ما هي قصة الغيمة السوداء في عمان الغربية ؟ .. خمسة عشر مستشفى خاصا تحرق مخلفاتها في محرقة الاستشاري ...

الرابط المختصر

عمان - ابراهيم قبيلات - مضمون جديد

عامل نظافة, أو أيا كان اسمه, يجمع النفايات الطبية التي تصدر عن المستشفى الاستشاري, في حاويات أو أيا كان اسمها.. وفجأة تشتعل النيران, وما هي الا دقائق حتى تنتشر الروائح الكريهة والدخان الاسود والحبيبات.

هذا ما دفع الاهالي الى القلق على مصيرهم ومصير اطفالهم. ولكن للمدير الإداري للمستشفى الإستشاري ماهر الفاعوري رأي آخر.

تعال يا استاذ الان ها هم قد بدأوا الحرق.. تعال وانظر بنفسك وصور بالفيديو والكاميرا. في شارع موسى بن نصير/ عمان الغربية يحرق المستشفى الاستشاري النفايات الطبية. الحرق كما يعرف الاطباء والقانونيون والمواطنون خرق للأنظمة والقوانين المتعلقة بحرق النفايات الطبية, كونه يشكل خطراً يهدد صحة المواطنين, ولكن المستشفى يؤكد انها قانونية مئة في المئة.

يقول الفاعوري إن المستشفى يحرق المخلفات الطبية ثلاث مرات اسبوعياً, بمعدل 50 كيلو, في حين الطاقة الإستيعابية 400 كيلو للوجبة الواحدة.

وأكد الفاعوري, التزام المستشفى بإجراء فحوصات في الجمعية العلمية الملكية بتكلفة 2700 دينار, إضافة إلى عمل تدقيق بيئي بالتعاون مع وزارة الصحة والبيئة والجمعية العلمية الملكية; تحقيقاً لجميع الشروط والمتطلبات البيئية والصحية.

وبين أن المستشفى تلقى كتباً من وزارة البيئة بداية حزيران الماضي يؤكد التزامهم بالمعايير المعتمدة. الكتاب لم يمنع الفاعوري من القول : في حال تضرر البيئة والإنسان لن نلجأ إلى حرق المخلفات الطبية.

وكشف عن قيام الإدارة بعمل الفحوصات البيئية اللازمة; للتأكد من مطابقة انبعاثات الغازات من المدخنة والمعايير الدولية والمحلية, بما يضمن المحافظة على صحة البيئة والإنسان على السواء, فضلاً عن إجراء فحوصات دورية للعاملين في المحرقة; للتأكد من خلوهم من الأمراض وتحقيقاً للسلامة العامة.
كل ما ذهب اليه الفاعوري لا يبدو انه مطمئن للاهالي الذين يرون في غازات الديوكسين الناتجة عن حرق النفايات الطبية تلويثا خطيرا.

المفارقة ان الفاعوري كشف عن معلومات يبدو انها ستزيد من ريبة الاهالي. قال لـمضمون جديد نشارك خمسة عشر مستشفى بحرق النفايات في محرقة الاستشاري.

وأضاف, وقعنا مع هذه المستشفيات اتفاقيات; للتخلص من نفاياتهم بشكل صحي, أي ما معدله 12 طنا شهرياً.

ووصف الفاعوري ما يقوم به المستشفى بانه يقوم بدور وطني في المحافظة على بيئة عمان نظيفة, من خلال مساعدة المستشفيات التي لا توجد بها محارق طبية, بالتخلص من نفاياتها بالطريقة الصحيحة.
الفاعوري تمنى على وزارة البيئة الموافقة على نقل المحرقة إلى مكان غير مأهول خارج مدينة عمان, معززاً اقتراحه هذا بتحمل المستشفى جميع النفقات المالية المترتبة على نقله.

دراسات وابحاث

كثيرة هي الدراسات التي تناولت حرق النفايات الطبية, وكثيرة هي التحذيرات التي تحدثت عن مخاطر معالجة الغازات الناتجة عن الحرق كما تحرق نفايات المنازل. إن معنى حرق النفايات الطبية نشر غازات الديوكسين واثار الزئبق في المناطق السكنية القريبة.

وغازات الديوكسين من المواد مسببة للسرطان, وقد تم ربط آثارها بعاهات خلقية وتراجع في الخصوبة وضعف في جهاز المناعة, وغير ذلك من خلل هرموني. أما الزئبق فيتسبب بخلل في نمو دماغ الجنين وتسمم مباشر للجهاز العصبي المركزي والكلى والكبد.

الجار قبل الدار

الجار قبل الدار, مثل شعبي يدرك عبد القادر صبحا وجيرانه معناه جيدا. هم جيران اثرتجربتهم مع محرقة »الاستشاري«.

لم يترك عبد القادر صبحا - كما قال لـ مضمون جديد - وسيلة الا وقام بها لإيصال همه للمسؤولين والجهات المسؤولة, ولكن من دون جدوى. وزارة البيئة واحدة من هذه الجهات التي لم تفلح في وقف الدخان الأسود المتكرر في حيه, فضلاً عن الروائح الكريهة والرذاذ والحبيبات السوداء.

عبدالقادر صبحا, يعيش مع أسرته في طابق الروف; بالقرب من المستشفى, وهو ما ضاعف معاناته واسرته.
أم محمد, التي تشارك الجيران همهم, هي الأخرى لم تستسلم للوضع الحاصل, وبادرت كثيرا للاتصال بوزارة البيئة; لوضعها في صورة ما يجري. ولكن من يهتم لمواطن يخشى على صحته.

قالت لنفسها: لماذا لا تزور ادارة المستشفى وتضعهم في صورة همومها علهم يكونون الخصم حكما يسعفها في طلبها.

أم محمد سمعت من إدارة المستشفى ما يلي: ان عملية الحرق تتم وفق الأنظمة والقوانين, وأن ما يقومون به ما هو إلا إجراء طبيعي ولا آثار سلبية له, ولكن ما كل هذه الروائح الكريهة, ولماذا هذه الحبيبات السوداء التي تنتشر في بيتها بعد كل عملية حرق.

تحمل هذه السيدة شهادة الماجستير في صحة البيئة; لذا تعرف جيدا ان قلقها في محله. وتدرك يقيناً عمق الخطورة على صحتها وأسرتها.

أقل ما يمكن أن نعاني منه الأمراض العصبية تقول حاملة شهادة الماجستير في صحة البيئة. وتبين أن أضرار الحرق تتقاسمها البيئة وصحة الإنسان; ما يجعلها تعمل دائماً بهدف الوصول لحل جذري من شأنه إراحة المواطنين خاصة المجاورين منهم للمستشفى.

أبو أسعد, أحد القاطنين قرب المستشفى, هو الآخر يقول لـ مضمون جديد: إن المستشفى يحرق جميع مخلفاته الناتجة عن العمليات الجراحية, إضافة إلى مخلّفات الولادة والأدوية, وما ينتج عن ذلك من دخان كثيف ورماد أسود, وروائح كريهة, تضرّ القاطنين حوله.

ويشير أبو أسعد إلى خطورة الحرق مما يظهر على أراضي المنازل وبعد مسح الأثاث. يقول: نجد آثار الاحتراق من رماد أسود متناثر بصورة مخيفة.

ويطالب أبو أسعد وجيرانه الجهات المعنية إيقاف ما وصفها بالكارثة ونقلها إلى مكان آخر خالٍ من السكان; حرصاً على صحة المواطنين.

أما أنطوانيت فرج تربط بين سحب الدخان الكثيف والحبيبات المتساقطة ودخولها في وعكة طبية لأكثر من أسبوع.

تقول لـ مضمون جديد: رغم زيارتي الطبيب إلا انني لم أتحسن, بل اصبحت أشعر بضعف عام في جسمي.
هي مخاوف تحرم انطوانيت من متعة استنشاق الهواء النقي, فهي لا تستطيع فتح النوافذ; خوفاً من دخول هواء ملوث أو حبيبات سوداء, فيزداد الأمر سوءا, وكأنها تعيش في منطقة صناعية.

أما زياد خوري فيصف جيرته للمستشفى بالمستفزة. ويتساءل كيف نعاني صحيا من صرح يفترض انه يعالج ما نعاني منه وليس يوزع الامراض مجانا للجيران.

بدورها قالت الخبيرة في هندسة البيئة وهندسة أدارة النفايات الصلبة, الدكتورة منى البنا المدرسة في الجامعة الالمانية الاردنية لـ مضمون جديد: إن أكثر من 20% من الفضلات الطبية تذهب الى المحارق,

وتشمل فضلات العمليات الجراجية للانسان أو الحيوان, البقايا التشريحية, إضافة الى فضلات المختبرات الطبية البيولوجية, فضلات الاجهزة الحادة والادوات الجراحية الملوثة وغيرها.

وبحسب الخبيرة, فإن الدراسات أكدت أن المحارق تتسبب في بث العديد من ملوثات الهواء السامة وخاصة الملوثات العضوية ذات الاثر الدائم; الأمر الذي يسبب تلوث الهواء المحيط, كما وتؤثر على صحة الانسان في المناطق المحيطة, وهو ما يتطلب تزويد تلك المحارق بفلاتر متطورة جدا وأجهزة خاصة لامتصاص الملوثات المرافقة لانبعاثات المحارق, وتجنب أثرها الضار على صحة المواطنين المجاورين لهذه المحارق والعاملين والمقيمين في هذه المستشفيات أو اماكن الحرق.

وأوضحت الخبيرة البنا, أن حرق نفايات المستشفيات الطبية يشكل مصدرا أساسيا لـلديوكسين والزئبق وغيرها من الملوثات التي يجب تجنبها, مطالبة بمراقبة تلك المحارق بشكل دائم ومستمر, إضافة إلى البحث عن بدائل لها أكثر أماناً, خاصة في الأماكن المأهولة.

وتشير درسات عالمية أن معظم محارق المستشفيات لا تحتوي على الأجهزة المطلوبة لتنقية انبعاثات المحارق, وهي إن وجدت لن تكون غير فعالة بالدرجة المطلوبة وتحتاج الى جهد صيانة عالٍ جدا ومستمر للسيطرة على تركيز الملوثات الهوائية بنسبة أقل من الحد المسموح به عالميا.
حرق المخلفات يؤذي الأطفال

الدكتور مدالله المعايطة مستشار أول أمراض صدرية قال: لا أحد يسلم من تأثير حرق المخلفات الطبية في الأماكن المأهولة, سواء كانوا أصحاء أم مرضى, إلا أن التأثير يكون أشد وطأة على الأطفال.

وأوضح المعايطة أن للحرق آثارا سلبية على الجهاز التنفسي والقصبات الهوائية, فضلاً عن مضاعفة الأمراض الصدرية لدى المرضى, مشيراً أن إمكانية الإصابة بأمراض الربو وهبوط التنفس والالتهاب الرئوي تتضاعف لدى القاطنين بالقرب من أماكن الحرق, فضلاً عن انتشار مرض التحسس بينهم, وبالتالي التهاب الجهاز التنفسي نتيجة استنشاق المواد السامة.

ونصح بنقل مثل هذه المحارق إلى أماكن غير مأهولة, واستعمال مواد وأجهزة حديثة بإشراف خبراء ومختصين; للحد من آثارها السلبية على صحة المواطنين, أو اللجوء إلى طمرها بعيدا في اعماق التربة بدلاً من حرقها.

وتعتبر عملية حرق النفايات الطبية الصلبة والسائلة والغازية وسيلة عملية للتخلص منها, وتتم بتحويل النفايات من خلال الحرارة العليا إلى حرارة وغاز وبخار ورماد, الا ان لهذه العملية شروطا علمية وضعت لها القوانين والانظمة محددات يجب السير على هداها.