فلسطينيو الداخل الاشد تضررا من أزمة المياه في اسرائيل

عرب 48 - خالد وليد أبو أحمد - مضمون جديد

عمدت اسرائيل على مدى السنوات الماضية الى رفع اسعار المياه وتقنين حصص الافراد منها في مسعى لمواجهة النقص الحاد والمتزايد في مواردها المائية، ولكن، وكما في كل مرة، فان الاشد تضررا هم فلسطينيو الداخل.
وقد بلغت متوالية رفع الاسعار وتقنين الحصص في اسرائيل ذروتها مؤخرا، عندما تقرر رفع سعر كوب المياه (المتر المكعب) الذي يستهلكه الفرد زيادة عن حصته المقررة والبالغة 3,5 كوبا شهريا، ليصل الى 13.89 شيكل (نحو اربعة دولارات).

ويبلغ سعر الكوب ضمن الحصة المقررة للفرد 8.63 شيكل (نحو دولارين ونصف).
وكانت حصة الفرد قبل القرار هي 2,5 كوبا شهريا، وجرت زيادتها ضمن التعديلات التي اجريت مطلع تموز/يوليو 2011 بواقع كوب واحد، في ما بدا محاولة لامتصاص النقمة التي سيخلفها قرار زيادة سعر الاكواب الاضافية.

ولكن هذه المحاولة لم تفلح، بل زادت من حالة الغضب في اوساط فلسطينيي الداخل خصوصا، والذين يعانون اوضاعا اقتصادية صعبة.
وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فان نسبة الفقر بين الأسر العربية في إسرائيل أعلى مرتين مما هي عليه بين الأسر اليهودية.

ويعيش ما يقرب من 47.6 بالمئة من فلسطينيي الداخل تحت خط الفقر ولا يزيد متوسط دخلهم عن ثلثي نظيره عند اليهود في الوقت الذي يعادل فيه مستوى البطالة بينهم أربعة أمثال مستواه بين اليهود.
وكانت مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية قد حذرت من ان ارتفاع سعر المياه سيؤدي إلى ارتفاع عدد الفقراء في إسرائيل.
ووفقا لحساباتها، فان معدل الدخل للعائلة سيهبط مع هذا الارتفاع بـ 0.5%. وسيكون تأثير ذلك على العائلات الغنية قليلا ويصل الى 0.2%، بينما سيقلل مدخول العائلات الفقيرة (ومعظمها عربية) بنسبة 0.9%-1.4%.
ما ذنبي؟!
يحدثنا أسعد (38 عاما)، من قرية الرّينة شمال الناصرة، عن معاناته واسرته جراء ارتفاع أسعار المياه ومعادلة الحصص.

يقول اسعد ابن القرية التي اعتمدت الناصرة على مياهها عبر مئات السنوات "أنا أب لـ 6 ابناء، وحصتنا 28 كوب ماء فقط، وأدفع مقابل ذلك 240 شيكل تقريبًا، ولكنّني أستهلك في الشّهر ما يُقارب 35 كوبا، وأدفع 100 شيكل زيادة،! ما ذنبي وما ذنب أبنائي؟!".
ويستطرد أسعد قائلا ان "ارتفاع أسعار المياه هو فقط من أجل إقامة اتّحادات للمياه في كُل القرى والمُدن في البلاد، وطبعًا موظّفوها يقبضون على حسابي وحساب أبنائي، ولهذا فأنا أطالب بالغاء هذه الاتّحادات، وإرجاع سعر كوب المياه إلى ما كان عليه قبل التغيير".

وقد تشكلت اتحادات المياه بموجب قانون اقر عام 2001، بهدف تنظيم العلاقة بين شركة المياه الاسرائيلية "مكوروت" والمواطنين، سواء لناحية جباية اثمان المياه او تحسين البنية التحتية لشبكات المياه.

وحتّى هذا اليوم، هناك 52 اتحادا في انحاء اسرائيل، تضم 130 سلطة محليّة من أصل 184 ينطبق عليها هذا القانون.
معاناة اخرى يرويها الحاج أحمد (70 عامًا)، من سكّان مدينة شفاعمرو، وهو أب لـ 12 إبنًا و 6 بنات غير متزوّجات، ويبلغ العدد الاجمالي لافراد عائلته 36، وجميعهم مشتركون في عداد مياه واحد كما يخبرنا.
يقول الحاج احمد "يُسمح لنا باستهلاك 126 كوب مياه وأدفع مقابلها ما يقارب 1100 شيكل، ولكنّنا في الواقع نستهلك 200 كوب ماء وأدفع أكثر من 2000 شيكل!!!، ولا يقدّمون لنا أي تسهيلات وتخفيضات".
ووصف الحاج تقنين كمية المياه بانه "مؤامرة" على الفلسطينيين في الداخل.

وقال ان "تحديد كميّة المياه لكل فرد ما هي إلا لاجبار الناس على تقليل النسل! وللأسف النّاس يستجيبون لهذه المخطّطات بشكل وبآخر، والتي تهدف لاقصاء شعبنا الفلسطينيّ عن التكاثر والازدياد".
حملة شعبية
وقد أطلقت جمعيّة الجليل للبحوث والخدمات الصحيّة حملة شعبيّة لجمع تواقيع للمُطالبة بخفض أسعار المياه، في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها فلسطينيو الداخل.
وقال المحامي علاء حيدر، مدير مركز العدل البيئي في الجمعية ان "الهدف من وراء الحملة زيادة الوعي في مجتمعنا العربي بالنسبة للمياه باعتبارها حقا إنسانيا أساسيا، وليس سلعة تباع وتشترى، وكذلك الضغط على الحكومة لتخفيض أسعار المياه".
واضاف ان الخطوات القادمة في اطار الحملة ستتضمن "المزيد من الضغط والعمل مع جمعيات أخرى لتعبئة الشارع في هذا المجال"

وقال حيدر ان "الرفع المتكرر لأسعار المياه يُبرّر بشحها، وكذلك بالتكاليف الباهظة لعمليّات التنقية، وعلى ما يبدو فان سلطة المياه الحكوميّة تتعامل مع المياه كأي سلعة، ومن هنا الخطأ في التوجّه أصلا".
وطالب حيدر السلطة بأن "تخفّض الأسعار إلى ما كانت عليه، وكذلك ان تخصص 5 اكواب للفرد، وذلك استنادًا إلى أبحاث تم إجراؤها في البلاد".
سلطة المياه

من جانبه، أكّد المتحدّث باسم سلطة المياه الحكوميّة كايد ظاهر، أنّ السّبب الرئيسيّ لارتفاع أسعار المياه هو أزمة نقصها التي عانت منها البلاد في السنوات الأخيرة، إثر انخفاض منسوب الأمطار العام والذي أدىّ إلى انخفاض منسوب مياه الآبار الارتوازية وكذلك منسوب بحيرة طبريّا لحد كبير.
وتقدر حاجة إسرائيل للمياه بنحو (2000) مليون متر مكعب سنوياً، فيما يبلغ معدل استهلاك الفرد من المياه الى 353 لتر في اليوم.

وقال ظاهر "قرّرنا مؤخّرًا رفع كميّة أكواب المياه المقرّرة بالسّعر الأوّل أي 8 شيكل للكوب الواحد للفرد من 2.5 كوب لتصبح 3.5 كوب، وبالتّالي سيخفّف هذا الأمر على العائلات ذات الدخل المحدود أو العائلة كثيرة الأولاد".

وحول أسباب عدم تخفيض سعر الكوب إنّما زيادة كمية المياه للفرد، فقد علّل ذلك بقوله ان "تخفيض سعر الكوب سيؤدّي إلى عدم الاكتراث بتوفير المياه، بالإضافة إلى أنّ تكاليف تحلية المياه واقامة مصنعين آخرين جديدين أصبحت باهظة جدًا، ولذلك لن يعود سعر كوب المياه كما كان في السّابق".

وقال ظاهر انه في ظل القرارات الجديدة فقد "أصبحت نسبة التجاوز (للحصص) في المجتمع العربي، وكما وصلنا من اتحادات المياه المختلفة، لا تتعدّى 15%، وهذا إن دلّ فيدلّ على الوعي عند العائلة العربيّة".
واقر المتحدث باسم سلطة المياه بان "المحاولات لعدم تجاوز الكميّة الأولى يأتي بسبب الظروف الاقتصاديّة الصعبة" لفلسطينيي الداخل.
الاتحادات بريئة

من جهة اخرى، فقد نفى ظاهر الاتهامات الموجهة الى اتحادات المياه بانها كانت السبب في رفع الاسعار من اجل تغطية نفقاتها ورواتب ومصاريف كوادرها.
وقال "أن مسألة رفع المياه لا علاقة لها باقامة اتّحادات المياه".

ولكنه انتقد ضمنيا العدد الكبير لهذه الاتحادات، مشيرا الى توصية تقدمت بها سلطة المياه الحكومية ودعت فيها الى دمج هذه الاتحادات لتصبح 15 بدلا من 52 كما هو الحال الان.
ومع ذلك، فقد اعتبر ظاهر ان "الاتّحادات حقّقت أهم هدف وضعناه أمام نصب أعيننا وهو تنظيم مسألة المياه وإنهاء مسألة تراكم الديون لشركة مكوروت وبالتّالي قطع المياه بشكل جماعيّ".

وكانت الشركة تلجأ في احيان كثيرة الى العقاب الجماعي لتحصيل فواتيرها، كان تقوم بقطع المياه عن حي كامل في حال تاخر اي من بيوته في دفع مستحقاته.
وأضاف ظاهر ان "الاتّحادات أصبحت اليوم العنوان للمواطن في ما يتعلّق بجميع أمور المياه، وأيضًا من أجل اقامة بنية تحتيّة جديدة، والتي كانت شبه معدومة، وهنالك طبعًا العشرات من المشاريع التي تقوم بها الاتّحادات".
ولجهتها ايضا، تنفي اتحادات المياه والصرف الصحي اي علاقة لها برفع الاسعار، لا بل انها تشدد على معارضتها لهذا الرفع.
وكمثال على هذا الموقف، فقد اكد مدير عام اتحاد المياه في منطقة شفاعمرو أحمد حجازي ان "أسعار المياه موحدة في كل الاتحادات وفي البلدات الخاضعة لها، ولا قدرة أو تأثير للاتحاد على تحديدها أو تغييرها".

واضاف ان "هذه القضية أخذت منحى قطريًّا (على مستوى البلاد) وتتم متابعتها ومعالجتها في الكنيست (البرلمان الاسرائيلي)".
وتابع قائلا ان "مدى قبول الأهالي للأسعار فيعود إلى ظروفهم الاقتصاديّة، والى حجم استهلاك المياه في العائلة، وللتأكيد فان الاتحاد ضد رفع أسعار المياه".

أضف تعليقك