مصريون: تصاريح العمل الزراعية بوابة المتاجرين بالبشر
عمان - اسما رجا – مضمون جديد
يجلس على عتبة أمام غرفته المستأجرة في منطقة الكفرين بلواء الشونة الجنوبية، حائرا بالمصير الذي انتهى إليه. العامل المصري حسنين لم يعد يدري ما يفعل، بعد أن تقطعت به متاهات "تصاريح العمل".
مضى عام على إقامته في الأردن بتصريح عمل منته، من دون أن يتمكن من استخراج آخر جديد بسبب ارتفاع رسوم التصاريح، التي يتحكم بها تجار من سماسرة وأصحاب حيازات زراعية في المنطقة.
بعد ان انتبه بعض المزارعين الاردنيين والسماسرة أن عائدات بيعهم لتصاريح العمل الممنوحة لهم وفق القانون أعلى من العائدات المتوقعة من زراعة أراضيهم.. تحول ظاهرة بيع تصاريح العمل إلى مهنة، بدأت تلامس وفق تقارير حقوقية شبهة الاتجار بالبشر.
"منذ اشهر وأنا أحاول العثور على شخص يستخرج لي تصريح عمل جديد بدلا من تصريحي المنتهي، لكني لم أجد، والكفيل يحتاج إلى مبلغ مرتفع لاستخراجه لي". يقول حسنين
"يتراوح ثمن التصريح الزراعي بين 380 دينارا و450 للتصريح الإنشائي". وهذه الأرقام بالنسبة إلى حسنين فلكية.
تظهر احصائيات وزارة العمل لعام 2011 ان 67.96% من مجموع العمالة الوافدة في الأردن هم مصريين.اذ يصل عدد التصاريح الممنوحة لعمالة مصرية في القطاع الزراعي إلى 86733 تصريحا، وفي القطاع الإنشائي 17478 تصريحا.
حال حسنين لا يختلف عن عشرات العمال المصريين المقيمين في لواء الشونة الجنوبية الذين يلزمون غرفهم في أغلب الأيام خوفا من إلقاء القبض عليهم من قبل الأجهزة الأمنية في المنطقة وتسفيرهم.
من أجل ذلك يقول أحد العمال الذي فضل عدم ذكر اسمه: "نحاول ان نقلل من تحركاتنا قدر الإمكان، ولا يوجد حلول لنا سوى العمل في محيط سكننا".
بل إن عامل اخر يدعى ابراهيم علق على قول زميله: "حتى مكتب العمل لا نستطيع الذهاب اليه لأنه لن يستخرج لنا تصريح عمل من دون كفيل فلا دوى من الذهاب هناك سوى ان يلقى القبض علينا في الطريق".
اليوم الكثير من العمال المصريين يعملون "بأي عمل متاح"، وهو ما يعني تعرضهم لانتهاكات مختلفة.
ويبلغ عدد تصاريح العمل الممنوحة للعام الماضي لمختلف الجنسيات العربية والأجنبية280263، منها 190480 تصريح لعمال مصريين وبحسب ما أكدت مديرة العمالة المهاجرة في وزارة العمل أسماء ابو عزام.
استغلال وفساد
مالك الأرض يحق له وفقا لتعليمات وزارتي العمل والزراعة الحصول على عدد من العمال بناءً على مساحة الأرض التي يملكها وبوجود قيشان للأرض. وخصص القانون عاملا واحدا لكل عشرة دونمات زراعية وعامل واحد لكل ثلاث بيوت زراعية محمية (بيوت بلاستيكية).
هي تعليمات تعني للعامل ابراهيم فتح باب المتاجرة بالتصاريح التي أصبحت مهنة خاصة لبعض شباب المنطقة.
هؤلاء باتوا يحصدون منها مبالغ مالية ضخمة من وراء ذاك. "يحصل تجار التصاريح على قواشين الأرض مقابل مبالغ مالية قد تصل لآلاف الدنانير، ومن ثم يتولى التاجر استخراج التصريح ويبيعه بمبالغ مالية مضاعفة".
يقول مدير الفينييق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية لـ "مضمون جديد" إن القطاع الزراعي من اكثر القطاعات استغلالا للاتجار بتصاريح العمل لان " كلفة إصدار تصريح العمل الزراعي قليلة الثمن".
الأمر الذي أدى - حسب عوض - "إلى استغلال المرونة العالية التي تقدمها وزارة العمل في منح تصاريح القطاع الزراعي للتسهيل على أصحاب الحيازات الزراعية كونه لا يوجد عمالة زراعية أردنية ماهرة".
ويشير عوض مستندا إلى لدارسات المرصد العمالي التابع لمركز الفينيق إلى أن 20% من الحاصلين على تصاريح عمل زراعي يعملون في القطاع الزراعي، وان 80% يعملون في قطاعات أخرى .
"هذه فوضى تحولت الى سوق سوداء لتجار تصاريح العمل في منطقة الشونة، تنبأ عن فساد، فالكثير من المسؤولية تقع على مكاتب العمل".
هذا ما اكده كذلك عوض عندما ان الحصول على تصريح عمل من غير وجه حق من قبل التجار والسماسرة شكل من أشكال الفساد وسرقة للخزينة العامة للدولة .
ويحذر عوض وزارة العمل من خطورة الاتجار بتصاريح العمل، لانه على حد تعبيره أدى الى " فوضى في سوق العمالة الوافدة بالمملكة، إضافة إلى عدم توازن في المنافسة بين العاملين الأردنيين والعمالة الوافدة التي تقبل بأقل شروط العمل وتغزو الكثير من المهن الأردنية.
بالنسبة إلى التقرير الأخير الصادر عن المرصد العمالي في مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، فقد أشار إلى "شبهة اتجار بتصاريح العمل ترتقي لشبهة الاتجار بالبشر تمارس على نطاق واسع في عمال الزراعة المصريين.. من خلال "استقدام مصريين ومنح تصاريحهم لاخرين مقابل مبالغ مالية او بيعها لهم، اضافة الى انتهاء مدة عقد العامل واجباره على العمل تحت التهديد او احتجاز وثائقه"، يقول عوض.
ويقول انه اكتشاف قبل أيام لحالة اتجار بالبشر في الاغوار الشمالية باستغلال صاحب مزرعة ثمانية عمال مصريين واجبارهم على العمل بالسخرة تحت التهديد".
وتعني جريمة الاتجار بالبشر وفقا للقانون "استقطاب اشخاص أو نقلهم أو أيوائهم أو أستقبالهم بغرض استغلالهم عن طريق التهديد بالقوة او استعمالها او غير ذلك من اشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف، أو باعطاء او تلقي مبالغ مالية او مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هؤلاء الاشخاص".
أثمان بيع التصريح اكبر من عائدات الزراعة
وأوضح التقرير أسباب إقدام بعض أصحاب الحيازات (الأراضي) الزراعية على "المتاجرة بتصاريح العمل للعمالة الوافدة وتحريرهم مقابل مبالغ مالية، الى حصولهم على عائد أكبر من هذه العملية مقارنة مع العائدات المتوقعة من زراعة اراضيهم.
العامل مسعود يطالب بالسماح للمصريين باستخراج التصاريح مباشرة من مكتب العمل من دون الحاجة الى الكفيل.
يقول: "هناك استغلال لظروفنا كون التصريح لا يستخرج الا عن طريق الكفيل". العامل المصري مسعود يحاول كم ا يقول منذ شهرين استخراج تصريح عمل لاخيه، لكن لم يجد تاجرا يمنحني اياه بمبلغ معقول".
قد يصل الحد في ممارسة بعض التجار بغش العمال حيث يحصلون منهم على المال لاستخراج تصاريح عمل جديدة، ثم يبدأ التسويف والمماطلة من دون الحصول على تصريح عمل.
يقول أحد العمال يخشى على حد قوله الافصاح عن اسمه: "لا أريد ان ادفع ما تبقى معي من مال للتجار والسماسرة فهم يأخذون المال منا ولا يعودون".
اجراءات حكومية فاشلة
رغم أن وزارة العمل تدرك ظاهرة فوضى الاتجار بتصاريح العمل وتعترف بها، لكنها لم ولا تحرك ساكنا، فالمشكلة "معقدة وتنمو حسب المنطقة والقطاع الزراعي، وحلها ليس بالامر السهل"، كما يقول مدير التفتيش في الوزارة عدنان ربابعة لـ "مضمون جديد".
وحسب الربابعة، فالحلول التي تطرحها الوزارة لم تحل مشكلة الاتجار بتصاريح العمل: "ادخلنا رقم قطعة الارض لكل مزارع الكترونيا لكي لا يحدث ازدواجية او ايجار لقيشان الارض وهذه باستمرار يتم تحديثها، وحددنا مع وزارة الزراعة المساحات التي تستحق عليها عدد العمالة ".
هي اجراءات لم تفلح في القضاء او حتى الحد من الظاهرة. "فما ان تطور الجهات المسؤولة من اجراءاتها حتى يطور التجار او السماسرة اساليب التفافهم عليها". يقول الربابعة.
ويضيف، "هناك مشاكل بالقطاع الزراعي تساعد على نمو الظاهرة، أهمها "العمل الموسمي في القطاع الزراعي، الذي لا يضمن عمل العامل مدة طويلة مع صاحب المزرعة".
مدير التفتيش في وزارة العمل ليس مع أن استخراج العامل المصري تصريحه بنفسه من مكتب العمل. يقول: هذا اسلوب غير صائبة"، بل على العكس يعتقد انها" ستخلق مشاكل عديدة اضافة الى ان حسب القانون لم يسمح بذلك ".