قيود حكومية على استخدامات الطاقة المتجددة في الاردن!
عمّان - امال العطاونة - مضمون جديد
فرضت الحكومة الاردنية قيودا على كميات الكهرباء المسموح للمواطنين بتوليدها باستخدام انظمة الطاقة المتجددة، في خطوة رأى خبراء انها تناقض المنطق في بلد تستنزف فاتورة الطاقة موازنته.
فقد اعلن وزير الطاقة علاء البطاينة في تصريحات نقلتها عنه وكالة الانباء الاردنية الرسمية (بترا) في حزيران الماضي، ان الكمية المسموح للمواطنين بتوليدها باستخدام هذه الانظمة هي 25 بالمئة فقط من احتياجاتهم، وذلك بموجب قانون الطاقة المتجددة الذي صدر مؤخرا.
وتشمل انظمة الطاقة المتجددة المعروفة في الاردن الخلايا الشمسية وتوريبنات الريح.
وكما يبدو فقد استند الوزير في تصريحه الى التعليمات التي اصدرتها وزارته بموجب القانون، وليس الى القانون نفسه والذي يتيح للمواطنين ضمنا توليد كامل احتياجاتهم عن طريق تلك الانظمة وبيع الفائض الى شركة الكهرباء، ودون ان يضع لذلك اية سقوف.
فقد نص البند (أ) من المادة 10 من القانون على انه "يجوز لاي شخص بما في ذلك منشآت الطاقة المتجددة الصغيرة والمساكن التي لديها انظمة طاقة متجددة لتوليد الطاقة الكهربائية ان يبيع الطاقة الكهربائية المولدة للمرخص لهم بالتزويد بالجملة والمرخص لهم بالتزويد بالتجزئة".
لكن التعليمات التي اصدرتها الوزارة جاءت لتحدد سقفا للكمية التي يستطيع المواطن توليدها وبيعها.
حيث جاء في البند (أ) من المادة 3 من التعليمات المنظمة لبيع الطاقة المتجددة ما نصه "يجوز للمستخدم الذي لديه اشتراك الطور الواحد ان يركب ويستخدم نظم الطاقة المتجددة باستطاعة لا تزيد على (2) كيلو واط اذا كان معدل استهلاكه الشهري للسنة السابقة من تاريخ تقديم طلب الربط لنظم مصادر الطاقة المتجددة لا يزيد على (500) كيلو واط ساعة".
وفي حال تجاوز معدل استهلاك المستخدم 500 كيلو واط/ساعة شهريا، فقد سمحت له التعليمات باستخدام نظم باستطاعة لا تزيد على 3 كيلو واط.
والطور الواحد هو ما يتعارف عليه بـ"الفاز"، ويشمل ذلك الغالبية الساحقة من منازل المواطنين.
وحسب مختصين، فان نظاما باستطاعة 2 كيلو واط قادر نظريا على توليد 320 كيلو واط/ساعة، لكن الكمية المولدة فعليا تبلغ نحو 250 كيلو واط/ساعة.
ومعنى ذلك ان منزلا يستهلك ما معدله 500 كيلو واط/ساعة شهريا، غير مسموح له بتركيب نظام تزيد قدرته التوليدية على 250 كيلو واط/ساعة، ما يعني فعليا انه لن يكون لديه فائض لبيعه لشركة الكهرباء.
قانون ومقاصد
وكما هو واضح، فان هذه النسب تختلف عن تلك التي اعلن وزير الطاقة عن ان القانون يسمح بها وهي 25 بالمئة.
وقد ظل اصل النسبة التي اعلنها الوزير عصيا على الفهم في بلد من المفترض ان يشجع استخدامات الطاقة المتجددة لخفض فاتورة الطاقة التي تستنزف جزءا كبيرا من موازنته.
ويستورد الاردن نحو 97% من احتياجاته من الطاقة التقليدية من الخارج، وبفاتورة تبلغ نحو اربعة مليارات دولار تشكل نسبة 26 بالمئة من واردات المملكة.
وتضمنت الاستراتيجية الوطنية الشاملة لقطاع الطاقة زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الكلي لتصل إلى 7% في عام 2015 و 10% في عام 2020 .
وقد باءت بالفشل كافة محاولاتنا لاستيضاح الوزارة عن الحكمة من تحديد نسبة الـ25 بالمئة وعن سبب تقييد الكمية المسموح بتوليدها اصلا وعدم اطلاقها كما في معظم الدول التي تشجع مواطنيها على الاكتفاء وبيع فائض حاجتهم من الكهرباء التي يولدونها باستخدام انظمة الطاقة المتجددة.
فقد اغلق الناطق الرسمي باسم الوزارة الهاتف لدى سؤالنا له حول الموضوع، ثم اصبح لا يرد على اتصالاتنا.
على ان بعض الاجابات جاءت من خلال خلدون الهباهبة من هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، والذي قال ان فرض هذه القيود يعود الى سببين، اولهما يتعلق بمقاصد القانون والاخر بقضايا فنية تتصل بطبيعة شبكة الكهرباء العامة.
وقال الهباهبة ان هدف المشرع عند وضع القانون كان تشجيع المواطنين على استخدام انظمة الطاقة المتجددة من اجل تقليل اعتمادهم على الشبكة العامة.
ومعنى ذلك ضمنا ان تشجيع المواطنين على تحقيق الاكتفاء من الكهرباء عبر انظمة الطاقة المتجددة لم يكن اصلا من اهداف القانون.
واضاف الهباهبة ان هناك اعتبارات فنية تم اخذها في الحسبان عند وضع التعليمات، وتتعلق بقدرة الشبكة العامة على استيعاب الاحمال الكهربائية المتولدة من انظمة الطاقة المتجددة في المساكن.
نظام مقاصة
الى ذلك، فقد لفت الهباهبة الى ان القيود المنصوص عليها في التعليمات تستهدف فقط المشترك الذي يستخدم انظمة الطاقة المتجددة ويرتبط بنفس الوقت مع الشبكة العامة ضمن نظام مقاصة خاص.
اما بالنسبة لمن لا يريد الاشتراك ضمن نظام المقاصة، فقال الهباهبة ان القانون يتيح له تركيب اي نظام يريده من انظمة الطاقة المتجددة، ودون اية قيود على كمية الكهرباء التي يولدها لاستخدامه الخاص، والتي لن يكون بمقدوره بيعها للشبكة العامة.
واوضح ان مسكن المشترك ضمن نظام المقاصة سيكون فيه عداد يحسب ما يستهلكه من الشبكة العامة واخر يحسب ما يغذي به الشبكة من الكهرباء المتولدة من الطاقة المتجددة.
وبهذه الطريقة يكون المشترك قد خفض فاتورته الشهرية لشركة الكهرباء، وحقق في نفس الوقت ربحا من الكمية المباعة التي يجري ترصيدها في حسابه وتصبح مستحقة له في نهاية العام.
وقال ان الوفر الذي يحققه المشترك من هذه المقاصة سيمكنه من سداد قيمة نظام الطاقة المتجددة الذي سيقتنيه وقد تمتد صلاحيته الى اكثر من 25عاما.
واضاف الهباهبه ان المشترك بعد سداده لقيمة النظام الذي قد يصل ثمنه الى خمسة الاف دينار، ستصبح قيمة فاتورته الشهرية من الكهرباء وفقا للمقاصة قريبة من الصفر، وهذا بحد ذاته انجاز وحافز من شأنه تشجيع المواطنين على اقتناء انظمة الطاقة المتجددة.
لكنه عاد واوضح ان الكمية التي يمكن للمشترك بيعها للشبكة العامة ستكون محكومة بالتعليمات، وما سيستحق له ضمن المقاصة هو فقط ثمن ما تسمح به قدرة نظامه، ولن يتم احتساب ما يزيد عن ذلك من كميات قد يقوم بتوريدها للشبكة مهما بلغت.
ووفق التعليمات، فان الكمية المسموح بتوليدها بانظمة الطاقة المتجددة وبيعها بالنسبة للمشتركين الذين يبلغ معدل استهلاكهم اقل من 500 كيلو واط/ساعة شهريا، هي نحو 250 كيلو واط.
وقد حددت التعليمات سعر شراء الكهرباء المنتجة من المواطنين عبر انظمة الطاقة الشمسية بقيمة اقل بكثير من قيمة الكيلو المباع من خلال شركة الكهرباء، وهو ما يثير الى الان انتقادات كثيرة خاصة من الشركات التي تخطط للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة في البلاد.
انتقادات حادة
الى ذلك، فقد انتقد الكاتب والباحث الاردني المتخصص بشؤون البيئة والطاقة باتر وردم هذه التعليمات وبخاصة لجهة تحديدها سقفا لمساهمة المواطن في تغذية الشبكة العامة بالكهرباء المنتجة بالطاقة المتجددة.
وقال وردم ان "هذه التعليمات تعكس إما عدم اكتمال الصورة الشاملة لأهمية مساهمة الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الكلي، أو غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتمكين خيار الطاقة المتجددة من أن يحتل موقعا رياديا في إنتاج الطاقة في الأردن وذلك من أجل إتاحة المجال لسيطرة قطاع النفط وكذلك الطاقة النووية في المستقبل".
واضاف ان "قرار تحديد 25% كسقف أعلى لمساهمة المواطن في تغذية الكهرباء الناتجة من مصادر الطاقة المتجددة للشبكة العامة غريب وغير مسبوق في الدول التي تدعم هذا النمط من إنتاج الطاقة وخاصة في أوروبا ودول كثيرة في شرق آسيا".
واكد وردم ان "هذا الشرط يتناقض مع روح وقيمة قانون الطاقة المتجدة ويهدد بتقليص فرص الاستثمار في هذا القطاع في الأردن
وقال انه "إذا كان هنالك سبب فني يجب توضيحه ولكن ما نخشاه هو أن السبب قد يكون سياسيا وهو عدم وجود جهة قوية تدعم خيارات الطاقة المتجددة في وزارة الطاقة".
وتابع قائلا ان "هنالك نوعا من الإضرار للطاقة المتجددة وبشكل متعمد في سياسة الطاقة الأردنية ولا نعرف لمصلحة من يتم ذلك، ولكن على الأغلب نتيجة ضغط القوى المتنفذة وراء البرنامج النووي أو لحماية مصفاة البترول والإنتاج الحكومي للكهرباء من منافسة مستثمرين في الطاقة المتجددة".
وعلى صعيده ايضا، فقد انتقد محمد الطعاني مدير الجمعية الاردنية للطاقة المتجددة تعليمات وزارة الطاقة، ووصفها بانها "غير ناضجة وغير عملية".
وقال الطعاني ان "السماح للمواطن بتركيب انظمة طاقة متجددة دون أي قيود يساعد في زيادة اعتماده على هذه الطاقة وخصوصا عندما يجد ان فاتورة الكهرباء اصبحت صفرا".
لكنه قال ان "تحديد نسبة 25 بالمئة فقط سيجعل المواطن يبتعد عن هذه الفكرة لان ثمن النظام مرتفع ونسبة 25 بالمئة لا تغطي تكاليف شراء النظام".
وتابع قائلا ان "تعليمات استخدام الطاقة المتجددة غير ناضجة وغير عملية وغير جدية للتطبيق، خصوصا ان تحديد نسبة 25 بالمئة بحاجة الى مراجعة ولا يمكن لجهة واحدة فقط ان تحدد النسبة المسموح بتوليدها بل يجب ان تشترك في ذلك كافة القطاعات العامة والخاصة ومؤسسات المجتمع المحلي وشركات التوليد".
تاثير سلبي
وفي سياق متصل، قال ياسر السمهوري وهو صاحب شركة لتقنيات الطاقة المتجددة، ان اقبال المواطنين على اقتناء انظمة الطاقة ضعيف اصلا، ومن شأن القيود التي فرضتها التعليمات على الكميات المسموح بانتاجها بواسطة هذه الانظمة ان يضعف الاقبال بشكل اكبر.
واوضح ان سبب ضعف الاقبال يعود بالدرجة الاولى الى ارتفاع اثمان هذه الانظمة قياسا بمستوى الدخل للمواطن الاردني.
وقال السمهوري ان من المفترض ان لا تكون هناك قيود اذا ما اردنا تشجيع الناس على اقتناء انظمة الطاقة المتجددة
واضااف ان الانظمة تظل مرتفعة الثمن رغم انها معفاة من كافة الضرائب والرسوم الجمركية، وذلك بسبب ان اسعارها مرتفعة عالميا.
لكنه لفت الى ان بعض الانظمة غير معفاة كليا، خاصة تلك التي تستخدم بطاريات التخزين، حيث ان البطاريات التي تشكل الجزء الاغلى غير مشمولة بالاعفاء بحجة ان لها استخدامات متعددة.
وكما يرى مختصون، فان حجة الاستخدامات المتعددة غير مقنعة، وعلى الحكومة ان تجدد حلولا لمراقبة استخدامات هذه الاجزاء بدلا من الركون الى الحل الاسهل وهو استثناؤها من الاعفاءات.
الى ذلك، فقد ابلغتنا مصادر مطلعة في مرحلة متاخرة من انجاز هذا التقرير، ان وزارة الطاقة تعكف على اعادة النظر في التعليمات المنظمة لبيع الطاقة المتجددة.
ولم توضح المصادر ما اذا كانت اعادة النظر هذه ستشمل القيود على الكمية المسموح للمواطنين بانتاجها بانظمة الطاقة المتجددة، ام انها ستقتصر على تسعيرة شراء الكهرباء الشمسية من قبل شركة الكهرباء، خاصة في ظل الانتقادات الكثيرة لهذه التسعيرة من قبل المستثمرين المحتملين في هذا القطاع.
إستمع الآن