مزارعو "الهيدان" يزرعون الذهب والحكومة تحيله إلى تراب

الرابط المختصر

عمّان- إبراهيم قبيلات - مضمون جديد

لم يكن خياراً سهلاً أن يتجه أبناء المرحوم عبد الهادي الأقطش إلى زراعة العنب في منطقة الهيدان أوائل ثمانينيات القرن الماضي، فالمنطقة كانت تفتقر إلى طريق زراعي تؤهل أهلها للنهوض بزراعتهم.

اليوم وبعد ثلاثة عقود من الصبر أصبحت "الهيدان" التي تبعد حوالي 30 كيلو متراً إلى الجنوب من مادبا قصة جمال أخّاذة وأراض زراعية منتجة.

يتذكر محمد عبد الهادي الأقطش "أبو خالد" فترة العناء السابق بشيء من الود، يقول: "لم يكن من السهل الحصول على وظيفة حكومية آنذاك، فتوجهنا إلى الهيدان لزراعة العنب بداية، انصياعا لرغبة والدي في الزراعة".

وكان قد سبق عائلة أبو خليل إلى الزراعة في الهيدان الحاج مفضي أبو قدورة وآخرون، فأخذوا عنه التجربة، وبدأوا مشاورهم، ليحرثوا الارض، بعد ان جهزوا بنيتها التحتية من حجارة وحواجز مائية وأخرى ترابية .. لقد نجحوا أخيرا

حين دخل أبو خالد قرية الهيدان كان ما يزال فتياً في العقد الثاني من عمره، يجلس على مقاعد الدراسة صباحاً، ثم ما يلبث أن يلتحق بفريق المزارعين ظهراً.
"
هكذا عرفت الحياة وقتها دراسة وزراعة". يقول لـ "مضمون جديد": "حتى يكتمل المشهد توجه إلى منابع العلم ينهل منها حتى أكمل الثانوية العامة الفرع الزراعي، ثم واصل طريق العلم حتى انهى متطلبات الحصول على شهادة "الدبلوم" في الصحة العامة.

بدأت عائلة الحاج عبد الهادي بإصلاح 120 دونماً من أراضي الهيدان الزراعية، فكانت غرسة العنب أولى تجاربهم الزراعية، إلا ان ازدحام المشاكل الزراعية المتعلقة بقلة تسويق الناتج وارتفاع التكاليف عليهم وعلى المزارعين، إضافة إلى بعد المنطقة عن الخدمات وقلة الاهتمام الحكومي بصغار المزارعين جعلهم يتجهون إلى زراعة الصبر بداية تسعينيات القرن الماضي.

هذا المشروع- الذي استند إلى جهد فردي تعتاش منه اثنتا عشرة عائلة أردنية، ويعمل به 25 عاملاً وافداً، إضافة إلى عدد بسيط من أبناء المنطقة المتعطلين عن العمل- يشكو من جملة من التحديات والمعوقات التي من شأنها ثني القائمين عليه وتفت من عضدهم.

يقول أبو خالد الذي تزوج ثلاث نساء ورزق بـ 18 من الأبناء وله من الأحفاد 14 أنه يدفع 15 ديناراً ضريبة للبلدية عن كل طن فاكهة، وكمسيون 6%، يضاف إليها "16 بالألف ضريبة مبيعات"، فضلاً عن ارتفاع أجرة العامل التي لا تقل عن 300 دينار مع توفر المسكن للعامل وأكله وشربه، والارتفاع الحاصل في أسعار العبوات الفارغة.

ويتابع، "زمان كانت أجرة العامل لا تتجاوز 70 ديناراً، وكانت أسعار المحروقات منخفضة، أما اليوم فالعامل لا يرضى بأقل من 300 دينار يضاف إليها مصاريفه الشخصية ومأكل وملبس ومسكن، وبحسبة بسيطة تزيد أجرة العامل الوافد عن 500 دينار، وهذا كله لا يتأتى إلا من جهد المزارعين من دون أي تعاون من الحكومة".

ويستشهد على ارتفاع تكاليف الزراعة اليوم انه اضطر وأخوته إلى ترك الثمرة على الشجر من دون قطفها في أحد المواسم؛ نتيجة تدني سعر بيعها في السوق المركزي.

يقول: عندما كان مطلوبا مني ان اشتري الصندوق فارغاً بـ11 قرشاً وأبيعه بعد تعبئته بتسعة قروش، فالقرار بالتأكيد سيكون بعدم قطف الثمار.

وأشار أن سعر تلك "البكسة" بعد أن تجاوز سعرها الـ 12 قرشاً أصبح عنصر قلق للمزارعين، مطالباً بأن تكون هناك جهة حكومية مسؤولة عن تلك المادة وبيعها بسعر مقبول ويلجأ لها المزارعون في حال تم التلاعب بالأسعار.

هذه التحديات والعوقات دعت المحامي والخبير الاقتصادي غسان معمر، إلى القول لـ "مضمون جديد": "هناك متاجرة على صعيد الاقتصاد الخاص وأخرى على صعيد الحكومات التي تسعى إلى التعامل مع مكونات الاقتصاد على اعتبار أنه خدمات يمكن التضحية؛ الأمر الذي جعل القطاع الزراعي قطاعاً مهمشاً ومعدماً".

وأرجع تلك المتاجرة إلى خلل يراه واضحاً في البرنامج الاقتصادي الوطني، يعززه تلك العقلية الاقتصادية "الخربة"، التي لن تجلب إلا الفقر والاعتماد الكلي على الآخرين.
ووصف صغار المزارعين بـ"جوهرة" الاقتصاد المحلي، وأنهم يمتلكون احساساً صادقاً بقيمة الأرض باعتبارها ثروة إنتاجية، وان الأرض ليست مجرد مكان للبناء بل هي إحدى مكونات وجود الإنسان.

ويرى أن هذا النشاط الاقتصادي الذي يقوم به مجموعة من صغار المزارعين، دليل على سمو قطاع الزراعة على باقي أنواع الأنشطة الاقتصادية في بلد يفتقر إلى الثروة المائية.
المفارقة أن هؤلاء المزارعين رغم شح الإمكانيات مستعدين للتضحية في الوقت الذي يتخلى فيه اصحاب رؤوس الاموال الكبيرة عن دورهم في دعم القطاع الزراعي وتوجهوا إلى أسواق المال والمضاربة في البورصات العالمية.

وزاد، رغم أن الزراعة لا تقاس بربحيتها في الاردن ومهما قل إنتاجهم، إلا إنها تبقى أحد شروط ومتممات الدورة الاقتصادية به، وأن سقوطها خسارة كبيرة لأحد أهم أركان الاقتصاد الاردني.

وأشار إلى أن الحكومة لا تكتفي بعدم رعايتها القطاع الزراعي، لا بل تحملّه ما لاطاقة له به، وهي بهذا تعمل على تسليم زمام اقتصاد البلد إلى كل ما هو خارجي ومستورد، وهي فلسفة حكومات تستند إلى عقلية هشة تجارية لا تنموية.

وطالب مؤسسات المجتمع المدني بدعمهم والوقوف إلى جانبهم بلعب دور حقيقي في إنقاذ الاقتصاد الوطني؛ وهو ما يتطلب تظافر الجهود لتشكيل جبهات ضغط على الحكومة لدفعها والزامها بإنقاذ هذا القطاع.

نقيب المهندسين الزراعيين عبد الهادي الفلاحات أكد في اتصال هاتفي لـ"مضمون جديد" وقوفه جانب المزارعين سواء كانوا من المنتجين أم من المصدرين، في كل مناطق المملكة.

وقال إن النقابة دائما ما تنحاز إلى المزارعين باعتبارهم العمود الفقري للقطاع الزراعي، مشيراً إلى أنه وفي شهر أيار الفائت حضر مجموعة من مزارعي الهيدان وسلموا مذكرة لرئيس الوزراء كاشفين بها عن أهم المعوقات التي تعترض طريقهم، واعداً بمتابعة تلك المذكرة مع رئيس الوزراء وكل المؤسسات المعنية.