كفرعانة من تحفة طبيعية إلى مكب نفايات

الرابط المختصر

مضمون جديد – شذى حماد

جريمة اغتصاب جديدة، المعتدي هو بلدية سلواد والضحية هي منطقة كفر عانة شرق مدينة رام الله، والعدالة ما زالت مفقودة، "إنه انتهاك لقدسية أشجار الزيتون واعتداء صريح على البيئة، فمنطقة كفر عانة يجب أن تكون محمية طبيعية وليس مكب لنفايات " يقول خالد عواد ل مضون جديد عن مكب النفايات العشوائي الذي أقامته البلدية بدون تصريح من الجهات المختصة، بجانب أرضه البالغة مساحتها سبعة دونمات، وتحتضن 120 شجرة زيتون روماني يبلغ عمره مئات السنوات.

ويضيف عواد:" قبل سبعة أشهر أقامت بلدية سلواد مكب كفر عانة، وعندما توجهنا إليها للاستفسار، ووعدنا رئيس البلدية أن لا يقام المكب دون اطلاع الجهات الرسمية على المنطقة والموافقة على إنشاء المكب"، متابعا :" بعد أيام قليلة زرنا كفر عانة وصدمنا بوجود أطنان من النفايات، ونهر من العصارة الفاسدة بين أشجار الزيتون ".

قرار رسمي غير مجدي:

وبعد توجه المواطنين بشكاوي للجهات الرسمية المعنية من وزارة الصحة وسلطة جودة البيئة ومحافظة رام الله، قامت بإنشاء لجنة مشتركة عاينت المنطقة وأصدرت قرارها بإيقاف المكب ونقل النفايات إلى المكب القديم، إلا أن البلدية لم تأخذ بالقرار وما زالت مستمرة بنقل نفايات البلدة إلى المنطقة.

" قبل سنوات قررت شراء أرض لأكون نفسي واستثمرها، واخترت منطقة كفر عانة لجمالها الطبيعي ونقائها، وكنت أزورها يوميا وأعتني بأشجارها وأحرثها وأستجم وأسرتي فيها، والآن المنطقة أصبحت ملوثة، الدخان ينبعث باستمرار من النفايات، ورائحة المياه العادمة لا نستطيع تحملها" قال عواد.

وأضاف :" ما ينمو على بيئة سيئة يكون فاسد وسيء، ونحن بسطاء ليس لنا قدرة على إيجاد بديل آخر لمصدر رزقنا، وشكوانا لم تأخذ بالاعتبار أمام أشخاص متفردين في قراراتهم".

وأشار عواد إلى أن البلدية لم تلتزم بالقرارات التي أصدرتها اللجنة، ولا يوجد قرارات ملزمة من الجهات الرسمية لوقف هذه المأساة، ويقول :" طالبنا البلدية بإبراز كتاب رسمي يسمح لها بالاستمرار في استخدام مكب النفايات إلا أنه رفضت وقالت انه ليست من صلاحياتنا كمواطنين".

وأضاف متسائلا :" إذا لم تنفذ هذه القرارات من قبلهم إلى من سنلجأ ومن سيأخذ القرار الحاسم ومتى سيتم إغلاق المكب ".

محمية طبيعية وليس مكبا للنفايات:

وعلى الجانب الآخر من المكب تقع أرض المواطن حماد الحناوي ذات السبعة دونمات، المحتضنة في أحشائها أكثر من 65 شجرة زيتون من النوع الروماني الذي تتجاوز عمره آلاف السنوات، يقول الحناوي: " لم أتخيل يوما أن جنة كفر العانة ستتحول تربتها كمكب تملئه الكلاب الضالة والخنازير، ويسود هوائها الدخان الملوث والرائحة الكريهة".

وأضاف :" أنا متعلق كثيرا في أرضي، وبعد إقامة المكب عليها شعرت أنها روحي سلبت مني، لم أرى يوما بجمالها ونقاء هوائها والآن عندما أزورها لا استطيع المكوث فيها لدقائق بسبب الدخان والرائحة الكريهة". متابعا :" أحرص على العناية بها يوميا، أنظفها واحرثها وأقلم أشجارها، والآن أشعر أن كل تعبي ذهب في مهب الريح".

وبين الحناوي أن كفر عانة تعتبر منطقة إستراتيجية ومهمة، إذا استغلت بالطريقة الصحيحة فسيكون لها مردود إيجابي لثلاثة قرى محيطة وهي يبرود وسلواد وعين يبرود، وقال: " تدعي البلدية أنها أقامت المكب بعيدا عن منازل سلواد، ولكن مكب كفر عانة قريب من منازل قرية يبرود"، داعيا بلدية سلواد احترام قرار المؤسسات وتنفيذه بأسرع وقت، بعيدا عن المحسوبية والمناصب.

البلدية: لا يوجد بديل:

ومن جهته، قال رئيس بلدية سلواد نمر حامد :" استخدمت سلواد مكب النفايات القديم منذ ثمانين سنة، وبسبب الامتداد السكاني وقرب المنازل من المكب، تم إغلاقه وفتح مكب كفر عانة".

وأضاف حامد :" يبلغ عدد سكان بلدة سلواد 3 آلاف نسمة، وينتجون 10 طن من النفايات يوميا، والبلدة تعاني شأنها شأن بلدات فلسطين من المكبات العشوائية، ولا يوجد مكب نموذجي يراعي المعايير الصحية والبيئية".

وعن المعايير البيئية المتخذة لإنشاء مكب كفر عانة، قال حامد :" لا يوجد لدينا معايير صحية لإنشائه ، فهو بحاجة إلى قدرات مادية وبيئية، مع مراعاة بعده عن التجمعات السكانية"، مضيفا: "نقوم في بعض الأحيان بطمر النفايات ولكن ليس بشكل دوري وحسب قدراتنا".

وبين حامد انه لا يمكن إيجاد مكب نفايات بعيد عن المناطق الزراعية، وقال :" لا نستطيع إنشاء مكب نفايات للبلدة خارج الكوكب، حاولنا إيجاد مكب أخف ضرر من القديم، ولكن ليس بشكل مثالي، ولا يوجد بديل الآن عن مكب نفايات كفر عانة وإذا وجد البديل سنقوم بإغلاقه، ولكن حاليا سنستمر في استخدام المكب الأخير".

المحافظة غير قادرة على إغلاق المكب:

وفي ذات السياق، قال رئيس لجنة البيئة والسلامة العامة في محافظة رام الله خليل اللفني :" بعد ما تقدم المواطنين بشكوى عن المكب الجديد، اطلعنا عليه وطلبنا من بلدية إغلاقه"، مبيناً أن البلدية أشارات إلى أن المكب القديم لا يستوعب ولا يكن استخدامه.

ووضح اللفني أن المحافظة أرسلت لجنة لمكب كفر عانة وأعطت توصيات بإغلاق المكب الجديد وتحويل النفايات إلى بلدة رمون أو بلدة دير دبوان، وتم عقد اجتماع مع البلدتين الأخيرتين اللتان لم تقدما أي رد إيجابي"

وذكر اللفني أن حل هذه المشكلة لا يأتي بشكل سريع، وسيتم إغلاق مكب كفر عانة بأفضل وأسرع الطرق من خلال مجموعة إجراءات، وقال :" نحن اتخذنا قرار بإغلاق المكب ولكن توجهنا مشكلة كيفية تنفيذ القرار في ظل دعم بلدية سلواد للمكب".

المكبات العشوائية تمنح تراخيص مؤقتة:

ومن جهته، قال مدير دائرة النفايات الصلبة والخطرة في سلطة جودة البيئة مروان أبو عرقوب :" لا يوجد معاير لإنشاء مكبات نفايات عشوائية غير بعدها عن السكان، ولا يوجد في فلسطين سوى ثلاثة مكبات صحية، مقام منهم واحد وهو زهرة الفنجان والآخران قيد الإنشاء، وتتوفر في هذه المكبات شروط الحفاظ على البيئة والمياه الجوفية والصحة العامة، ويمنع بها الحرق وتعالج النفايات عن طريق الطمر". مضيفا :" المكبات العشوائية غير صحية والسلطة لا تعطيها موافقة ويتم منحها ترخص مؤقت، ويمنع الحرق نهائيا".

مؤكدا على أن بعد المكبات العشوائية عن السكان وعن المناطق الزراعية ومجاري الأودية والمياه، هي من أهم المعايير المتخذة عند إقامة مكبات النفايات العشوائية.
وقال :" إن إنشاء مكب كفر عانة شرق بلدة سلواد ليس بديل عن مكبها الغربي، ولم يتم حل مشكلة بذلك وإنما تم ترحيل مشكلة بيئية من موقع إلى آخر".

مواطنون يعيقون إنشاء مكب صحي:

منذ عام 1996 تسعى سلطة جودة البيئة لإنشاء مكب صحي لمنطقة شرق رام الله في بلدة رمون، على مساحة تبلغ 140 دونم، بموازنة متوفرة بقيمة 14 مليون دولار، إلا أن سكان بلدة رمون يرفضون المكب.

يقول مدير مكتب سلطة جودة البيئة في محافظة رام الله ثابت يوسف:" تم شراء أرض لمكب صحي في رمون تنطبق عليه كل المعاير الصحية والبيئية والسلامة العامة، إلا أن سكان رمون يرفضون أن تصبح أرضهم مكب للنفايات".

وأضاف :" أهالي رمون يرفضون الفكرة دون أن استيعاب مضمونها وأهميتها". مناشداً الحكومة الفلسطينية للضغط على الجهات المسئولة والمواطنين لحل المشكلة جذريا للمنطقة برمتها، وإنشاء المكب الصحي.

انتهاك كفر عانة بإنشاء مكب للنفايات عليها، لم يكن الأول في فلسطين، وما هو إلا مثالٌ صريح لاستباحة الطبيعة، وتلويث الهواء، وقتل الأشجار، أخل بتوزان اللوحة الفنية التي رسمت بشكل متقن منذ آلاف السنوات، على أمل أن يلبي الإنسان لمرةٍ واحدة نداء الطبيعة ويوقف انتهاكاته بحقها.