خبراء بيئيون وزراعيون ينتقدون إقامة كلية عسكرية في برقش

الغد - فرح عطيات ومحمود الطراونة

انتقد خبراء بيئيون وزراعيون قرار اللجنة المشتركة، منح الموافقة على إقامة الكلية العسكرية الملكية في منطقة برقش في محافظة عجلون، باعتبار أن المشروع لا يراعي القوانين والأنظمة البيئية المعمول بها، والتي تقضي بالحفاظ على المساحات الخضراء في المملكة، في وقت طالبوا فيه باجراء دراسة تقييم أثر بيئي للموقع المقترح.
وأكد الخبراء أن اختيار تلك المنطقة لإقامة الكلية "أمر يدعو للاستغراب"، في ظل وجود وثائق تؤكد موافقة وزارة الزراعة على اقامة هذه الابنية على مساحة 120 دونما ملاصقة للغابة تماما، وخالية من الاشجار الحرجية او المثمرة، والتي تقدر مساحتها بـ 600 دونم تقريبا.
وتفاجأ عدد منهم بقرار اللجنة التي تضم ممثلين عن وزارات الصحة والبيئة والزراعة والمياه والريف والبادية أمس، وذلك لكونه لا يلحق اضرارا سلبية على البيئة، لا سيما وأنه اتفق بينهم مسبقا على عدم السماح بإقامتها وايقاف العمل بالمشروع.
وعلى الرغم مما ورد في وثائق حصلت "الغد" على نسخة منها، فان مجلس الوزراء، في حكومة سمير الرفاعي، وافق على إزالة 2200 شجرة حرجية من نوع سنديان وقيقب وبطم معمرة، تعترض إقامة أبنية الكلية العسكرية التي يعتزم انشاؤها.
وجاء رد رئيس اللجنة الصحية النيابية الدكتور صالح الوريكات أن "ما سيتم قطعه لا يتعدى 300 شجرة وهو بمثابة انجاز مسبوق لم يحصل من قبل في قرارات مماثلة".
واستند الوريكات في ذلك الى أنه سيكون هناك تقطيع محدود لاشجار غير معمرة على الطريق المؤدية الى المعسكر، على ان القوات المسلحة ستقوم بزراعة أضعاف الشجر التي ستزال، في وقت سيجرى فيه ري الاشجار من المياه الرمادية في المنطقة.
وأشار لـ "الغد" إلى أن القوات المسلحة التزمت ووعدت بأنها لن تمس الأشجار الحرجية في المنطقة، مع الاخذ بعين الاعتبار الحفاظ على المعمرة منها، على أن ذلك لم يشكل قناعة لدى وزير البيئة الدكتور طاهر الشخشير الذي أكد أن الوزارة سترسل كتابا اليوم إلى القوات المسلحة الاردنية، لطلب دراسة تقييم الأثر البيئي التي أجريت للموقع، والتي لم ترسل في حينه.
وشدد الشخشير لـ"الغد" على أن الدراسة ستسهم باتخاذ القرار المناسب بشأن اقامة الموقع، لكن ذلك لا يعني أن الوزارة غير معنية بالحفاظ على المنظومة البيئية في سائر أنحاء المملكة، وبخاصة الثروة الحرجية والغطاء النباتي.
وذهب رئيس الجمعية الاردنية لحماية البيئة خضر الغانم إلى رأي الشخشير بضرورة اجراء دراسة تقييم أثر بيئي للمشروع قبل الشروع بتنفيذه، للتأكد من أن ما ورد في قرار اللجنة النيابية، جاء متفقا مع القوانين والأنظمة البيئية والزراعية.
وأكد أن حماية الغابات في الأردن، لا بد وأن تكون اولوية على أجندة الحكومات والجهات المعنية، لا سيما وأن نسبة الغابات على نحو عام وبرقش على نحو خاص، تشكل نظاما بيئيا متكاملا وأصولا وراثية لنباتات طبيعية مهمة، وهي جزء رئيس من المساحة الكلية لغابات الأردن، التي لا تزيد على 1 % من مساحته الكلية.
ولم يخف المدير التنفيذي في جمعية البيئة الأردنية أحمد الكوفحي "تعجبه" من قرار اللجنة في منح الموافقة عقب اجتماعات متتالية بينها وبين هيئة عمل التنسيق البيئي، التي تندرج ضمنها الجمعية في التأكيد على رفض المضي قدما في المشروع، مؤكدا أن المنظمات البيئية ليست ضد انشاء المشروع، لكنها تحرص على ان يتخذ القرار المناسب للحيلولة دون حدوث أي ضرر بيئي مستقبلا عند السير قدما فيه، وبما يتماشى مع القوانين السارية.
وكان وافق المجلس سابقا على استعمال الأرض الحرجية رقم 21 من الحوض 2 من أراضى قرية عرجان، وكذلك القطعتين الحرجيتين رقم 10 و 28 من الحوض رقم 3، وبمساحة 981 دونما على أن تبقى قطع الاراضي المسجلة باسم الخزينة، بمثابة حراج وإقامة الأبنية على 45 دونما من القطعة الحرجية رقم 21.
هذه الموافقة جاءت برغم اعتراض وزارة الزراعة على قطع الاشجار، حيث اشار كتاب ارسلته مديرية الحراج الى وزير الزراعة الى عدم السماح بإقامة المباني على الاراضي الحرجية لان الموافقة تتطلب ازالة اعداد هائلة من الاشجار المعمرة.
وجاء في الكتاب ذاته، أن الموافقة تعتبر مخالفة لقانون الزراعة والسياسة العامة لإقامة المشاريع ذات النفع العام وقرارات مجلس الوزراء، نظرا لأن كثافة الاشجار التي تنمو على القطع الحرجية بكثافة عالية تتراوح بين
80 % - 90 % وهذا يتعارض مع قانون الزراعة المعمول به.
وتعود بدايات الموضوع الى العام 2007 حيث وافق وزير الزراعة آنذاك مصطفى قرنفلة على السماح بإقامة معسكر في تلك المنطقة، شريطة عدم ازالة اية شجرة حرجية واقعة في المنطقة، وتحت اشراف موظفي حراج مديرية زراعة عجلون، وان تبقى الاراضي مسجلة باسم الخزينة تحت وصف حراج.
وتم التأكيد في اجتماع سابق للجان النيابية على أن المطالبة بالوقف المبدئي للمشروع، لا تعني الغاءه، لما له من أهمية استراتيجية ومردود اقتصادي واجتماعي للمجتمعات المحلية المحيطة، بالرغم من تضارب المشروع المزمع إقامته مع المادتين 28 و35 من قانون الحراج المعمول به.
وقررت اللجنة المشتركة مطالبة الجهات المختصة بتزويد مجلس النواب بجميع البيانات المتعلقة بالمشروع، وبخاصة خرائط المواقع والخرائط الجغرافية للأراضي المزمع إقامة المشروع عليها، اذ يقول وزير زراعة سابق رفض الكشف عن اسمه "إن هناك أمرا يدعو للاستغراب وهو لماذا لا نوجه خريطة للمستثمرين نحو المناطق الصحراوية لإحيائها، او حتى في محافظة عجلون وجرش ومادبا وناعور عند المحاجر والاراضى الجرداء".
واضاف "ان اختيار منطقة برقش، إحدى الغابات المعدودة على أصابع اليد في البلد، وتضم حوالي مليوني شجرة قديمة من السنديان والبلوط والبطم والزعرور، أمر يثير الاستغراب جدا".
وأشار الى ان هذه الغابة تضم مغارة تضاهي بجمالها مغارة جعيتا في لبنان، وهي تكوين جيولوجي طبيعي يعود للعصر الاكرياتيسي 35-40 مليون سنة، وتتكون من عدة مغارات ودهاليز متصلة ببعضها، وتقع دون مستوى سطح الأرض بين 20 - 30 مترا. وتقدر مساحتها بين 3 - 4 آلاف متر مربع.
ويحظر القانون قطع الأشجار الحرجية المعمرة أو النادرة والنباتات البرية المهددة بالانقراض أو إتلافها أو الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال.
ويشار الى ان محافظة عجلون تمتاز انها الأولى من حيث المساحات المغطاة بالثروة الحرجية وبمساحة 142 ألف دونم، بما يساوي ثلث المساحة المحافظة والأشجار المثمرة، والتي تغطي ثلثا آخر من المحافظة تقريبا، وأن مساحة الغابات الحرجية في محافظة عجلون تشكل 34% من مساحة المحافظة البالغة 419 ألف دونما.
وكان وزير الزراعة المهندس سمير الحباشنة رفض أول من أمس طلبا تقدمت به الشركة المنفذة لمشروع جر مياه الديسي على طريق المطار بواقع 400 شجرة حرجية، مطالبا الشركة بإزاحة خط الانابيب نحو 12 مترا عن الاشجار الحرجية.
ويعد التنوع النباتي والحيواني في المنطقة غنياً، بحيث تصل كثافة الغطاء النباتي إلى
90 %، فيما يزيد عدد انوع النباتات على 100 نوع نباتي منها 13 % نادر، و 4 % مهدد بالانقراض، و13 % ذات أهمية طبية، الى جانب أنواع حيوانية كالثدييات والطيور المقيمة والمهاجرة.
وتعد بعض الأنواع النباتية والحيوانية الموجودة في المنطقة، مهددة إما على المستوى الوطني أو على المستوى العالمي، وبالتالي بحاجه إلى حماية دائمة.

[email protected]
[email protected]

أضف تعليقك