خزانات المياه.. بيئة خصبة لأمراض لا تقف عند الكوليرا أو الكبد الوبائي

عمّان - رائد رمان - مضمون جديد

لدى كمال الحمد صاحب مؤسسة لتنظيف الخزانات الكثير من الغرائب التي يرويها حول تلوث مياه الخزانات، ولكن أوجعها القصة التالية.
يقول في تحقيق أعد خصيصا لمشروع "مضمون جديد"، تنشره "السبيل"، إنه تلقى في أحد الأيام اتصالا من إحدى شركات التأمين تطلب منه تنظيف خزاناتها، وعندما وصل إلى المكان قيل له إن الخزان لم يفتح منذ 5 سنوات، وأن الشركة طلبت من عامل أن يلج إلى داخله لتنظيفه، ولكن سرعان ما انتشلوه بعد صراخه، وعندما انتشلوه عرفوا سبب الصراخ؛ إن "الخزان مليء بالديدان والحشرات التي آذت قدميه وسببت له لدغات اضطرته إلى المبيت في المستشفى للعلاج أياما طويلة".

أسامة المصراطي هو الآخر لديه تجربة، رغم صعوبتها، ولكنها ليست بقسوة قصة الحمد، يقول: "منذ 8 سنوات لم أشرب إلا الماء المفلتر؛ لأن ماء الخزانات المنزلية ليست صالحة للشرب، وطعمها مختلط بالتراب والرمل"، يقول مندوب المبيعات أسامة.

حال أسامة البالغ من العمر42 عاما لا يختلف عن حال الكثير من المواطنين، الذين غالبا ما يواجهون وسواسا صحيا عندما يستخدمون مياه الخزانات في بيوتهم، لا سيما عندما يجدونها تتدفق من صنبور المياه باللون البني الغامق.

ولأسامة تجربة مع المياه ورمالها، يقول: "راجعت المستشفى في أحد الأيام لمغص شديد، فقيل لي بعد الفحص إنني أعاني من ترسبات رملية في الكلية جراء المياه التي أشربها من خلال الخزانات التي على السطح".

خبير المياه المهندس محمد أبو طه يحمّل أسامة نفسه مسؤولية ما عاناه، يتساءل: "ماذا يمكن أن نتوقع من إهمال تنظيف خزانات المياه؟!".
"مضمون جديد" وَجَّهَ إلى 100 مواطن السؤال التالي: "هل تنظف خزان المياه الخاص بك"؟ فكانت النتيجة أن 15 شخصا فقط من العينة ينظفون خزاناتهم، و85 شخصا لم يفكروا إطلاقا بتنظيف الخزان أو الصعود إليه لتفقد صلاحيته، والسبب فيما قالوه أنهم لا يستعملون مياه الخزان للشرب بل للغسيل والجلي والشطف فقط.

يصل عدد المشتركين في سلطة المياه نحو مليون و100 ألف مشترك، يتزودون بما مقداره 328 مليون متر مكعب من المياه في السنة.
بالنسبة إلى المهندس أبو طه فإن "تلوث المياه" هو أي تغير يطرأ على الخصائص الطبيعية والكيميائية والحياتية للمياه، وتؤدي إلى تغيير في نوعيته فتجعله ضاراً وغير صالح للشرب.

يقول: "جودة مياه الخزانات المنزلية والاعتماد عليها لتوفير احتياجات السكان اليومية المختلفة هي من الأمور المهمة جدا التي يجب على المواطنين وضعها كأولوية".

يرى أن مياه الخزانات عرضة للتأثر بالكثير من العوامل البيولوجية والعضوية وغيرها التي تؤدي إلى تلوثها، وبالتالي التأثير في صحة مستخدميها، خاصة أن عدداً غير قليل من السكان يعتمد على مياه الخزانات المنزلية في الشرب.

تعتبر خزانات المياه مصدرا وحيدا لتخزين المياه قبل استخدامها من جانب المجمعات السكنية والمنازل والمدارس ومختلف المؤسسات الحكومية، إلا أن هذه الخزانات لا تجد من يعتني بها ويهتم بنظافتها وصيانتها، فكثير من الأفراد لا يهتمون بخزانات المياه فوق منازلهم، بغض النظر عن نوعية الأسباب الكامنة وراء ذلك، سواء أكانت تجاهلا أم كسلا أم عدم إدراك أم لا مبالاة.
في السياق ينصح أبو طه باستخدام خزانات "ستانلس ستيل" أو"الزينكو المقلفن"، محذرا من استعمال "الفيبر جلاس" والبلاستيك، خاصة باللون الأسود، ولكنه يستدرك: "هناك بعض أنواع الفيبر جلاس ما هو آمن".
أمراض لا تحصى لا تبدأ بالكوليرا ولا تنتهي بالكبد الوبائي

ولكن ماذا قد يعني خزان ملوث بالبكتيريا بالنسبة إلى جسم الانسان؟ يجيب أبو طه بالتحذير من خطورة انتشار أنواع من البكتيريا التي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان عبر مياه الشرب الناتجة عن تلوث الخزان، ومنها الكوليرا والسالمونيلا، وبكتيريا القولون البرازية التي تسبب التهابا رئويا وحبيبات الكلى والدرن الرئوي، إضافة إلى التهابات الجلد والتهاب الزائدة الدودية والتيفوئيد والدوسنتاريا، كما تسبب الفطريات التهاب فروة الرأس "الثعلبة"، والتهاب منبت الأظافر، والتهاب فطر القدم الرياضي، والتهاب منابت الشعر، أما الطفيليات والفيروسات فهي تسبب شلل الأطفال والتهاب الكبد الوبائي، وحمى الغدد والسحايا والرمد والإسهال وأمراضا عديدة أخرى.

سعيد الشريف صاحب مصنع الشرق لصناعة خزانات المياه، الذي يصنع خزانات الزينكو المقلفن منذ السبعينيات، يشرح لزبونه عند شراء الخزان أن العمر الافتراضي للخزان عشر سنوات فقط، كي يراعي بذلك تغييره بعد انقضاء هذه المدة؛ حتى لا يواجه مشاكل صحية وأمراضا بكتيرية وفطرية ناتجة عن المدة الزائدة للاستعمال.

ينوه الشريف إلى الشروط الرئيسية الواجب توافرها في خزانات مياه المنزل، فهو مدير مصنع حريص على أن يكون الخزان مقاوما للتقلبات الجوية فلا يتأثر بالرطوبة والحرارة والغبار، وأن يتصف بمقاومة التآكل والتأكسد الناتج عن المياه.
يشدد أن يكون السطح الداخلي للخزان ناعما ومكونا من الطبقات غير القلوية، إضافة إلى ضرورة أن يكون جدار الخزان قاتم اللون من الداخل للحد من نفاذ الضوء، ولا ينسى عزل الخزانات العلوية عن طريق طلائها بمادة عاكسة للحرارة والضوء وتغطيتها بمواد عازلة.
700 محطة فلترة خاصة

ما يقلل من خطورة هذه الخزانات أن نسبة كبيرة من الأردنيين تصل حسب تقديرات إلى 70 في المئة تستهلك مياه الشرب من خلال محطات الفلترة المنتشرة في البلاد التي وصل عددها إلى 700 محطة حتى نهاية شهر 3 من هذا العام الحالي، وفق وزارة الصناعة والتجارة، لكن ألا توجد طرق أخرى يمكن أن تنفذ منها البكتيريا لجسم الإنسان غير الشرب، كالاستحمام مثلًا؟
ليست بكتيريا وحسب، بل طيورًا نافقة وفئرانًا
بالنسبة إلى كمال الحمد صاحب مؤسسة تنظيف الخزانات فإن لديه مجموعة من الزبائن الدائمين الذين يطلبون تنظيف خزاناتهم مرتين في السنة، لكنه يعتبر عددهم قليلا.
الحمد يعمل في هذه المهنة منذ نهاية التسعينيات، وبذلك جمع كمًّا جيدا من القصص التي يمكن أن يرويها.

يقول إنه لم يعد يستغرب وجود مخلفات الطيور، بل الطيور نفسها نافقة في داخل الخزانات، لكن ما يزال الرجل يشعر بالاشمئزاز عندما يتذكر عثوره في أحد الخزانات على فأر ميت.
يعرب الحمد عن استغرابه من عدم إقفال الكثير أغطية خزانات مياههم التي يشربونها، يقول: "ماذا يتوقعون من خزان مفتوح للسماء، غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب".

قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام أمر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بما لا نطبقه نحن، عن جابر عن الرسول الكريم أنه قال: "غَطُّوا الإِناء، وأَوْكُوا السِّقاء، وأغْلِقوا البابَ، وأَطْفِئُوا السِّراج، فإن الشَّيطانَ لا يَحُلُّ سِقاءً، ولا يَفْتَحُ بابًا، ولا يَكِْشُف إناءً، فإنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلا أن يَعْرِضَ على إِنائِهِ عُوْدَا ويذكُرَ اسْمَ اللهِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ على أَهْلِ البَيْتِ بَيْتَهُمْ"، (رواه مسلم). فكيف الحال بخزان مياه مفتوح ليل نهار على خبايا السماء.

ولتنظيف الخزانات طرق وشروط؛ الحمد يؤكد أنها يجب أن يقوم بها فريق لديه خبرة ومهارة في تنظيف الخزانات وتعقيمها، والحرص على أن تكون المواد المستخدمة في تطهير الخزان مطابقة للمواصفات الفنية.
بالنسبة إلى وزارة المياه فإن عدنان الزعبي الناطق الإعلامي باسمها يقول لـ"مضمون جديد" إن سلطة المياه تقوم في السنة بفحص ما يزيد عن 100 ألف فحص مخبري وتحليل 500 ألف عينة من المياه، في مختبرات محلية متميزة تعتمد على النظائر المشعة، وتعتبر مركزا إقليميا في الشرق الوسط.

يؤكد أن مياه السلطة مراقبة من قبل الجمعية الملكية ووزارة الصحة ووزارة البيئة، وأنها تحصل على نسبة 99 في المئة خلال الفحوصات المخبرية لمعرفة مدى صلاحيتها للشرب ومطابقتها المواصفات والمقاييس العالمية.
بالنسبة إلى الزعبي فإن مديرية التوعية الإعلامية في الوزارة لا تألو جهدا في تثقيف المواطنين من خلال حملات توعوية على مدار الساعة، سواء من خلال الإذاعة والتلفزيون والمحاضرات والبوسترات وغيرها.

لكن ماذا تفعل جهود الوزارة إذا لم يتذكر صاحب المنزل أن يغلق غطاء خزانه، ويحرص على ذلك، وهل تجدي كل الفحصوات المخبرية التي تقوم بها الوزارة إذا ترك المواطن خزان المياه الذي يستخدمه وأبناءه سنين طويلة من دون أن يتذكر أن يلقي نظرة عليه؟

أضف تعليقك