كيف تحولت "الشموسة" من وسيلة تدفئة شعبية إلى ملف تحقيق حكومي؟

الرابط المختصر

في أقل من 48 ساعة، سجلت عدة حالات اختناق انتهت بوفاة عائلات كاملة وشبان في مقتبل العمر، القاسم المشترك، وفق ما أعلنت الجهات الرسمية لاحقا، كان وسيلة تدفئة واحدة، مدفأة الغاز المعروفة شعبيا باسم الشموسة.

البداية كانت من لواء الهاشمية في محافظة الزرقاء، حيث توفي أربعة أشخاص اختناقا داخل منزل مغلق، لم تمر ساعات حتى تكشفت فاجعة أكبر، أم وتسعة من أطفالها وصلوا إلى المستشفى جثثا هامدة، وفي صباح اليوم نفسه، سجلت خمس إصابات اختناق متوسطة في منطقة حسبان، تبين لاحقا أن سببها مدفأة من النوع ذاته.

وقبل أن يهدأ وقع الصدمة، أعلن عن وفاة شاب يبلغ من العمر 19 عاما في مرج الحمام، نتيجة ضيق تنفس ناجم عن استخدام المدفأة نفسها، مما أكد أن الأمر لم يعد حوادث متفرقة، بل نمطا واحدا يتكرر.

أمام تصاعد عدد الضحايا، خرج الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام بتحذير وصفه بالبالغ الأهمية، دعا فيه المواطنين إلى التوقف الفوري عن استخدام مدافئ الشموسة بكافة أشكالها، وعدم تشغيلها داخل المنازل تحت أي ظرف.

التحذير لم يكن إجراء احترازيا معزولا، بل جاء عقب تأكيد رسمي بأن جميع حالات الاختناق التي سجلت خلال 24 ساعة اشتركت باستخدام النمط ذاته من وسائل التدفئة، مما يعزز فرضية وجود خلل أوسع من مجرد سوء استخدام فردي.

لاحقا أعلنت مديرية الأمن العام تشكيل لجنة تحقيق حكومية مشتركة تضم جهات أمنية ورقابية وفنية، لتتبع أسباب الوفيات وتحديد مكامن الخلل. وبالتوازي، باشرت فرق مختصة بحصر مدافئ “الشموسة” في المصانع والمحلات التجارية، والتحفظ احترازيا على نحو خمسة آلاف مدفأة، ووقف بيعها إلى حين صدور نتائج الفحوصات المخبرية.

كما أرسلت عينات من المدافئ من المصانع والأسواق ومنازل الضحايا إلى الجمعية العلمية الملكية لإجراء الفحوص الفنية اللازمة.

 

المصنع يرد: المنتج مطابق… والمشكلة في سوء الاستخدام

في مواجهة الغضب الشعبي والتشكيك المتصاعد، خرج المصنع المنتج لمدافئ "الشموسة" بروايته، محاولا الفصل بين ما يصفه بالخلل في الاستخدام، وبين سلامة المنتج من الناحية الفنية والمواصفات المعتمدة.

يوضح مدير مصنع مدفأة شموسة أحمد وهبه في حديثه لـ "عمان نت"  أن التعامل مع صوبات الغاز أو أي وقود احتراقي داخل المنازل يتطلب الالتزام التام بإجراءات السلامة العامة، مؤكدا أن الموضوع كبير ولا يمكن التعامل معه بشكل عفوي، مشددا على ضرورة تهوية الغرف جيدا عند استخدام هذه الأجهزة. 

ويشير وهبة إلى وجود كتابة على جسم المدفأة وعلى علبة الكرتون التعليمات بوضوح، وينبغي على المستخدمين فتح الغرفة وعمل تهوية دورية، وليس إغلاق المكان، بغض النظر عن وجود وسائل الأمان المدمجة في المدفأة، فهذه الإجراءات تعد جزءا من متطلبات المؤسسة والمواصفات الرسمية.

ويضيف  أن وجود أخطاء شائعة عند بعض المستخدمين، مثل استخدام صوبات غاز يدوية مانيوال بضغط مرتفع يصل إلى 35 أو 39 بار، مما يؤدي إلى زيادة تدفق الغاز عبر الشعلات التي قد تسبب مشاكل خطيرة، وينصح المواطنين باتباع التعليمات بدقة، واستخدام الصوبات الأصلية سواء كانت من مصنع "شموسة" أو أي شركة أخرى، شرط أن تكون ضمن الضغط المسموح به وفق المواصفات القياسية لجميع أنواع المدافئ.

 

 

 

 

ويوضح وهبه أن مدفأة "شموسة" مجهزة بحساس أكسجين مثبت على الجسم، ولا يمكن التحكم فيه أو إزالته، ويعمل على تشغيل المدفأة وإطفائها تلقائيا عند نقص مستوى الأكسجين، كما توجد اختبارات إضافية للسلامة، منها حساس للحركة يعمل على إيقاف تشغيل المدفأة أوتوماتيكيا عند أي اهتزاز أو حركة غير طبيعية، مضيفا قمنا بإضافة ساعة أمان لمدة 25 ساعة لتفادي أي تسرب للغاز في حال حدوث خلل بالباربيش، مما يمنع حدوث أي تهريب نهائيا.

وعن حماية الملكية الفكرية، يشير وهبه إلى أن المصنع يمتلك براءة اختراع صادرة عام 2023، وأنه تم إبلاغ الجهات المعنية عام 2024 بوجود منتجات مقلدة، حيث قامت مؤسسة المواصفات بضبط المصانع المخالفة، مضيفا أن بعض المنافسين استمروا بإنتاج مدافئ مشابهة باسم آخر، بينما يبقى اسم "شموسة" حصريا لشركة "جرين هوم"، موضحا أن انتشار الاسم بين الناس أدى إلى إطلاقه على أي مدفأة شبيهة.

ويؤكد أنه تم التحفظ احترازيا على نحو 5000 مدفأة داخل المصانع المخالفة، سواء من إنتاج "جرين هوم" أو أي شركات أخرى، حتى يتم إصدار التقرير الفني والمواصفات الرسمية، مشددا على ضرورة التريث وعدم إصدار الأحكام قبل استكمال التحقيقات.

وفيما يتعلق بإجراءات حماية المستهلك في حال ثبوت وجود خلل بالمنتج، يشدد وهبه على أن الشركة مستعدة للتعاون مع الجهات المعنية لتعديل أي منتج إذا ثبت وجود خلل أو عيب في المصنع، مؤكدا الثقة العالية بمنتجات الشركة، مضيفا "لقد رفعنا كفالة المنتج من سنة إلى سنتين، نظرا لحصوله على براءة اختراع والموافقات اللازمة لتداوله في السوق الأردني، مع اعتماد الجمعية العلمية الملكية.

 

الحكومة: لن نتهاون

مع انتقال القضية من إطار التحذير إلى المساءلة، أعلنت الحكومة موقفا حازما، مؤكدة أن نتائج التحقيق ستحدد المسؤوليات دون استثناء، وأن أي تقصير أو خلل مثبت سيحال مباشرة إلى القضاء.

في اجتماع لجنة الطاقة النيابية،  يقول وزير الصناعة والتجارة والتموين يعرب القضاة إن الحكومة لن تتهاون مع نتائج التحقيق، مؤكدا وقف ثلاثة مصانع محلية عن بيع مدافئ ثبت تورطها في حوادث اختناق أدت إلى وفيات، إضافة إلى إيقاف مصانع أخرى تنتج النمط ذاته كإجراء احترازي.

ويشير الوزير إلى أن تقرير الجمعية العلمية الملكية سيصدر خلال اليوم الأحد أو غدا الاثنين على أبعد تقدير، وأن الملف سيحال كاملا إلى النيابة العامة فور صدور التقرير.

 

أهمية الالتزام بالمواصفات

يؤكد ممثل نقابة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية المهندس فواز القطان،  أن استقبال أصحاب المحلات لقرار منع بيع بعض المدافئ ليس أمرا عابرا، بل يمثل قضية مهمة تؤثر على الصناعة الأردنية بشكل عام وسمعة المنتج المحلي، مشيرا إلى أن القرار يفتح علامات استفهام حول مستوى الالتزام بالمواصفات وسلامة المنتجات المتداولة في السوق الأردني.

ويوضح القطان أنه مع دخول فصل الشتاء وارتفاع الطلب على المدافئ، يسعى المواطنون لشراء أجهزة بأسعار منخفضة نظرا للقدرة الشرائية المحدودة، مؤكدا على أهمية التركيز على كفاءة وأمان هذه المنتجات، سواء كانت محلية الصنع أو مستوردة، وخصوصا تلك التي تستخدم الغاز أو الكاز.

وحول من يتحمل مسؤولية التأكد من سلامة المدفأة قبل وصولها للمستهلك، يشدد القطان على أن الجهات المعنية، مثل مؤسسة المواصفات والمقاييس ووزارة الصناعة والتجارة، هي المسؤولة عن منح الموافقات اللازمة لأي منتج مستورد أو محلي وفق المواصفات المطلوبة،  مضيفا بأنه يجب أن يكون المنتج أو المستورد نفسه واعيا بمسؤولياته ويضمن أن يكون المنتج مناسبا للسوق الأردني ومطابقا لمعايير الأمان، بغض النظر عن وجود الرقابة.

وبالنسبة للتحذيرات السابقة حول بعض أنواع المدافئ، يشير القطان إلى ضرورة وجود معايير واضحة للاستخدام، مؤكدا أن الكثير من المواطنين لا يقرأون التعليمات المرفقة مع الأجهزة، وهو ما قد يؤدي إلى سوء الاستخدام وحدوث أعطال أو مخاطر، لا سيما عند التعامل مع الغاز، موضحا أن الالتزام بطريقة الاستخدام الصحيح أمر أساسي للحفاظ على السلامة، سواء في استخدام الغاز أو الكاز.

 

 

وحول كيفية تمييز المدفأة الآمنة عن غير الآمنة، يؤكد القطان أن التجار لديهم المعرفة الكاملة بالمواصفات عند شراء المنتجات، مضيفا أن تجار التجزئة والموزعون في أنحاء المملكة يعرفون أهمية المواصفات، خاصة في موضوع الصوبات الغازية، والتي يجب أن تتضمن حساسات للغاز وحساسات للأكسجين، وحساسات للحركة، فهذه الأمور تحافظ على سلامة المواطن.

كما يشدد على أهمية تفعيل قانون العلامات التجارية وحماية حقوق الملكية، موضحا أن تفعيل هذا القانون يمنع أي مستورد أو مصنع من إنتاج أو إدخال منتجات مقلدة إلى السوق، مما يحمي المنتج الأصلي ويجنب حدوث خلط في المنتجات وسلامتها.

ويؤكد القطان أن القوة الشرائية للمواطن تلعب دورا مهما، مشيرا إلى أن البحث عن أقل الأسعار لا يجب أن يكون على حساب السلامة أو الكفاءة، وأن المنتجات ذات المواصفات العالية غالبا ما تكون أكثر استدامة وأقل تكلفة على المدى الطويل، رغم ارتفاع سعرها الحالي.

ويشير إلى أن المواطن الأردني يجب أن يتحرى الدقة عند شراء أي جهاز كهربائي أو إلكتروني، بالتحقق من المواصفات ومقارنة الأسعار ضمن إطار المواصفات المطلوبة، واستخدام وسائل الإنترنت لإجراء بحث دقيق قبل الشراء، لضمان الحصول على منتج آمن ومستدام.

 

أهمية التهوية والأسعافات الأولية

من منظور طبي، لا يترك غاز أول أكسيد الكربون مجالا للخطأ، إذ يعمل بصمت داخل الغرف المغلقة، محولا لحظات الدفء إلى خطر قاتل، خصوصا في غياب التهوية أو الوعي بعلامات الاختناق المبكرة.

ويحذر رئيس الجمعية الأردنية للإسعاف الدكتور ينال العجلوني، من خطورة الاختناق بالغازات السامة، مشيرا إلى أن غاز أول أكسيد الكربون يعد خطرا صامتا، لا يمكن اكتشافه بسهولة بسبب عدم وجود رائحة مميزة له، بعكس الغاز المنزلي الذي تضاف له مواد كيميائية لإصدار رائحة مميزة. 

ويوضح العجلوني أن هذا الغاز ينتج عن الاحتراق غير الكامل للوقود، ويحدث عادة عند تشغيل صوبات الغاز أو الكاز في غرف مغلقة مثل غرف النوم، مما قد يؤدي إلى فقدان الوعي والموت نتيجة نقص الأكسجين.

ويشير العجلوني إلى أن العلامات المبكرة للتعرض تشمل الشعور بالنعاس والارتياح غير المبرر، وهو ما قد يتطور بسرعة إلى دخول الشخص في حالة سبات خطيرة، خصوصا أثناء النوم، حيث لا يستطيع الإنسان التمييز بين الرائحة الطبيعية والغاز السام بعد التعرض له.

 

 

وحول سبل الوقاية الأساسية يؤكد العجلوني أن الوقاية تظل الحل الأمثل، وذلك عبر عدم استخدام وسائل التدفئة التقليدية التي تعمل بالغاز أو الكاز في الغرف المغلقة، وتهوية المكان بشكل دوري أثناء تشغيل أي جهاز تدفئة، وتركيب كواشف أول أكسيد الكربون في المنازل، خصوصا في غرف النوم والمناطق المغلقة، وإجراء فحص دوري للصوبات للتأكد من سلامتها قبل الاستخدام.

ويحذر العجلوني من بعض الأخطاء الشائعة لدى المواطنين، مثل إغلاق النوافذ أو وضع أقمشة تحت الأبواب لمنع مرور الهواء البارد، أو محاولة إطفاء الصوبة داخل الغرف المغلقة، حيث يمكن أن يؤدي أي تسريب غاز أثناء النوم إلى حوادث خطيرة، بسبب تعود الإنسان على الروائح وعدم قدرته على التمييز بينها، موضحا أن الصوبة يجب إطفاؤها خارج الغرف المخصصة للنوم أو التي تحتوي على أطفال.

ويشدد على أن بعض الصوبات المخصصة للمناطق المفتوحة، مثل الصوبات المستخدمة للطبخ، لا ينبغي استخدامها داخل الغرف المغلقة لأنها لا تحتوي على حساسات للأكسجين أو نظام أمان يوقف تشغيلها عند نقص الأكسجين، ما يزيد خطر تكوّن أول أكسيد الكربون.

وحول الإسعافات الأولية في حالات الاختناق في حال الاشتباه بتعرض شخص للغاز، يؤكد  العجلوني على ضرورة تهوية المنزل فورا وفتح النوافذ والأبواب للسماح بدخول الهواء النقي، إغلاق الصوبة أو مصدر الغاز تماما، وإخراج الشخص المتعرض للغاز إلى مكان جيد التهوية، ووضعه في وضعية الاستلقاء الجانبي إذا فقد الوعي، لضمان فتح مجرى الهواء، بالتوازي الاتصال بخدمات الطوارئ على الرقم الموحد 911 في المملكة.

كما يحذر العجلوني من مخاطر مدافئ الكهرباء، خاصة القديمة منها أو التي تحتوي على وصلات كهربائية تجارية غير مطابقة، حيث يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع حرارة الأسلاك وحدوث حرائق، مضيفا أن الاستخدام غير الآمن أو البطاريات ذات الطاقة العالية قد تسبب حوادث احتراق، مؤكدا على ضرورة الحفاظ على مسافة آمنة بين المدفأة والأشخاص.

ومن إرشادات السلامة العامة التي تؤكد عليها جمعية الاسعافات الأولية توفر طفاية حريق مناسبة في المنزل، ويفضل استخدام النوع البودري الذي يعالج معظم الحرائق المنزلية، التدريب الدوري على إجراءات السلامة العامة والإسعافات الأولية لضمان التعامل السريع مع أي طارئ، بعتبار أن الالتزام بهذه الإجراءات والاحتياطات يمكن أن يقلل بشكل كبير من حوادث الاختناق والحرائق المنزلية، وأن الوعي بالسلامة واستخدام الأجهزة بطريقة صحيحة هو العامل الأهم لحماية الأرواح.