الدراسة الاكتوارية الـ11: استقرار مرحلي للضمان وتحذيرات من كلفة التقاعد المبكر والتهرب التأميني
أعلنت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي أن نتائج الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة أظهرت أن نقطة التعادل الأولى ستتحقق في عام 2030، وهي المرحلة التي تتساوى فيها الإيرادات التأمينية المتأتية من الاشتراكات مع النفقات التأمينية، معتبرة أن ابتعاد هذه النقطة زمنياً يشكّل مؤشراً إيجابياً على تحسن الاستقرار المالي واستدامة النظام التأميني.
وتظهر بيانات المؤسسة أن نقطة التعادل الأولى كانت تقدر في دراسات سابقة عند أعوام أقرب (2026–2028)، ما يعكس تحسنا نسبيا ناتجا عن زيادة عدد المشتركين الفعالين وارتفاع الإيرادات الاستثمارية خلال السنوات الأخيرة.
ووفق تقارير الضمان، تجاوزت موجودات المؤسسة 14 مليار دينار، فيما سجلت عوائد الاستثمار نسباً تراكمية إيجابية أسهمت في دعم المركز المالي.
وتعد الدراسات الاكتوارية أداة فنية أساسية لفحص المركز المالي للمؤسسة، وقياس قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين والمشتركين على المديين المتوسط والبعيد، إلى جانب دورها في استشراف المخاطر المستقبلية واقتراح مسارات الإصلاح في الوقت المناسب.
ثلاث نقاط مفصلية في مستقبل الضمان
ويوضح خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي أن الدراسة الـ11 تشير إلى ثلاث محطات رئيسية أولها نقطة تساوي الاشتراكات مع النفقات في 2030، والثانية المرحلة التي يصبح فيها الاعتماد على عوائد الاستثمار ضروريا إلى جانب الاشتراكات لتغطية الالتزامات، أما الثالثة فقد تمتد إلى عام 2038، حيث قد لا تكفي الاشتراكات ولا عوائد الاستثمار، ما يستدعي اللجوء إلى تسييل بعض الأصول.
ويؤكد الصبيحي أن الهدف من هذه الدراسات ليس التهويل، بل الإنذار المبكر بضرورة تبني إصلاحات استباقية تحافظ على استدامة النظام التأميني.
تقديرات اكتوارية تشير إلى أن نسبة الاعتماد على عوائد الاستثمار سترتفع تدريجيا بعد 2030 لتتجاوز 20% من إجمالي مصادر تمويل الرواتب التقاعدية، وهي نسبة تعد مقبولة دوليا، لكنها تصبح مقلقة إذا لم ترفق بإصلاحات هيكلية في أنظمة التقاعد.
من جهته، يؤكد الخبير العمالي حمادة أبو نجمة أن نتائج الدراسة تعكس تماسكا ماليا لمنظومة الضمان الاجتماعي وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها، لكنها في الوقت ذاته تكشف الحاجة إلى إصلاحات جوهرية، أبرزها ضبط التوسع في التقاعد المبكر، ومكافحة التهرب التأميني، وتوسيع قاعدة الشمول.
ويشدد أبو نجمة على أهمية تعزيز الرقابة والتفتيش، وضبط التلاعب بالأجور ومدد الاشتراك، معتبرا أن الحوار الاجتماعي التشاركي يشكل مدخلا أساسيا لبناء توافق وطني حول مستقبل الضمان.
تقديرات غير رسمية تشير إلى أن التهرب التأميني يحرم الضمان من عشرات ملايين الدنانير سنويا، سواء عبر عدم تسجيل العاملين أو تسجيلهم بأجور أدنى من الأجور الحقيقية، وهو ما ينعكس سلبا على حقوق المشتركين وعلى الاستدامة المالية للنظام.
إشكاليات التقاعد المبكر وضغوط متزايدة
يبلغ عدد المؤمن عليهم المشمولين بأحكام قانون الضمان الاجتماعي يبلغ نحو 1.659 مليون مؤمن عليه، فيما يصل عدد المتقاعدين الفعّالين إلى 264,787 متقاعداً، منهم 169,072 متقاعدا مبكرا، يشكلون نحو 64% من إجمالي المتقاعدين، وتستحوذ هذه الفئة وحدها على قرابة 61% من فاتورة الرواتب التقاعدية.
وتظهر بيانات المؤسسة أن متوسط مدة صرف الراتب التقاعدي للمتقاعد المبكر أطول بنحو 8 إلى 10 سنوات مقارنة بالمتقاعد الشيخوخي، ما يضاعف الأعباء المالية على النظام التأميني.
بدوره يقول وزير العمل خالد البكار بصفته رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، إن الارتفاع الكبير في كلفة التقاعد المبكر أثر سلبا وبشكل واضح على نفقات تأمين الشيخوخة، إضافة إلى تأميني العجز والوفاة.
يشير الصبيحي إلى أن الفترة الزمنية الممتدة لأربع أو خمس سنوات ليست بعيدة، موضحا أن الوضع المالي الحالي للمؤسسة مريح نسبيا، لكنه مريح بحذر، إذ تشير نتائج الدراسة إلى ضرورة إجراء إصلاحات في النظام التأميني وقانون الضمان الاجتماعي لتأجيل النقاط الحرجة إلى فترات أطول، قد تصل إلى 35 أو 40 عاما.
ويؤكد الصبيحي أن هذه السياسات يجب أن تتوقف، مشيرا إلى أن الحكومة الحالية تفكر جديا في إلغاء القرار الصادر في حزيران 2020، والذي أتاح التقاعد المبكر لمن أتم 30 سنة اشتراك، لما له من آثار سلبية كبيرة على المركز المالي للمؤسسة وارتفاع غير مسبوق في فاتورة التقاعد.
ويضيف أن معدل النمو في فاتورة التقاعد والنفقات التأمينية والخدمات يتجاوز 10% سنويا، في حين لا يتعدى نمو الاشتراكات التأمينية 5%، وهو فارق مقلق يجعل استدامة أي نظام تأميني أمرا صعبا إذا استمر الوضع على هذا النحو، خاصة في ظل تحديات سوق العمل والبطالة والظروف الاقتصادية، مشددا على ضرورة التعامل بحذر مع حالات التقاعد، خصوصا في القطاع العام، للحفاظ على الملاءة المالية والقدرة الاستراتيجية للمؤسسة على الاستمرار، بما يضمن الأمن المجتمعي واستقرار فرص العمل، مؤكدا أن إيقاف التقاعد المبكر الإجباري بات ضرورة ملحّة.
فرص حقيقية لتحسين الوضع المالي
الصبيحي يشير إلى إمكانية تحسين الوضع المالي للمؤسسة من خلال حزمة إجراءات، تشمل إيقاف التقاعد المبكر الإجباري وترشيده في القطاع الخاص، وتوسيع قاعدة المشمولين بالضمان الاجتماعي لتشمل العاملين في القطاع غير المنظم، الذين يشكلون نحو 40% من القوة العاملة الأردنية، إلى جانب مكافحة التهرب التأميني بكافة أشكاله، سواء عبر التلاعب بالأجور أو عدم تسجيل العاملين.
ويؤكد أهمية تفعيل الحملات الإعلامية والتفتيشية، وتحسين العائد على استثمارات أموال الضمان الاجتماعي، مشيرا إلى أن تطبيق هذه الإصلاحات في الوقت الحالي قد يسهم في تأجيل نقطة التعادل الأولى من عام 2030 إلى عام 2036 أو حتى 2040، لافتا إلى أن الدراسات الاكتوارية تحدث كل ثلاث سنوات، وأن أي إصلاحات مبكرة ستنعكس إيجابا على نتائج الدراسات اللاحقة.
من جانبه، يشدد البكار على الحاجة إلى تعديلات تشريعية تعزز الاستدامة المالية لتأمين الشيخوخة والتقاعد المبكر والعجز والوفاة على المدى الطويل، بما يضمن حماية حقوق المشتركين والمتقاعدين واستمرارية النظام.
ويشير إلى أن مكافحة التهرب التأميني في القطاع المنظم، إلى جانب شمول العاملين في القطاع غير المنظم، تمثل أولوية وطنية، لافتا إلى أن نسبة العاملين غير المشمولين بأحكام قانون الضمان الاجتماعي تبلغ نحو 22.8% من العاملين في سوق العمل الأردني المنظم.
ويكشف البكار عن توجه حكومي لدراسة تحسين الرواتب التقاعدية للمشتركين من ذوي الأجور المتدنية، مؤكداً في الوقت ذاته أن الحكومة تتجه لاتخاذ قرار بوقف تنفيذ إجبارية التقاعد لمن أتم 30 عاما في الخدمة اعتباراً من مطلع العام المقبل.












































