خسوف أراضي الاغوار .. كابوس يبتلع احلام المواطنين

الرابط المختصر

تم اعداد هذا التقرير بدعم من مشروع "مضمون جديد" باشراف الصحفي لقمان اسكندر.

المزارع عزت الخنازرة يندب حظه العاثر بعد أن توسطت حفرة انهدامية أرضه بطول 100 متر فخلفت حولها اضرارا يقف عاجزا عن التصرف حيالها

 

آمال الخنازرة تلاشت داخل تلك الحفرة. ووحدها الخسارة المادية الكبيرة هي التي طاشت في حفرة هدمت كل تطلعاته بمستقبل آمن - كما كان يتخيله-، ولقمة عيش كانت في متناول اليد لتتركته يجلس في أرضه متحسرا مكتوف اليدين، بعد أن اضطر لبيعها بخسارة تقدر بألف دينار في كل متر.

فوق صخرة في إحدى زوايا "الأرض المدمرة" في منطقة البحر الميت جلس على إطلالها واضعا يده على خده بعد أن باعها بـ (20) ألف دينار - نحو "35 الف دولار" - فيما يساوي سعرها الحقيقي ما لا يقل عن (120) ألف دينار- 200 الف دولار.

لم يكن عزت لوحده من تعرضت أرضه للدمار بسبب الحفر الانهدامية، فأرقام جمعية البيئية الأردنية تشير إلى ظهور أكثر من 150 حفرة على امتداد المنطقة المحاذية لشواطئ البحر الميت الجنوبية، إلا أن السكان المحليين أكدوا أن المتضررين حاولوا الاتصال بعدة جهات حكومية لتعويضهم لكنهم لم يحصلوا على شئ حتى الآن.

خلال جولة في غور المزرعة خاصة المنطقة الأقرب لشواطئ البحر الميت الجنوبية رصد مشروع "مضمون جديد" مدى الضرر الذي لحق بالكثير من البيوت والمزارع والمباني وحتى الشوارع جراء تعرضها للحفر الانهدامية التي انتشرت بكثرة في المكان خلال الأعوام الأخيرة.

وتظهر المنطقة وكأنها تعرضت لزلزال عنيف دمر بعض المنازل وقسم الطرق وشق الإسفلت من المنتصف.

شاهد عيان

ربحي الشعار موظف في إحدى شركات المقاولات التي كانت تعمل على بناء سد صغير في منطقة غور الحديثة جنوب البحر الميت. الشعار شاهدا على حادثة غريبة تسببت بها إحدى هذه الحفر في المنطقة.
يقول: قبل أعوام وبينما كانت الآليات تعمل انهارت فجأة الأتربة تحت آليتين كبيرتين "حفارة وجرافة" ووقعت الآليتين في قلب الحفرة تماما.

واضاف أن السائقين استطاعوا الخروج من الآليتين قبل أن تستمر الأرض بالانهيار حتى تجاوزت مسافة الـ 7 أمتار لتغرق الآليات بالكامل بعد أن بدأت المياه العذبة تتسرب من الأسفل لتغمر الحفرة حتى المنتصف لتختفي الآليات بداخلها تماما.

وتابع، جاء بعدها خبراء وغطاسين إلا أنهم أكدوا صعوبة سحب الآليات التي يتجاوز ثمنهم 100 ألف دينار لتبقى هذه الآليات ويتوقف العمل بالسد تخوفا من انهيارات أخرى.

عمر الظاهرة

بدأت ظاهرة الحفر الانهدامية في منطقة البحر الميت بالانتشار قبل أكثر من 15 عاما، بحسب جمعية البيئة الأردنية والسكان المحليين، لكنها ازدادت خلال الأعوام الأخيرة، نتيجة تراجع منسوب مياه البحر المشبعة بالملح، ما أدى إلى تشكيل فراغات عملاقة في التربة من الداخل مليئة بالملح، وفقا ما قاله المدير التنفيذي للجمعية المهندس أحمد الكوفحي.
وأضاف الكوفحي أن انسياب المياه العذبة سواء من مجاري الجبال المحيطة بالبحر الميت أو من المياه الجوفية أسهمت في ذوبان الملح وخلق فراغات كبيرة داخل التربة وحدوث انهيارات في التربة اصطلح على تسميتها بالحفر الانهدامية.

وعن أسباب الظاهرة يقول الكوفحي إن الاستخدام الجائر لمصادر تزويد البحر الميت بالمياه أدى إلى ضعف تزويده مسببا تراجع منسوبه قرابة متر سنويا.
واشار الى ان اسرائيل عمدت إلى تحوير أنهار ومجاري المياه بعيداً من مسارها الطبيعي، فأعدمت بذلك البحر الميت.

وبدأ تجفيف منابع البحر الميت في عام 1964، عندما حولت الحكومة الإسرائيلية مجرى مياه نهر الأردن إلى «شركة المياه الوطنية» بهدف إيصال المياه إلى مدنها الساحلية.
وحول كمية المياه التي تصل البحر الميت الآن أشار الكوفحي أن ما يصل اليوم هو فقط مئة مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن، أي ما يوازي نسبة 10% من الأحجام الأساسية التي كانت تصب فيه  حيث كانت تصل أكثر من مليار متر مكعب سنويا.

واوضح أن الجزء الجنوبي منه أصبح ضحلا وتمت التضحية به في سبيل الصناعات المعدنية في إسرائيل والأردن، مشيرا إلى أن الصور المأخوذة بالساتل أظهرت بوضوح كيفية تحوّل البحر إلى برك يستخرج منها البوتاس على رغم أنه يعجل وتيرة التبخر.

ناقل البحرين ..

ويرى الكوفحي أن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو تنفيذ مشروع ناقل البحرين - الذي يعمل على نقل المياه بواسطة أنابيب عملاقة من البحر الأحمر إلى البحر الميت - وأنه اصبح ضرورة وطنية للمحافظة على أمن الأردن المائي.

وتعتبر مشكلة مياه البحر الميت من أهم المشاكل حيث لجأت له الدول المحيطة لتوفير المياه لغايات الشرب أو الزراعة حتى تراجع منسوبه إلى الحد الذي وصل إلية للان.
وحول خشية السكان المحليين من أن تمتد هذه الحفر حتى تصل إلى المناطق السكنية متجاوزة المناطق الزراعية وهو ما يتوقعه الخبراء.

وما عزز من مخاوف السكان عدم وجود أي دور لسلطة وادي الأردن، حيث لم تقم بتعويض أي مزارع فقد أرضه نتيجة هذه الحفر، وبالتالي لن يكون هناك أي تعويضات مستقبلية.
وقال نور عشيبات وهو ناشط بيئي من سكان المنطقة إن هذه الحفر بدأت يزداد ظهورها منذ 4-5 أعوام,  حيث تراوح عمقها من 20-40 متراً.

وحول حقيقة أعداد هذه الحفر اشار عشيبات الى أن هناك تخوفات من قبل بعض المزارعين بالاعتراف بأن أراضيهم معرضة لخطر تخوفا من سحبها منهم، وبالتالي هناك بعض التضليل من قبل المزارعين أنفسهم.
وعن الأسباب التي تعجل في هبوط الأرض قال إن استخدام مياه الري العذبة يؤدي إلى تذويب هذه التربة وبالتالي هبوطها.
من جانبه، قال سليمان الدغيمات رئيس جمعية البيئة فرع الغور ومن سكان المنطقة أيضا أن عمر الظاهرة يزيد عن الخمس سنوات وأن بداياتها تعود إلى أكثر من 20 عاما إلا  أنها كانت في ذلك الوقت غير واضحة المعالم كما هي الآن.

وقال إنه التقى بعدد من الخبراء الأجانب الذين جاءوا من دول عدة لدراسة الظاهرة، مبينا أن الخبراء أكدوا بأن الظاهرة قابلة للزيادة وأن المستقبل سيشهد خفرا أكثر عمقا وأكبر حجما.
واوضح أنه وطبقا للدراسات التي أجرتها جمعية البيئة الأردنية فإن قناة البحرين تشكل الحل الوحيد لإعادة إحياء المنطقة والتخلص من هاجس هذه الحفر الانهدامية والمشاكل البيئية التي ترافقها، مشيرا الى الدغيمات أن أنه يوجد في منطقة الأغوار ما لا قل عن 150 حفرة بحسب إحصائيات جمعية البيئة.

ويظهر تفاوت في الأرقام والإحصائيات بين ما تعلنه أرقام الجمعيات والسكان المحليين وأرقام سلطة وادي الأردن التي بينت أن عدد الحفر يقدر ب 68 حفرة.
وقال أمين عام السلطة المهندس سعد أبو حمور ان هذا التفاوت يعود الى إخفاء بعض المزارعين معلومات حول أرضه.

واضاف أنه لا يوجد أي مزارع قدم طلبا لتعويضه عن أي خسارة مشيرا إلى أن السلطة لن تقوم بتعويض أحد خلال الفترة الحالية بسبب عدم توفر القدرة المالية.
واشار الى أن أخطار هذه الحفر تتزايد مع تراجع منسوب مياه البحر الميت الذي يتناقص بشكل متسارع سنويا.

رأي خبير

خبير المياه الأستاذ المحاضر في الجامعة الأردنية الدكتور إلياس سلامة توقع أن تتزايد هذه الظاهرة بشكل كبير في حال استمر الانحباس المطري للعام الحالي، وأن تتسارع وتيرة ظهور المزيد من الحفر الكبيرة.
وقال إنه من الصعوبة الآن إعادة تأهيل البحر الميت عن طريق التوقف عن استخدام المصادرة المائية المزودة له، وأن الأمور وصلت إلى مرحلة اللاعودة.

وكغيره من الخبراء يرى الدكتور سلامه أن الحل الوحيد في إنقاذ البحر الميت من خلال تنفيذ مشروع قناة البحرين التي يتم من خلالها ربط البحر الأحمر بالبحر الميت ونقل المياه في الأنابيب لتعويض الفاقد.
ويتضمن مشروع قناة البحرين مد خط أنابيب بطول 180 كيلومتراً، من البحر الأحمر جنوبا إلى البحر الميت شمالا لتعويض الكميات التي يفقدها البحر الميت.

ومن المخطط أن تتمكن هذه القنوات من ضخ نحو 1.8 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من البحر الأحمر، على أن يتم تحلية 800 مليون متر مكعب منها، لتوفير مياه الشرب لسكان إسرائيل والأردن ومناطق السلطة الفلسطينية، في حين سيتم ضخ مليار متر مكعب سنوياً في البحر الميت، الذي بدأت مياهه تجف بسرعة في العقود الأخيرة.

ويرى الدكتور سلامه أن القناة هي الحل الوحيد الذي يعيد للبيئة اتزانها في حال تمت الموافقة على المشروع معتبرا أنه الحل الوحيد والأخير لإنقاذ البحر الميت ووقف الظواهر الغريبة التي بدأت في الظهور بعد تراجع مستواه.
وتبقى مخاوف سكان المنطقة مشروعة خاصة مع تحذيرات الخبراء التي تنذر بأن الحفر ستتزايد مع الانحباس المطري الذي يساهم بتناقص منسوب البحر الميت ما لم تجد الجهات المسؤولة الحلول الآنية بدعم المزارعين أو الحلول الجذرية بالإسراع في إنشاء قناة البحرين. "