تدمير البيئة سلاح اسرائيل الامضى لاقتلاع الفلسطينيين، "خربة الطويّل" مثالاً

الرابط المختصر

نابلس - همسه التاية - مضمون جديد

في كانون الثاني/يناير الماضي تسلم باسم بني جابر من قرية خربة الطويّل جنوب شرق نابلس، اخطارا من سلطات الاحتلال الاسرائيلية بهدم منزله الذي يقيم فيه مع اسرته المؤلفة من 13 فردا.

كانت اسرائيل قد هدمت منزله ثلاث مرات في السابق، وكان في كل مرة يعيد بناءه بمساعدة اهل القرية.

ومن حين الى اخر كان الهدم يطال منزل جار له هنا او هناك في القرية، وايضا يتعاون الجميع في اعادة البناء.

لكن هذه المرة كان الامر مختلفا، فقد تسلمت كل منازل القرية الثمانية عشر التي تؤوي 150 شخصا، اخطارات مماثلة.

وعلى ما اتضح، فقد قررت اسرائيل تنفيذ الفصل الاخير من مخططها الهادف الى ازالة القرية نهائيا عن الوجود.

نعمة لنقمة

منذ احتلالها عام 1967، كانت خربة الطويل في صلب اطماع اسرائيل، بسبب التنوع الفريد في بيئتها النباتية والحيوانية ووفرة مياهها الجوفية، الى جانب موقعها الاستراتيجي الذي يتصل بالاغوار.

وتمتاز الخربة بكونها موطنا لحيوانات برية كالغزلان والنيص والوبر وغيرها، وكذلك طيور الشنار واللقلق والفر والصقر والبلبل والهدهد والحمام الرقطي والزريقي والدويري.

كما انها غنية بعشرات الانواع من النباتات كالعكوب والزعتر والخرفيش والسدر والحميضة واللوف والاقحوان والسلك والسبانخ والخبيزة والبابونج والعلك والسنارية.

وكذلك تكثر فيها اشجار الخروب والبلوط والعناب والسنديان، اضافة الى شجر الاراك "السواك" النادر في فلسطين.

وكان من شأن هذا التنوع الحيوي ان يوفر لاهالي القرية الذين يعمل معظمهم في تربية الماشية، مراعي خصبة لأكثر من 20 الف رأس يملكونها وبات يطلق على قريتهم بفضلها اسم "سلة اجبان فلسطين".

ولتهجير اهل القرية تمهيدا للسيطرة عليها، انتهجت اسرائيل سياسة تدمير بيئتها التي تشكل مصدر رزقهم، من خلال قطع تواصلها الضروري لحيواناتها، عبر مصادرة مساحات واسعة منها لاقامة ميادين المناورات والقواعد العسكرية والمستوطنات.

وما لم تصادره، اعلنت معظمه مناطق مغلقة يمنع الاهالي من دخولها، واختارت تحديدا الاراضي الزراعية التي بات يتهددها التصحر.

وفي المحصلة، لم يتبق للقرية من اصل 144 الف دونم سوى 10 الاف تفتقر مزروعاتها لمقومات الديمومة خصوصا بعدما ردمت اسرائيل ابار مياهها.

صرخة معاناة

بعدما بلغ الامر حد خطر الاقتلاع النهائي من الارض مع اخطار كافة منازل القرية بالهدم، قرر الاهالي تنفيذ اضراب عن الطعام ليوم واحد بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير الماضي، وذلك كصرخة تهدف الى لفت انتباه العالم الى معاناتهم.

ويروى باسم بني جابر بعض فصول هذه المعاناة قائلا ان "اسرائيل حاربت النمو السكان في خربة الطويل ومنعت التوسع في البناء ولو بنصب خيمة واحدة بحجة ان هذا يشكل خطرا على امنها".

ويتطلب البناء في القرية موافقة اسرائيل بحكم انها تقع ضمن منطقة "جيم" الخاضعة اداريا لها وفق اتفاقات اوسلو للسلام مع الفلسطينيين.

وقال بني جابر "منعنا الجيش الاسرائيلي من دخول اراضينا الزراعية، واكثر من مرة تعرضت محاصيلنا للتدمير والتخريب بفعل المناورات العسكرية واطلاق النار المستمر".

واضاف "كثيرا ما كان الجيش يفرض غرامات علينا بسبب تواجدنا في الاراضي الزراعية بحجة انها منطقة مغلقة عسكريا".

وتبلغ قيمة الغرامة التي تفرض على من يدخل ارضه التي يعلنها الجيش منطقة مغلقة، نحو خمسة الاف شيكل (1535 دولارا تقريبا)، هذا اضافة الى مصادرة الالية التي يتم ضبطها معه سواء كانت جرارا زراعيا او سيارة نقل.

ومن جانبهم، يؤدي المستوطنون دورا لا يقل خطورة عن دور الجيش في تدمير بيئة القرية ومزروعاتها، حيث يغيرون على المحاصيل باستمرار ويقتلعونها او يضرمون فيها النار، وفي احيان كثيرة يرشونها بالمبيدات السامة.

ولا تسلم الماشية كذلك من اعتداءاتهم التي يشنونها انطلاقا من مستوطناتهم العشر التي اقيمت على اراضي القرية.

ويقول سمير ابو الحية وهو من اهالي خربة الطويل ان المستوطنين احرقوا 17 راسا من اغنامه دفعة واحدة في شباط/فبراير الماضي.

ويتعمد المستوطنون ملاحقة الرعاة والاعتداء عليهم وسرقة ماشيتهم بشكل مستمر، ما جعل تربية الماشية امرا محفوفا بالمخاطر على الدوام.

جنة تتصحر

من جهته، يؤكد الباحث والمهندس الزراعي رائد موقدي من مركز ابحاث الاراضي الفلسطينية، ان "التدريبات العسكرية التي يجريها الجيش الاسرائيلي على اراضي خربة الطويل تقضي على تركيبة غطائها النباتي".

واشار كذلك الى ان سياسة الجيش الاسرائيلي القائمة على اقتلاع الاشجار وتجريف مساحات شاسعة من الاراضي جعلت المنطقة "اقرب الى التصحر منها الى زراعية منتجة".

واضاف ان "المراعي المتاحة لماشية الاهالي اصبحت ضئيلة في ظل تحويل مناطق واسعة من اراضي القرية الى مناطق عسكرية مغلقة".

وقال موقدي ان اسرائيل تهدف من هذه الممارسات الى "الاستيلاء على المنطقة المهمة استراتيجيا والتي تعد من اخصب المناطق الزراعية في فلسطين بهدف توسيع المستوطنات الزراعية التي تملك وسائل واساليب زراعية حديثة ومتطورة".

وفي ما يشبه التحذير من خطورة تغيير المستوطنين لنمط التنوع النباتي التاريخي في المنطقة، فقد لفت موقدي الى اقامة المستوطنين "مركز ابحاث زراعية على الاراضي التي تمت مصادرتها من اهالي القرية، الهدف منه زراعة اصناف ومحاصيل حقلية مهجنة ومعدلة وراثيا كالبطيخ واشجار الليمون والزينة".

واضاف ان المستوطنين يسعون الى "تسويق هذه المنتجات المهجنة داخل الخط الاخضر وأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية".

وتمنح اسرائيل امتيازات خاصة للمستوطنات الزراعية تفوق امتيازات المستوطنات الاخرى، حيث يتم منحها تسهيلات في ملكية الأراضي والحصول على المياه مجانا ونقل البضائع والتسويق الزراعي.

من جهة اخرى، قال موقدي ان اسرائيل "عمدت الى تجفيف الآبار الفلسطينية في المنطقة ومنع الفلسطينيين من استغلالها، اضافة الى منعهم من حفر أي بئر ارتوازي في الاغوار بشكل عام".

وتمتاز الخربة بوفرة المياه الجوفية كونها تقع على الحوض المائي لنهر الأردن.
وبحسب موقدي فقد اصبح "حق التنقيب عن المياه حصرا لشركة المياه الاسرائيلية مكوروت، التي تصادر معظم مياه الأغوار وتحولها الى المستوطنات للاستفادة منها ".

وتقوم مكوروت بتشغيل 28 محطة سحب مياه في الاغوار يتم تخصيصها كلها للاستعمال الحصري من قبل المستوطنات.

خطة مبرمجة

ويؤكد غسان دغلس المسؤول في السلطة الوطنية الفلسطينية المكلف ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية، أن "اسرائيل تعمل ضمن خطة مبرمجة لتهجير السكان" مطالبا "السلطة الوطنية بدعم صمود الاهالي من خلال توزيع راتب شهري على عائلات الخربة وشق الطرق الزراعية ودعمهم بالبذور والمزروعات والاعلاف".

واضاف ان "صمود الاهالي وتواجدهم على ارضهم يشكل حجر عثرة امام الامتداد الاستيطاني لذلك تستخدم اسرائيل اساليب عدة لتهجير السكان ومنها تحويل الارض الزراعية لساحة مناورات تدريب عسكري".

بدوره قال فايز مسلماني نائب مدير مديرية الزراعة في محافظة نابلس أن الوزارة "تدعم أهالي خربة الطويل من خلال توزيع الاعلاف واقامة مشاريع لاستصلاح الاراضي التي يقوم المستوطنون باطلاق العنان للخيل لتدميرها اضافة الى مشاريع آبار المياه التي تم هدمها ومشروع توزيع الخيام الذي تم تدميرها بعد نصبها ".

وطالب مسلماني "صناع القرار في السلطة الوطنية الفلسطينية بتعزيز صمود المزارعين كافة في خربة الطويل من خلال توفير مشاريع البنية التحتية وحفر الآبار الارتوازية وعمل عيادات بيطرية لخدمة المزارعين".

لكن في ضوء الوقائع، فانه يخشى ان تكون هذه المساعدات والدعوات قد جاءت متاخرة، حيث ان اسرائيل قطعت شوطا طويلا وبات مخططها لخربة الطويل في مراحله الاخيرة.

على ان هناك عشرات القرى الفلسطينية التي ربما لم يفت اوان التدخل لمحاولة انقاذها من المصير الذي تريد اسرائيل ايصالها اليه، وهو تفريغها من اهلها باساليب تتماثل الى حد التطابق في كثير من الاحيان مع ما جرى ويجري في خربة الطويل.

أضف تعليقك