سيل الزرقاء .. هل يمكن إعادة تأهيله؟
"سنعود للسباحة بسيل الزرقاء كما كنا نفعل ونحن صغار"، هذه واحدة من تصريحات وزير البيئة الاردني حازم ملحس حول سيل الزرقاء، خلا مؤتمر صحفي جمعه مع الناطق الاعلامي باسم الحكومة الدكتور نبيل الشريف في شهر نيسان من العام الحالي.
ملحس، الذي صرح أيضا لوسائل الاعلام بأنه سيتم تحويل محافظة الزرقاء ومنطقة الرصيفة إضافة للمخيمات المحيطة بها إلى واحة خضراء محاطه اشجار النخيل والمشمش إضافة إلى توفر المياه العذبة في سيلها خلال 15 عاما، أثار استغراب المواطنين.
منذ سنوات طويلة يعاني سيل الزرقاء الذي يعتبر واحدا من روافد نهر الاردن، وينبع من العاصمة عمان متجها إلى الشرق عبر عين غزال، الرصيفة، الزرقاء، يعاني من مجموعة مشكلات بيئية أهمها فيضان المياه العادمة من خطوط الصرف الصحي بسبب مرورها في مجرى السيل، جفاف المياه الموجودة في مجرى السيل، وجود تجاوزات عديدة في منطقة السيل بسبب كثرة الانشطة الاقتصادية والزراعية والتجارية وما تخلفه من نفايات تلقي على جوانب السيل والمناطق المحيطة فيه وبداخل مجراه المائي.
خلال زيارة ميدانية لسيل الزرقاء نظمها الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في بداية العام الحالي لمجموعة من الصحفيين المهتمين في تغطية القضايا البيئية للاطلاع عن قرب على واقع هذه المشكلات البيئية التي يعاني منها، لاحظنا وجود كميات كبيرة من القمامة بأشكالها المختلفة ملقاة على جبنات السيل وداخل مجراه المائي.
وفي ذات الزيارة وزيارت أخرى منفردة للمنطقة التقينا مواطنين يسكنون في منطقتي الهاشمية والرصيفة التابعتين اداريا لمحافظة الزرقاء حيث اشتكوا من سوء الأوضاع البيئية وبخاصة الناجمة من مخلفات السيل والروائح الكريهة التي يخلفها.
فلا تقتصر المشكلات البيئية على الروائح الكريهة المنبعثة من مياه السيل وإنما تحول مجرى السيل إلى مكب للنفايات على اختلاف أنواعها، من بقايا البناء، الأتربة، الحجارة اضافة الى النفايات السائلة.
واللافت للانتباه أن هناك مشاريع زراعية صغيرة تقام في الأماكن القريبة من السيل ومنها منطقة المزرعة، حيث تستغل المياه العادمة وغير المعدلة بشكل صحي لري المزروعات.
وعند الاستفسار من احد المواطنين – رفض ذكر اسمه في التحقيق – عن نوعية هذه المزروعات اكتفى بالقول بأنها تستخدم طعام للأبقار، يشتريها منه مجموعة مصانع للألبان ومنتجاتها في عمان.
ولن يخفى على أحد أن المياه التي تروي فيها تلك المزروعات تختلط في مجرى سيرها مع مياه عادة غير صالحة للاستخدام البشري أو كماء للحيوانات، وبالتالي فهذا قد يؤدي الى اصابة المواطنين والابقار بالامراض جراء هذه المياه المستخدمة في ري مزروعات تأكلها الأبقار التي تشكل مصدرا غذائيا للانسان أيضا.
ما سبق لا يروق للمزراع (حسين) صاحب مزرعة في ذات المنطقة، إذ ينفي أن تكون المياه المستخدمة في ري المزروعات التي تشكل طعاما للأبقار عادمة وغير صالحة للاستخدام، لقوله "المياه التي نستخدمها مستصلحة ومصدرها خربة السمرا".
يؤكد خبارء عاملين في المجال المائي أن المياه المستخدمة لري المزروعات في منطقة المزرعة هي مياه عادمة رغم أنها معالجة لكن بشكل غير كافي وتحتاج لمرات كثيرة من المعالجة.
لا تقتصر الملوثات في سيل الزرقاء على انبعاث الروائح الكريهة جراء القاء النفايات في مجراه، بل يتعدا ذلك إلى إصابة المواطنين بأمراض صحية بسبب تكاثر القمامة والحشرات، ومن هذه الامراض الربو – ضيق التنفس- ، ويزداد انتشار هذه الحشرات في فصل الصيف بفعل ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة عدد الزائرين للمكان لأغرض شتى.
يبين الكاتب الصحفي المتخصص في المجال البيئي باتر وردم في إحدى مقالاته الصحفية أن نهر الزرقاء ينقسم إلى جزئين: الجزء الجاف الذي يبدأ من عمان مرورا بالرصيفة والزرقاء وانتهاء بمحطة الخربة السمراء في الهاشمية حيث يحتوي السيل فقط على تدفقات من المياه العادمة شبه المعالجة ومياة ناجمة عن الأنشطة البشرية والزراعية ولا يحتوي النهر على المياه العذبة إلا في فصل الشتاء اعتمادا على مياه الأمطار.
أما الجزء الثاني المعتمد على المياه العادمة المعالجة من محطة الخربة السمراء وحتى سد الملك طلال والمنطقة السفلى من السد حيث تشكل المياه العادمة المعالجة النسبة الأكبر من المياه وتستخدم في بعض النشاطات الزراعية المقيدة وغير المقيدة خاصة بعد أن تحسنت نوعية المياه بعد توسعة محطة الخربة السمراء وتغيير نظامها لمعالجة المياه العادمة.
ما سبق يمثل مجموعة - ذكرت على سبيل المثال للحصر - لبيان المشاكل البيئية التي يعاني منها سيل الزرقاء، وقد تم استعراضها بعالجة للانتقال الى الاجابة عن السؤال الذي يطرحه التحقيق وهو "هل يمكن اعادة تأهيل سيل الزرقاء؟".
عمليا، يتفق خبراء في مجال المياه والزراعة أن ما صرح به ملحس قابل للتطبيق على أرض الواقع، مستشهدين بتاريخ السيل قبل أعوام طويلة من حيث كثرة عدد الاشجار فيه، إلى جانب وجود التجمعات المائية الصالحة للاستخدام البشري والزراعي.
منسق مشروع إعادة تأهيل سيل الزرقاء باتر وردم يبين "أن إعادة تأهيل السيل ممكن، مبينا أن عملية إعادة تأهيل الأنهر والمواقع البيئية الملوثة ليست أسطورة بل تجارب حدثت في الكثير من دول العالم وتتطلب مزيجا من التخطيط السليم وتوفر الموارد المالية والبشرية والقرار السياسي الملتزم إضافة إلى عامل الوقت".
يوافقه الرأي الخبير المائي الدكتور الياس سلامة الذي يعتقد أن امكانية عودة الزراعة في سيل الزرقاء ممكنة جدا، مستشهدا بذلك بتجارب عالمية في تحويل المستنقعات إلى أماكن خضراء مثل نهر الراين في ألمانيا الذي احتاج ما بين (15 – 20) سنة لاعادة تأهيله من جديد.
وفي سبيل اعادة تأهيل السيل طورت وزارة البيئة وبالشراكة مع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة إستراتيجية طويلة الأمد لإعادة تأهيل حوض نهر الزرقاء (2007-2020)، بهدف استعادة خصائص النظام البيئي في هذا الحوض، وفي العام 2008 بدأت الوزارة بتطبيق مشروع لبناء القدرات المؤسسية لإعادة تأهيل سيل الزرقاء بتمويل من الوكالة الإسبانية للتنمية الدولية وبمنحة تبلغ 965,000 يورو ولمدة 3 سنوات.
وفي العام 2009 بدأت الوزارة بتطبيق مشروع إعادة تأهيل سيل الزرقاء من خلال التعاون مع العديد من الجهات الداعمة محليا وعربيا، ويشكل هذا المشروع قاعدة لاستقطاب التمويل طويل الأجل وذلك اعتمادا على تحديد مجموعة من المشاريع الريادية على امتداد سيل الزرقاء التي سيتم تنفيذها في السيل.
إن البرنامج طويل الأمد لإعادة تأهيل سيل الزرقاء يتضمن التخلص التدريجي من كافة مصادر التلوث، سواء المياه العادمة المنزلية أوالصناعية أو النفايات الصلبة، وتجريف مجرى السيل وتهذيبه لمنع الإنسدادات التي تعيق جريان المياه، وتنفيذ مشاريع لتشجير السيل وإقامة مجموعة من الحدائق العامة، ودعم مشاريع للزراعة المستدامة، والتعاون مع وزارة المياه والري في تحسين كفاءة محطات الرفع، ودعم هذه النشاطات ببرنامج رقابة متواصل من خلال الإدارة الملكية لحماية البيئة قد يتضمن وضع كاميرات مراقبة، وزيادة الدوريات.
وتتضمن الاستراتيجية ايضا تطوير تشريعات وأنظمة تغطي كافة أوجه النقص في تحديد ملكية السيل، وتنظيم النشاط العمراني والتنموي والتخطيط الحضري، بحيث لا يتعارض مع حماية سيل الزرقاء من التلوث واتخاذ كافة الخطوات التي من شأنها الحفاظ على كميات الجريان المائي الدائم في حوض نهر الزرقاء حالياً، والتخطيط لإضافة كميات من المياه من مصادر غير تقليدية.
يصف الدكتور سلامة أن الاستراتيجية التي تنفذها وزارة البيئة الآن بالتعاون مع جهات عديدة بأنها "جيدة"، مشددا على ضرورة تفعيل النصوص القانونية لمخالفة المعتدين على السيل ومجراه لمنعهم من القاء مخلفات مصانعهم فيه، داعيا أصحاب المصانع الى تحمل مسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم بتخصيص أماكن مناسبة من الناحية البيئية لالقاء المخلفات فيها.
تقوم وزارة البيئة وبحسب الناطق الاعلامي فيها عيسى الشبول حالياً بالتنسيق مع بلدية الزرقاء لتنظيم العمل البيئي، وخصوصاً جمع القمامة والتخلص منها، وضبط عمليات رمي النفايات ومخلفات الورش على الطرق ومجاري المياه والوديان.
وبحسب البيانات والدراسات الصادرة عن وزارة البئة فقد قام فريق مكون من وزارة البيئة والاتحاد الدولي لحماية الطبيعة ومؤسسة ميرسي كور ومجموعة من المؤسسات الشريكة الأخرى بإعداد وتنفيذ برنامج المسح السريع لجميع قطاعات سيل الزرقاء بهدف الوصول إلى تصور أولي للوضع العام للسيل ضمن أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتمهيداً للخروج بقائمة أولية للمناطق الريادية التي سيتم التدخل فيها من خلال مشروع بناء القدرات لإعادة تأهيل سيل الزرقاء تم اعتماد منهجية المسح الريفي السريع لتنفيذ هذه الدراسة.
واشتمل المسح السريع على تقسيم السيل إلى ست قطاعات جغرافية وذلك لتسهيل التعامل معه ضمن قطاعات متجانسة قدر الإمكان. وكانت هذه القطاعات هي:
1- قطاع عمان: من رأس العين في وسط البلد إلى جسر المحطة.
2- قطاع الرصيفة: ضمن حدود بلدية الرصيفة حتى مدينة الزرقاء.
3- قطاع مدينة الزرقاء: ضمن حدود مدينة الزرقاء حتى التقاء السيل بمجرى مياه الخربة السمراء.
4- قطاع الخربة السمراء: من محطة الخربة السمراء إلى نقطة الالتقاء بسيل الزرقاء (الملاقي)
5- قطاع السد: من نقطة الملاقي إلى سد الملك طلال
6- أسفل سد الملك طلال: منطقة تدفق المياه من سد الملك طلال إلى المحطة النحويلية في تل الذهب
وقد توصلت الدراسة إلى تحديد 12 منطقة ساخنة على امتداد السيل، تم إختيار خمسة منها لتنفيذ مشاريع ريادية من خلال مشروع إعادة تأهيل سيل الزرقاء وهي:
في منطقة الرصيفة، سيتم دعم اساليب الزراعة المستدامة في مزارع الرصيفة وتشجير مجرى السيل، الزرقاء تصميم متكامل لحديقة بيئية تعليمية في منطقة جناعة وإعادة تأهيل السيل في منطقة شومر، الهاشمية إقامة حديقة بيئية وتشجير جوانب السيل، اسفل سد الملك طلال، مشروع نموذجي للإدارة المتكاملة للموارد الطبيعية في منطقة الخيوف/ محافظة البلقاء
بحسب الشبول، ستحل مشكلة تلوث سيل الزرقاء على عدة مراحل قصيرة المدى وطويلة، ولتحقيق ذلك حددت وزارة البيئة مجموعة من العوامل التي قد تؤثر على التخلص من مشكلة تلوث السيل وهي:
- ضعف تطبيق القواني البيئية وعدم وجود عقوبات رادعة لمحاسبة المعتدين بيئيا.
- نقص الوعي البيئي بشكل عام بين السكان والقطاع الصناعي.
- الجفاف الذي يجتاح المنطقة نتيجة وقوع المنطقة على حدود الصحراء الاردني.
- قلة الموارد المالية لاقامة مشاريع بيئية.
- عدم توفر كوادر مؤهلة في المنطقة للمحافظة على البيئة.
- قلة اهتمام المسؤولين بالمنطقة.
- قلة فاعلية وتعاون جميع الاطراف للحد من التلوث في المنطقة.
لن تتم اعادة تأهيل سيل الزرقاء إلا من خلال وضع بدائل واحتمالات تضمن انجاز المشروع، وقد حددت وزارة البيئة لذلك ثلاث سيناريوهات هي: توفر تمويل كافي لتنفيذ مبادرات محلية تهدف إلى الحد من تلوث المنطقة وتعاون جيد من قبل جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية للحد من التلوث ، وهذا السيناريو يعتبر أفضل سيناريو يمكن حدوثه في المنطقة وهوالسيناريو الأسهل لتحقيق الرؤية ويمثل الحل الأمثل لمشاكل التلوث في المنطقة.
السيناريو الثاني: عدم توفر تمويل لتنفذ مبادرات للحد من التلوث مع وجود تعاون جديد بين الجميع لتبني مبادرات للحد من التوث ، وهذا السيناريو يأخذ الأفضلية الثانية بعدم توفر التمويل الكافي لتنفيذ مبادرات للحد من التوث السيل من التلوث وتوفر تعاون .
السيناريو الثالث: توفر تمويل كافي لتنفيذ مبادرات محلية تهدف الى تحسين الوضع البيئي في المنطقة مع عدم وجود تعاون جيد بين الجهات المعنية ، وهذا السيناريو يعتبر بالأهمية الثالثة حيث يمكن أن يلعب توفراً تمويل كافي ومشاريع ممولة للمنطقة في معالجة التلوث ولكن مع عدم وجود تعاون جيد لمنع تلوث في المنطقة .
السيناريو الرابع: يعتبر هذا السيناريو الغالب في المنطقة حيث لا يوجد هناك تمويل كافي لتنفيذ مبادرات لتحسين الوضع البيئي وكذلك لايوجد تعاون جيد بين الجهات المعنية لتنبني افكار ومبادرات للحد من التلوث في المنطقة.
وكانت وزارة البيئة وضعت خطة من ثلاث مراحل بكلفة 40 مليون دينار لإعادة تاهيل سيل الزرقاء تحتاج الى اكثر من 10 أعوام، تركز المرحلة الأولى خلال جدول زمني يمتد لثلاث سنوات على تأهيل الروافد الصغيرة للسيل، وحملات تثبيت جوانب النهر وإدارة المخلفات الصلبة في المنطقة، فيما تركز المرحلة الثانية والثالثة، التي تحتاج عشر سنوات لإتمامها، على الإجراءات طويلة الأمد.
يجمع خبراء متخصصين في المجال البيئي والزراعي والمائي على أن حل المشكلات البيئية التي يعاني منها السيل ممكن بتطبيق القوانين الصارمة والمخالفة للمعتدين على مياه السيل، وأيضا بتوفير التمويل اللازم لإعادة تأهيل سيل الزرقاء الذي يعتبر ثاني أكبر رافد لنهر الأردن، إذ تبلغ مساحة حوضه (3400) كم مربع، ويبلغ معدل التصريف السنوي لهذا النهر في منطقة دير علا (83) مليون متر مكعب، منها ما يقارب (38) مليون متر مكعب مقدار التصريف الأساسي.
لكن الكرة الآن ستبقى في المرمى الحكومي ممثلا بوزارة البيئة، البلديات وجهات أخرى داعمة وممولة للمشاريع التي ستقام على سيل الزرقاء لتحسين وضعه البيئي، فمن يدري ربما "سنعود للسباحة بسيل الزرقاء كما كنا نفعل ونحن صغار" على حد تعبير وزير البيئة حازم ملحس الذي لم يأت بأمر مثير للاستغراب عندما صرح عن أمنيته الشخصية بخصوص سيل الزرقاء، فتاريخيا وصف ياقوت الحموي النهر الذي طالما اعتبرته وزارة البيئة "بأنه بؤرة ساخنة للتلوث البيئي" بأنه "عظيم، غزير المياه، وفيه سباع، وتكثر حوله النباتات الملتفة وأشجار القصب".
يبين الخبير في المجال المائي عبد السلام كمال أنه لا بد من وجود العديد من الضمانات حتى لا يتم تلويث السيل مرة أخرى بعد اعادة تأهيله، ومن بين الضمانات التي يقترحها كمال: تطبيق فعلي للتشريعات القانونية التي تلزم المخالفين بدفع غرامة مالية، ويلفت الى أن التشريعات الحالية جيدة لكن ينقصه التطبيق الفعلي، مشددا على ضرورة رفع الوعي لدى أبناء محافظة الزرقاء والأماكن المجاورة لها بالحفاظ على السيل وعدم تلويثه مستقبلا.
إستمع الآن