رحيل عميدة أشجار البلوط بالمملكة عن 750 عاما ولا عزاء
دير ابي سعيد- بعد عمر ناهز 750 عاما قضتها تحرس المدخل الغربي لبلدة سموع وعلى يسار الطريق العام من إربد إلى دير أبي سعيد بلواء الكورة في محافظة اربد رحلت عميدة أشجار البلوط بالمملكة حزينة بلا بواكي مسجلة بوفاتها شهادة على ظلم الانسان للشجرة. رحلت شجرة القينوسي بعد ان جذبت خلال حياتها اهتمام الساسة وقادة الجيوش ابان العهد العثماني وكبار التجار الذين كانوا يقصدونها للاستراحة تحت أغصانها الظليلة والممتدة في أثناء توجههم الى فلسطين بحسب الباحث البيئي احمد الشريدة.
ان الاهمال المتواصل بالشجرة المعمرة الأم والتاريخ من قبل الجهات المعنية كما الإهمال بغيرها من ثروات الاردن الحرجية سرّع في سقوط القينوسي في ليل دامس أغمض عينيه لهول فقد تلك الشجرة، وكأنه لم يحتمل رؤيتها تنهار أمام عوامل الاهمال البشري. عجزت ساق القينوسي التي ترتفع عن الارض نحو خمسة امتار عن الاستمرار في حمل اغصانها الكبيرة الممتدة على مساحة تقدر بـ 50 مترا مربعا بعد ان استفحل التسوس بتلك الساق العتيدة التي بلغ محيطها حوالي 22 متراً، تلك الساق التي حملت الشجرة مئات السنين من دون كلل او تذمر، وحملت تاجها الذي بلغت مساحته 100 متر مربع .
لم تفلح محاولات بذلتها مديرية زراعة الكورة قبل بضع سنوات لتجنب سقوط الشجرة ولكنها حالت دون تسبب الحادثة بأي اضرار بشرية او مادية بحسب متصرف الكورة نوفان عوجان الذي اشار الى وضع المديرية ركائز حديدة تحت الاغصان التي بدأت بالتيبس بعد جفاف الاوراق قبل ما يزيد على خمس سنوات.
ووفقا لعوجان فقد سقطت أغصان الشجرة بالكامل بعد سقوط الساق وكان السقوط بفضل الله باتجاه المنطقة الجنوبية وليس باتجاه الشارع العام للواء والذي كانت أغصان الشجرة تغطي اجزاء منه.
بحزن وألم يقول بعض الاهالي ان "هذه النهاية المفجعة لشجرة القينوسي وغير المتوقعة للعميدة بدأت قبل اكثر من خمس سنوات اذ اجرى مستثمر محلي تحتها حفريات لاستغلال ظلالها لاقامة استراحة على ارضها الوقفية التي تعود ملكيتها لوزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية".
وكانت شجرة القينوسي الراحلة تعد من أبرز الاشجار المعمرة في الاردن، وأقدم الأشجار التاريخية الموجودة في بلاد الشام، وكانت توصف بعميدة اشجار البلوط في المملكة، ومنذ عام 1991م بدأ النمو الخضري لهذه الشجرة التاريخية بالتراجع بشكل كبير وخطير، واقترن باصفرار اوراقها وشحوب أغصانها،
وتحولت الى حالة من التيبس الكامل. وكانت الشجرة معلما بارزا في لواء الكورة حيث كانت وجهة طبيعية للمتنزهين في السنوات الماضية وشكلت خلال عمرها المديد والذي قدره الباحث الشريدة بـ 750 عاما عامل جذب سياحي للمنطقة مجسدة اصالتها عبر القرون، وكانت محطة استراحة للقوافل التجارية المتجهة الى فلسطين والإقامة تحت ظلال اغصانها الكبيرة بحسب عدد من المعمرين في سموع الذين اشاروا الى ان مساحة ظلالها تزيد على 50 مترا مربعا بينما ترتفع اغصانها الى نحو 18 مترا وساقها خمسة أمتار.
ووفقا للباحث الشريدة كانت القينوسي الى فترة قريبة نقطة جذب لحلقات الفكر والشعر امتدادا لحلقات السياسة التي كانت تعقد في ظلالها لقادة الجيوش إبان الدولة العثمانية، وفي العهد القريب وقبيل جفاف اغصانها كانت تعقد تحتها الامسيات الشعرية التي نظم بعضها منتدى الكورة الثقافي في تسعينيات القرن الماضي.
وكان لها مكانة خاصة عند سكان اللواء لاعتقادهم أن الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري من ملوك المماليك قد استراح تحتها في اثناء زحفه لمحاربة العثمانيين، وربما اخذت اسمها من إسمه قانصو او من قانصوه الذي كان اميرا للحج الشامي في بداية القرن السادس عشر وكان يقيم في بلدة صخرة بمحافظة عجلون، او نسبة الى ولي يدعى "محمد القينوسي" مدفونا تحتها.
رحلت القينوسي حزينة موجهة رسالة للانسان الاردني، تقول فيها" حافظوا على اخواتي الاشجار المعمرة وغير المعمرة من بعدي فهي ثروة لا تقدر بثمن، وهي شهادة حق على عظمة هذه الارض المباركة واهلها الطيبين، ولا عزاء" .)
إستمع الآن