المديرات في مؤسساتهن : تضخيم للأخطاء وتقليص للإنجازات

يُفاخر مسؤولون ونشطاء في مؤسسات حكومية وغير حكومية بما وصلت إليه المرأة الأردنية من مواقع قيادية، وتُنشر أرقام عن أعداد المشاركات في سوق العمل وفي المناصب العليا. لكن تشح المعلومات عن أسباب قلة أعدادهن في بعض القطاعات وانحصارهن في الوظائف الدنيا.

من بين الكثيرات اللاتي تميزن بعملهن كما تميزن في تجاوز تحديات التمييز ضدهن، نجاح مصالحة، عملت كمديرة زراعة وادي الأردن وأصبحت مساعدة الأمين العام في وزارة الزراعة لشؤون زراعة وادي الأردن.

من تجربتها الشخصية خلصت مصالحة إلى أن المرأة تضطر لبذل جهود وتحقيق نجاحات مهنية أكثر من الرجل لكي تصل إلى المناصب العليا وتشارك في صناعة القرارات.

"يجب أن تبذل المرأة أقصى جهودها لأن الذكور لا يغفرون لها أي خطأ"، تقول مصالحة مسترشدة بتجربتها وحصولها على جائزة الموظف المثالي. "عندما أصبحت مديرة في عام 2004 لأنني بذلت جهدا غير عادي، لكن هناك رجال لم يبذلوا ذلك الجهد ووصلوا إلى ما وصلت له. هناك شباب يصلون إلى مواقع عليا بالواسطة لكن النساء لا يصلون بالواسطة".

كبار المسؤولين من وزراء وأمناء عامين، وفقا لمصالحة، يشكلون عائقا رئيسا أمام التطور المهني للنساء في القطاع الحكومي. "مجتمعنا ذكوري والمسؤولين لا يفضلون إعطاء المرأة مسؤولية، وإذا وصلت تصل بجهود كبيرة. إذا لم يكن المسؤول منفتحا فلا يختار نساء، والدليل أنه عندما تم اختيار 4 نساء من بين المهندسين في وزارة الزراعة، واحدة منا لم تتحمل الضغوط عليها كامرأة وتقاعدت".

وتضيف: "زميلي في نفس المجال ينافسني لكنه لا يقرر بشأني. مشكلتي مع مديري، مع المسؤول الكبير وهو الأمين العام أو الوزير. حكوماتنا لم تعط المرأة حقها".

وتشدد على أن "النساء يجب أن يصمدن ولا ينسحبن".

تؤمن مصالحة بقدرة المرأة على تجاوز التحديات والتمييز ضدها والوصول إلى مواقع مهمة في العمل. وتدعو النساء إلى بذل الجهود والصمود وعدم الانسحاب من سوق العمل.

المحامية إيمان الصرايرة في تجربتها كمديرة الدائرة القانونية ومديرة صندوق الاسكان ورئيسة لجنة السير في أمانة عمان، ترى أن بعض الرجال لا يتقبلون المرأة في موقع قيادي لاعتقادهم أنهم أقدر منها على القيادة.

"يعتقد الرجال أن المناصب يجب أن تكون حكرا عليهم. مع أن القرارات التي كانت تصدر عن المديرات في الأمانة كانت برأيي أدق وأكثر استنادا إلى القانون. لكن الرجال يتصيدون أخطاء المرأة"، تقول الصرايرة.

وتلفت إلى دور العلاقات الاجتماعية بين الرجال في أماكن العمل في التأثير سلبا على تطور الموقع الوظيفي للمرأة. "أعضاء مجلس أمانة عمان يتصيدون أخطاء الدوائر التي تديرها نساء في حين يتجاوزون أخطاء المدراء. وذلك بسبب العلاقات الشخصية بين الرجال من أعضاء المجلس ومدراء الدوائر".

وتضيف أن "أعضاء المجلس يطمعون في تشغيل أصدقائهم الرجال في المناصب التي تتقلدنها النساء. يعتقدون أن المرأة ضعيفة وبإمكاني إقصاءها من خلال الإكثار من الانتقادات والإساءة إلى سمعتها الوظيفية، مثل القول أن الدائرة كبيرة عليها ولا تستطيع إدارتها".

"الحواجز مكسورة في العلاقات بين الرجال في العمل. وهذا برأيي خلل فالأصل أن يتم التعامل على أساس مهني وليس شخصي. وإذا فكرت المرأة في تطوير علاقتها بالرجل في مكان العمل ستفسر بشكل خاطئ و سيؤثر ذلك على سمعتها والتالي على أدائها. لذلك تضطر المرأة إلى التعامل بجمود في علاقتها مع الرجل، توضح الصرايرة.وتدعو النساء لعدم التأـثر بمحاولات إحباطها في العمل.

"بعض النساء جزء من المشكلة"، تقول الصرايرة. لكنها تبرر ذلك بتأثر المرأة بالثقافة الذكورية السائدة وتروي من تجربتها كيف تغلبت على هذا التحدي. "بعض النساء لا يثقن بالمرأة كمديرة ويثقن بأن الرجل أقدر على الإدارة. وهذه مشكلة كبيرة، فالأصل أنني كمرأة أدعم المرأة الزميلة. في مواقف عديدة حاربتني نساء أكثر مما حاربني رجال".

وتبرر ذلك بأننا "نعيش في مجتمع يمجد الرجال ويعامل المرأة كتابعة وضعيفة وغالبا ما يكون الرجل هو المدير والمسؤول".

ولتجاوز هذا التحدي كانت إيمان تشرك زميلاتها في صناعة القرار. "ليشعرن بمتعة أن يكن صاحبات القرار والابداع في العمل، وبالتالي أنهن لسن أقل من الرجل".

وفي استطلاع لآراء أخريات تشغلن مواقع عليا أو مهمة في العمل، يتشابه القطاعان العام والخاص في التحديات والتمييز الجندري الذي تواجهنه النساء.

وأمام تحديات التمييز الذي تواجهنه النساء في أماكن العمل هناك من نجحن بكفاءتهن في البقاء والتطور الوظيفي ليصبحن مديرات في دوائر حكومية وخاصة، يتخذن القرارات ويدرن فرق العمل. وهناك أيضا من انسحبن من سوق العمل أو من المنافسة مكتفيات بالحفاظ على وظائفهن، أو من تسلقن السلم الوظيفي باتباع قواعد الرجال والاعتماد على أنوثتهن.

الناشطة والاستاذة في قسم دراسات المراة في الجامعة الأردنية، عبير دبابنة، تؤكد على التحديات التي أوردتها نجاح وإيمان، مستشهدة بدراسات تظهر تقدم النساء في المناصب القيادية في السنوات القليلة الماضية بالأخص في مؤسسات القطاع الخاص. وتلفت في ذات الوقت إلى وجود صعوبات عديدة تواجهها المرأة في مناصب الإدارة تفوق الصعوبات التي تواجه الرجل.

وتكمن الصعوبات التي تواجه الإدارية، بحسب دبابنة، في "صعوبة تقبل الموظفين او الموظفات الآخرين لها. وترجع الامر الى الأبعاد الثقافية والتنشئة المجتمعية التي لم تعتاد على وجود المرأة في الإدارة . كما تعاني المرأة من "تسليط ضوء زائد على عملها" كإدارية، اضافة لوجود توقعات سلبية عن انجازها وحكم مسبق حتى قبل بدئها بالعمل، بحيث يتم التقليص من قيمة الإنجازات التي تنجزها ويتم تعظيم الخطأ في حال أخطات لانها إمرأة.

وتطالب دبابنة المؤسسات إلى النظر للكفاءة في مختلف المهام والمناصب بغض النظر عن الجنس، لافتة الى ضرورة البدء من التنشئة الاسرية التي تصفها دبابنة بانها تعتمد على ان "الفتاة غير مكافئة للرجل"، ويعزز ذلك لاحقا في المدارس والجامعات، لتأتي النتيجة الطبيعية بعدم تقبل المرأة في المناصب الإدارية. وذلك بالرغم من وجود دراسات عالمية أظهرت ان الفساد في المؤسسات التي تقودها امراة اقل من تلك التي يديرها رجل، اضافة الى ان تقبل المرأة لتداول السلطة في المؤسسات افضل من تقبل الرجل.

وتؤكد دبابنة ان المرأة في عملها الإداري تبذل مجهودا اضافيا مقارنة بالرجل، الى جانب تنميتها للقدرات والمهارات الفنية في العمل، حيث تعمل المرأة على تجاوز مختلف مناحي الرفض والتصيد، وهو الامر الذي لا يقوم به الرجل في ظل تقبل وجوده في المناصب الإدارية.

الأخصائي النفسي د.محمد حباشنة يدعو المراة لتجاوز الضغوطات النفسية في العمل. ففي عملها "لا تثبت المرأة نفسها فقط وانما تثبت دور النساء في المجتمع ككل وتقوم بصناعة وعي مجتمعي وتغيير للافكار المجتمعية.  وعندها سيكون حجم الضغوطات الناشئ عن رفض المحيط لها أقل".

ويؤكد حباشنة ان الرفض الإجتماعي لوجود المرأة في الأماكن القيادية نابع من الفكرة الذكورية "الأنثى لا تقودني"، فبالرغم من اننا نقابل في بعض الاحيان اشخاص يتكلمون عن حقوق المراة ويدافعون عنها الا ان بعضهم في داخله رافض لان يكون تحت ادارة امرأة بسبب عدم وجود "صلح داخلي" في هذا الموضوع.

ويبين حباشنة أن المرأة عندما تحاول إثبات نفسها في الاماكن الإدارية تفاجأ بالمحاسبة على "كل هفوة وان كانت صغيرة، بطريقة تختلف عن محاسبة الرجل".

ويشير حباشنة إلى بعض السيدات اللاتي يقعن في التخبط احيانا في ادارتهن ولا يقمن بامور ادارية بالطريقة الصحيحة. ويفسر ذلك بأنها "بداية تحقيق الذات" وأنها غير معتادة على هذه المناصب كما اعتاد عليها الرجل. "لذلك يجب دعمها، لكن للأسف ما يحصل هو محاولة وصمها بأنها غير قادرة"، يقول الحباشنة.

 

أضف تعليقك