا لم يسعفني من الشعور الدائم بالخوف بسبب الممارسات اليومية” .

 

على باب وزارة العمل الجهة الشرعية الخاصة للعمالة الأجنبية في الأردن حيث تستقبل المصريين لاستكمال إجراءات اقاماتهم، اصطدم رضا بحاجز “ممنوع الدخول” ويقول “أنت مصري قال لي الحارس..ممنوع الدخول اذهب من هنا..عفوا أنا إنسان ولي كرامة وحقوق وأدفع كما المواطن الأردني الضرائب على إقامتي ومتزوج أردنية وأسكن وأصرف كغيري لما هذه المعاملة السيئة”.

 

لكن علاء 25 عاما والده مغربي الجنسية ووالدته أردنية، لا يستطيع أن يمحو من ذاكرته حقيقة أنه “غير أردني” تلك الجملة التي سمعها مرارا وتكرارا على مقاعد الدراسة، لكنه، لم يسمعها على مقاعد الدراسة الجامعية لأنه ببساطة لم يكمل دراسته لسبب عدم قدرته التجسير من الكلية إلى الجامعة “منعت بسبب فقداني الرقم الوطني ببساطة!”.

 

“ولا أستطيع التسجيل في برنامج الموازي رغم أني كنت الأول في امتحان الشامل لأني لا أملك المال الكافي وهكذا تغيرت حياتي”، يقول علاء.

 

“لا أملك أي حق في العمل، لا أملك حقوقي في الشركة التي أعمل فيها”. يتحدث علاء ويذكر أنه ولد في الأردن ونشأ فيها “عائلة أمي أردنية، لذا لما التجريد من انتمائي”. يقول علاء.

 

وريم الطالبة في المرحلة الثانوية تعاني أيضا من اضطهاد بين زميلاتها الطالبات اللواتي يطالبنها دوماً بالعودة إلى بلدها المغرب. “أحب دراسة الحقوق متخذة من تجربة شقيقها المريرة تجربة سيئة الذكر، لذا أنظر إلى مستقبلي التعليمي بقلق. أتمنى أن أحصل على الرقم الوطني وأعامل مثل الأردنيات وأحصل على فرصتي في الحياة من التعليم والعمل وكافة حقوقي كإنسانة”.

 

أما رولا فتشعر هي الأخرى بالاختلاف عن أقرانها من الأردنيين لسبب التذكير الدائم في أنها غير أردنية ورغم شعورها الدائم أنها أردنية بالولاء..هي الآن على مقاعد الدراسة الابتدائية “أنا أدفع ثمن القسط والزي والكتب..هذه ليست عدالة”.

 

“أرى كيف تعاني والدتي في جولاتها المستمرة على الدوائر الحكومية لأجل الحصول على موافقات لنا..أو أتذكر كيف أقف في طابور طويل لأخذ تصريح طبي وسط قائمة مع العمالة الأجنبية”.

 

أما الأم فها هي الواقفة دوما على أبواب الدوائر الحكومية تدعو الله بالصبر “حسبي الله ونعم والوكيل” وترى في غيرها من النساء الأردنيات حالا مشابها..”جميعنا نتشابه في الحال وجميعنا نحلم باليوم الذي نستطيع فيه نمنح أولادنا حقوقهم والرقم الوطني أو أليس الدستور الأردني ساوى بين الأردني والأردنية..لماذا لا يراعوا الدستور”.

 

تتعمق مخاوف أم عاطف يوما وراء يوم كلما كبر أولادها وازدادت حاجتهم إلى الرقم الوطني لإكمال حياتهم بشكل طبيعي..”لكن الشعور الصادم لي دوما هو أنهم فاقدون جميع الحقوق”.

 

وزارة الداخلية والصحة والعمل والأجهزة الأمنية الأخرى لأجل الحصول على سلسلة تصاريح الإقامة في الأردن…هذا هو حالي، تقول أم عاطف.، “من حق أولادي العيش معي”… وتدلل على وجود الآلاف من الأردنيات المنكوبات بحياتهن جراء قوانين تصادر حقوقهن.

 

باختصار “نريد رقما وطنيا لأولادنا أو منحهن الحقوق المدنية المكفولة لكل أردني”..تقول أم عاطف..”هذه ليست مطالب إنما حق ولابد من إعطائنا إياه”. أما الطالبة هبة فتحلم بيوم تتغير فيه النظرة الاجتماعية بحقهم..هم الذين يقيمون في الأردن.