نراجيل مقاهي عمان صامدة وتتحدى قانون “منع التدخين”!
عمان - صبا ابو فرحة - مضمون جديد
سحابة كثيفة تلف اجواء صاخبة تمتزج فيها قرقرة النراجيل بلغط كلام غير مفهوم وضحكات تعلو بين الحين والاخر من طاولة هنا وهناك داخل المقهى المكتظ. هذا المشهد لا يزال معتادا في مقاهي عمان ولم يتغير عليه شئ رغم القانون الذي يمنع التدخين في الاماكن العامة، والذي يبدو ان الحكومة لا تزال عاجزة عن تطبيقه في حده الادنى منذ دخوله حيز التنفيذ قبل ثلاث سنوات.
وكان الاردن قد اقر عام 2008 قانونا للصحة العامة نص في احد مواده على منع التدخين في الاماكن العامة في مسعى لإنهاء هذه الممارسة المتجذرة والمنتشرة بشكل واسع في البلاد. إلا أن المتابع لما يجري يجد أن الواقع، وخاصة في المقاهي والمطاعم السياحية في البلاد، مغاير الى حد بعيد لما يطمح اليه القانون الذي بات يعرف بقانون “منع التدخين” في الاماكن العامة. غير منطقي سلطان دويكات (31 عاماً) يعمل مخرجا، وهو يقصد باستمرار مقاهي وسط البلد في عمان، لتدخين النرجيلة، والتسامر مع أصدقائه. يقول دويكات “مفهومي للمقهى هو انه مكان للقاء مع الأصدقاء، وتدخين النرجيلة”.
وفي اطار هذا المفهوم فان دويكات يعتبر ان “قانون منع التدخين يغدو غير عملي ولا منطقيا”. ويقول إن “تم منع تدخين النرجيلة في المقاهي فإنني وأصدقائي سنكون أول المقاطعين لتلك المقاهي. فما معنى المقهى دون نرجيلة؟!”. ويثني ابو عمر، وهو مدير مقهى سياحي في وسط عمان على وجهة نظر دويكات قائلا ان “قانون منع التدخين الذي تحاول وزارة الصحة فرضه غير منطقي”. ويقول ان “معظم رواد المقهى هم من الشبان والصبايا الذين ياتون لتدخين النرجيلة والتسامر بهدف الترويح عن انفسهم بعد يوم عمل متعب، فكيف أمنع أمراً يدر علي ربحاً؟!”.
ولجهته، فقد اعتبر مدير عام جمعية أصحاب المطاعم السياحية زيد القسوس، في تصريحات منشورة ان ثقافة منع التدخين يجب أن تبدأ من الأعلى ومن الاماكن غير المخصصة للتدخين التي يشملها القرار، وليس في الأماكن المخصصة للتدخين أصلا مثل المقاهي والمطاعم. وبين القسوس أن فئة من المطاعم السياحية تعتمد في خدمتها على تقديم النرجيلة، والتي بدورها تعتبر عاملا من عوامل جذب السياح الأجانب والذين يقبلون على تناولها كمنتج سياحي تمتاز به المملكة.
على انه في المقابل هناك من يؤيدون القانون مثل منى خريسات (25 عاماً)، والتي وصفته بانه “أفضل ما قامت به وزارة الصحة “. واعتبرت منى أن “الأمر يصب في النهاية في مصلحة المدخنين، وغير المدخنين، من خلال إنهاء مشكلة عويصة كالتدخين في المجتمع الأردني”. حقائق وارقام وقد نص قانون الصحة العامة رقم 47 عام 2008 على حظر تدخين أي من منتجات التبغ في الأماكن العامة، على أنه اجاز لوزير الصحة وبناء على تنسيب مدير الصحة المختص تحديد مكان خاص يسمح فيه بالتدخين في المكان العام، شريطة مراعاة صحة الجمهور وسلامته. والأماكن العامة بحسب القانون هي: “المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس ودور السينما والمسارح والمكتبات العامة والمتاحف والمباني الحكومية وغير الحكومية العامة ووساط نقل الركاب وصالات القادمين والمغادرين في المطارات والملاعب المغلقة وقاعات المحاضرات ودور الحضانة ورياض الأطفال في القطاعين العام والخاص وأي مكان يقرر الوزير اعتباره مكانا عاما على إن ينشر قراره في الجريدة الرسمية”.
ويعاقب القانون بالحبس والغرامة المدخنين غير الملتزمين بأحكام القانون إذا خالفوا هذه الأحكام. وحسب المادة 63 / أ يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على شهر او بغرامة لا تقل عن خمسة عشر دينارا ولا تزيد عن خمسة وعشرين دينار كل من قام بأي من الأفعال التالية وهي: تدخين أي من منتجات التبغ في الأماكن العامة المحظور التدخين فيها.
اما الغرامات والجزاءات ضد القائمين على الأماكن العامة فانها قد تصل إلى 3000 دينار أي حوالي 4500 دولار أو السجن في حالة التكرار. وتشير احصاءات غير رسمية الى ان هناك في المملكة نحو 18 الف مطعم ومقهى وكوفي شوب تقدم النرجيلة. وبحسب الاحصاءات، فان عدد المصنف من هذه المنشآت على انه سياحي يزيد على الاربعة الاف، منها في عمان وحدها 266 مطعما سياحيا و114 مقهى يقدم النرجيلة، 175 كوفي شوب، واكثر من مئة مطعم للوجبات السريعة. ثقافة متجذرة وقد كشفت دارسات حديثة عن ان ظاهرة التدخين سواء تدخين السجائر او النرجيلة، متجذرة في الاردن، فضلا عن انها الى انها اخذة في الاتساع، رغم الجهود التي تبذلها الهيئات الرسمية الاهلية لمكافحتها. واكدت دراسة لوزارة الصحة ان معدلات التدخين في الأردن هي الأعلى عربيا، حيث تبلغ 49 % ، لكلا الجنسين وفي كافة الفئات العمرية.
وبحسب ما توضحه دراسات اخرى، فان نسبة تدخين السجائر بين الفئة العمرية (18 عاماً فما فوق) في الأردن تصل إلى 29 %، بينما تصل نسبة تدخين النرجيلة لنفس الفئة إلى 23 %”. واظهرت دراسة لمركز الحسين للسرطان أن نسب المدخنين في الفئة العمرية 13-15سنة للسجائر بلغت 11.5% والنرجيلة 21.4% وبلغت نسبة المدخنين منهم قبل عمر 10 سنوات حوالي 20.1%. وبحسب الدراسة، فان نسبة من يتعرض للتدخين السلبي في المنازل والأماكن العامة، بلغ أكثر من النصف. ووفقا لم تظهره الدراسة استنادا الى السجل الوطني للسرطان، فان أكثر من 23% من مجموع السرطانات عند الرجال في الأردن، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتدخين ومنها سرطان الرئة والفم والحنجرة والمثانة والقولون.
ويتجاوز حجم الإنفاق السنوي على التدخين في المملكة 720 مليون دينار (نحو مليار دولار) نصفها غير مرئي بسبب الأمراض الناجمة عن التدخين. وكان مسح نفقات ودخل الأسرة للعام 2008، أظهر أن هناك ارتفاعا في نسبة الإنفاق على التدخين بين الأسر ذات الدخل المحدود، إذ ارتفعت النسبة من 3.3 % للتي يقل إنفاقها عن 1800 دينار لتصل ذروتها إلى 5.7 % للأسر التي تتراوح فئة إنفاقها بين 3600 – 4200 دينار. فيما تبدأ النسبة بالانخفاض التدريجي لتصل إلى أقل قيمة في فئة الإنفاق للأسر التي يزيد دخلها على 14000 دينار، وبنسبة 2.3 %.
قانون غير رادع قانون منع التدخين كما يصفه المحامي صخر خصاونة يعاني من “مشكلتين أساسيتين، الأولى تكمن في أن العقوبات الموجودة فيه غير كافية، وغير رادعة. والمحاكم عادة تحكم بالغرامة المادية وليس بعقوبة الحبس”. اما المشكلة الثانية بحسب خصاونة، فهي أن “وزارة الصحة عندما قررت تشديد العقوبة كان هنالك تعارض ما بين قانون الصحة العامة وما بين تشجيع السياحة في الأماكن المصنفة سياحياً، فهذه المطاعم تعتمد في منتجاتها على النرجيلة والتبغ، وبالتالي فالتدخين في الأردن ظاهرة عامة” وكان القانون قد قوبل بمعارضة قوية من جميعة اصحاب المطاعم السياحية التي رات انه سيدمر استثمارات اعضائها. وقد خاضت الجمعيات محادثات مكثفة مع الوزارة قادت الى التوصل الى اتفاق مطلع عام 2010 على جدول زمني لتنفيذ القانون.
وقد نص الاتفاق على اعطاء مهلة مدتها ستة اشهر للمنشآت السياحية من اجل تصويب اوضاعها بما يتوافق مع القانون. ولكن على ما يبدو، فان هذه المنشآت لا تزال في حالة رفض وتحد رغم انقضاء اكثر من عام ونصف على الاتفاق، ونحو ثلاث سنوات على صدور القانون. وكما يرى المحامي خصاونة، فانه “إذا تم حظر التدخين في الأماكن السياحية المصنفة، فسوف نخسر عددا كبيرا من رواد المقاهي من المدخنين. لذلك هنالك هذه الإشكالية التي تواجهها وزارة الصحة”. وقال انه “إذا تم تفعيل القانون بعيداً عن مصالح أصحاب الأماكن السياحية، فسيكون ناجعاً، والدليل على ذلك أن قانون حظر التدخين والصحة العامة مفعل في الدول العظمى، ويحظر التدخين في الأماكن العامة، وتم إيجاد حل للمدخنين بإيجاد أماكن مخصصة لهم”.
صعوبات امام التنفيذ ومن جانبها، نفت وزارة الصحة اي تقصير من جانبها في انفاذ ومراقبة تطبيق القانون، لكنها اشارت الى صعوبات لوجستية تواجهها في اطار هذه المهمة. وقال صادق غباشنة رئيس قسم الوقاية من أضرار التدخين في وزارة الصحة أن “موضوع منع التدخين في الأماكن العامة يحتاج إلى جهود كبيرة، وليس جهود وزارة الصحة فقط”. واضاف ان “القانون يطبق، وهنالك أشخاص معنيون بالرقابة يطلق عليهم الضابطة العدلية، وهم يتمتعون بصلاحية التحويل إلى المحكمة، وهنالك العديد من المخالفات التي جرى ضبطها، وهي مخالفات لأشخاص ومطاعم”.
ومع ذلك اقر بان “حجم ما يجري ضبطه من مخالفات لا يوازي العدد الفعلي للمخالفات القائمة”، لكنه قال ان ذلك يعود “لأسباب عديدة، اهمها ان وزارة الصحة لا تستطيع لوحدها ضبط سلوك يمارس منذ عشرات السنوات، وأصبح ثقافة مجتمعية”.
ونوه غباشنة إلى أن “عدد ضباط الإرتباط التابعين لوزارة الصحة لمراقبة تطبيق القانون، هو 150، وهو عدد قليل إذا قورن بعدد الأماكن العامة التي حددها القانون”. وفي هذا السياق اشار الى مباحثات مع وزارة الداخلية للتعاون مع الأمن العام، خاصة الشرطة البيئية في هذا المجال، مؤكدا ان هناك مذكرة تفاهم بهذا الخصوص تحت الدراسة. ويشير إلى أن “القانون عندما نشر في الجريدة الرسمية لم يتم تطبيقه، لما أن التدخين يعد ثقافة مجتمعية يصعب تحديدها، ولكن في البداية تم عملية تثقيف الناس، على أضرار التدخين، وما قد يؤول إليه، ثم في عام 2010 تم تفعيل القانون، وعدد المخالفات منذ ذلك التاريخ 277 مخالفة، و700 إنذار وتنبيه”.