بيوت الأردنيين تَحِنُّ إلى الأغصان والأوراق الخضراء

الرابط المختصر

عمّان – رائد رمان - مضمون جديد

يكفي للمراقب أن يجول بين البيوت والشوارع ليلاحظ مدى النقص والضعف في الحدائق المنزلية والمساحات الخضراء، خاصة بعد التوسع في بناء الشقق السكنية والطابقية على حساب البيت الخاص، التي تحرم ساكنيها من التمتع بحديقة منزلية خاصة.

القوانين البلدية للعمران أغفلت سواء في العاصمة أو البلديات الأخرى اشتراطات الزراعة حول المنازل والعمارات، فيما لا أحد يعلم ما إذا كانت هناك دراسات جادة تدفع بهذا الاتجاه.

لا أحد يمكنه تخيل الفوائد التي يجنيها الإنسان من الأشجار؛ فقد أثبتت الأبحاث أن الأشجار الورقية تقلل من شدة الأصوات بمقدار (22 ديسيبل)، إضافة إلى أنها تستطيع تخفيض درجات الحرارة في المنطقة من 2- 3 درجات مئوية كمعدل وسطي.

غصاب الطراونة مهندس ومصمم حدائق منزلية يلمس أهمية وجود حديقة لكل بيت وعائلة، يقول في تقرير أعد لـ"مضمون جديد" وتنشره "السبيل": إن للحدائق المنزلية وظائف بيئية كثيرة؛ مثل مقاومة عوامل التعرية والتلوث الجوي، وتخفيف حدة الوهج عن الأعين في الضوء الشديد، خاصة في فصل الصيف.

في الوقت نفسه، فإن للأشجار وظائف مناخية، فلها تأثير ملحوظ على المناخ المحلي؛ لأنها تعمل على الحماية من الرياح والأمطار ولفحات الشمس القوية، وتمتص غاز ثاني أوكسيد الكربون، وتنتج الأكسجين، فيتحسن بذلك الجو.

ويضيف أنها تعمل على تلطيف الجو وتنظيم حرارته وزيادة رطوبته في الأماكن الجافة، وتبعث بالظلال؛ فهي تزيد من نسبة الرطوبة بنسبة 3 في المئة، كما أنها ترشح الهواء من الأتربة العالقة والغازات الضارة، إضافة أنها تعطي منظرا جذابا ينعكس على الموقع وتلبي حاجة الإنسان الترفيهية والترويحية.

ينصح الطراونة بزرع أنواع معينة من النباتات والأشجار يطلق عليها "نباتات الندرة المائية"؛ أي التي لا تحتاج إلى مياه كثيرة ووفيرة من أجل سقايتها، ومنها النباتات العطرية مثل إكليل الجبل العطري، والياسمين، والجوري، والريحان، في الحديقة الأمامية.
أما الحديقة الخلفية -كما صنفها الطراونة- فليزمها زراعة أشجار مثمرة كالزيتون والليمون والتين والعنب وغيرها.

ينهي الطراونة كلامه بالإشارة إلى دراسة قامت بها وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" مفادها أنه تم وضع مجموعة من النباتات والأزهار في غرفة مغلقة ومحكمة، وتم ضخ غازات سامة داخل الغرفة، فثبت أن النباتات والأزهار قامت بامتصاص جميع الغازات السامة، وهو مؤشر على أهمية النباتات ووجودها على صحة الإنسان.

أحمد برقان صاحب مشتل لبيع الأشجار ونباتات الزينة، يجد متعته في جلوسه ومنامه داخل مشتله وبين أشجاره الخضراء وأزهاره زاهية الألوان.
برقان يبيع الأشجار المثمرة في مشتله كشجرة الليمون والبرتقال والعنب والمشمش، إضافة الى أزهار الياسمين والنرجس والجوري والسوسنة وغيرها.

يقول لـ "مضمون جديد": إن الإقبال على شراء الأشجار المثمرة وأزهار الزينة ضعيف، عازيا ذلك إلى أن المواطنين لا يجدون وقتا للنظر لهذه الأوراق الخضراء والملونة، وليتهم يلقون نظرة، فهي كفيلة بإراحة نفوسهم المتعبة من كثرة الهموم والمشاكل، هكذا يظن برقان.

ويبلغ متوسط بيع محل برقان من الأشجار والأزهار 10 شتلات في اليوم، وهذا يؤشر على قلة الاهتمام بتصميم الحدائق المنزلية.

المفارقة أن سعر وجبة شاورما واحدة تكفي لشراء ست شتلات، يمكنها أن تعيد الحياة للصناديق الإسمنتية التي يعيش فيها المواطنون، وسعر علبة سجائر واحدة من أرخص الأنواع تكفي لشراء أربع شتلات.
الأردنيون "حكومة وشعبا" غير معنيين بالأشجار

يقول برقان إن أكثر الزبائن يشترون ويفضلون نباتات الزينة الصغيرة على الأشجار المثمرة الكبيرة، وذلك لعدم امتلاكهم بيوتا خاصة بهم، خاصة أن معظمهم يسكنون في شقق طابقية، لهذا يكتفون بأزهار الزينة ليضعوها على الشبابيك والشرفات.

ويشعر برقان بأهمية اقتناء المواطنين الأشجار مهما ضاقت مساحات البيت، يقول: "مكاسب الأشجار كثيرة، مقابل مكاسبها المادية المتدنية والبسيطة التي تصل إلى ربع دينار فقط في أي نوع من أنواع نباتات الزينة".
علم النفس له رأيه أيضا

ولعلم النفس رأيه في هذا الموضوع، فالحديقة بأشجارها وألوانها رابط قوي بين الإنسان ومحيطه؛ لأنه بحاجة إلى وجود مكان تهدأ فيه نفسه، وتطمئن إليه أحاسيسه ووجدانه، ويستريح فيه ويأنس بجماله، ويعوضه الكثير من عناء ومشقة عمله، خاصة أن فيها علاجا لأمراض الضوضاء والصخب والأصوات المزعجة، وهي ملاذ للسكينة والإسترخاء.

أستاذ علم النفس والاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية حسين الخزاعي يشير لـ"مضمون جديد" إلى أن دراسة بحثية عن خلايا شبكية العين وعلاقتها بالألوان وجدت أن 80 في المئة من خلايا الشبكة مختصة لاستقبال اللون الأخضر، مقابل 20 في المئة لباقي الألوان.

هذا يفسر الراحة النفسية والإشباع البصري الذي يسببه التعرض للون الأخضر، ويؤكد أن الأشجار الخضراء تساعد على خفض ضغط الدم، وإراحة الأعصاب، والانطلاق والأمل، فتأمل الشجرة يعطي الأمل بالتغيير كما الشجرة نفسها تتغير، من حيث إيراقها وإزهارها وإثمارها.

وإذا كان لديك مريض تعرض لعملية جراحية ورغبت في شفائه بأسرع وقت فاحجز له غرفة في المستشفى تطل نافذتها على حديقة المستشفى، هذا ما أكدته دراسة علمية بحسب الخزاعي.
ينصح الطلاب على مقاعد الدراسة بأن تكون غرفهم في البيت مطلة على مساحات خضراء؛ لأنها تساعد على الإبداع والتفكر والانطلاق والترويح عن النفس إذا ملت من ساعات الدراسة والبحث.
بعد المعادلات الرياضية أوراق خضراء وأغصان

ولا يتعجب أحد إذا علم أن هناك جامعات عالمية تعرض أفلاما وثائقية عن النباتات والأشجار بعد كل محاضرة مختصة في علم الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء، وذلك لتغيير جو ومزاج الطلاب لمساعدتهم على الاستيعاب والفهم.

ولا ينسى الخزاعي أن يشير إلى أن الحديقة المنزلية متنفس العائلة بعد يوم من العمل والجهد والضغط، ففيها الخصوصية والهدوء والجمال والفن من حيث التناسق والتناسب والاتزان في التصميم والتنسيق، وهذا كله يساعد على الاسترخاء والراحة.

يشار إلى أن إنتاج الأردن من الأزهار يصل إلى 50 مليون زهرة سنويا وفق إحصاءات جمعية منتجي الأزهار، فيما يصل عدد الأشجار المثمرة وأشجار الزينة إلى 68 مليون شجرة في أنحاء المملكة كافة، حسب دائرة الإحصاءات العامة.

يعتبر هذا قليلا وضعيفا أمام ما تقوم به الدول المتقدمة من زيادة المساحات الخضراء، فهل تتخيل أن طائرة حربية تلقي ورودا وأزهارا وأشجارا بدلا من إلقاء القنابل والصواريخ؟ ماذا لو أصبح هذا حقيقة وواقعا؟

في الحقيقة هذا ما حدث بالفعل، بعد أن تبنت شركة لوكهيد مارتن عملاقة الصناعات العسكرية الأمريكية هذه التكنولوجيا وبدأت في تنفيذها بالفعل على أرض الواقع.

الطيار جاك والتر كان صاحب هذا الاقترح منذ 37 عاماَ، الفكرة ببساطة أن القنابل الملقاة تحتوي على كبسولات خاصة تحوي كل كبسولة منها على شتلة شجرة أو زهرة، والطائرة قادرة على إلقاء 900 ألف كبسولة في اليوم الواحد، أي زرع 900,000 ألف شجرة وزهرة يوميا.

هناك من حَوَّلَ طائراته الحربية إلى "تراكتور"؛ لشعوره بأهمية المساحات الخضراء في بلاده، وهناك من يريد أن ينشئ وسط الأحراش والغابات مباني أو منشآت سياحية. في بلادنا تحديدا، تعمل التكنولوجا والتقدم العمراني على مسار مختلف، نحن نقصف بالإسمنت مئات الكيلومترات الزراعية بحجة وبغير حجة، وكأن ما بين يدينا من أنماط حياة هي عبارة عن كبسولات لقطع الحياة عن كل ما هو أخضر حولنا.

وفيما إذا كان للحديقة المنزلية فائدة من ناحية غذائية، أكد خبير التغذية محمد الكسواني لـ"مضمون جديد" أن المزروعات البيتية في الحديقة المنزلية أمثال الخضروات الورقية مفيدة للجسم؛ لاحتوائها على ألياف مضادة للمواد المسرطنة في كثير من الأطعمة الجاهزة، عدا عن باقي الأشجار المثمرة المختلفة.

ويشير إلى أن أهم فائدة للحديقة المنزلية؛ وهي أنها تحافظ على نضارة الفواكه والخضراوات المزروعة فيها، كما تفيد في الحفاظ على الفيتامينات عند قطفها عن الشجرة مباشرة، لافتا إلى أنها منذ قطفها في المزارع وتحميلها وتنزيلها إلى أن تباع تفقد كثيرا من فوائدها بفعل الخدوش والتلف.
للطفل نصيب من الحدائق المنزلية

وللطفل نصيبه من وجود حديقة منزلية في بيته؛ فهو يتعرف سريعا على المجموعات الغذائية المتكاملة والمفيدة لصحته ونموه، كما أنها حافز لاكتساب عادات صحية في التغذية، وترغيبه في تناول الخضار والفواكه بدلا من مواد غذائية مصنعة وغير صحية، يتابع خبير التغذية محمد الكسواني.

ويصف باحثون من جامعة يوتاه في سولت ليك بالولايات المتحدة أكل منتجات نباتية من خضار وفواكه مصدرها حصاد زراعة حدائق المنازل بالسلوك الصحي، وذلك بعد أن تبين لهم أن الأسر التي يتناول أفرادها في غالب الأيام إنتاجاً منزلياً من الخضار والفواكه، هم الأكثر اتباعا للنصائح الطبية.

ويرى الكسواني أن نمط الأكل له دور أساس في تفشي أمراض تمس الصحة، في إشارة منه إلى السرطان والسمنة وأمراض القلب وغيرها من الأمراض، ولذلك فإن تلمس أفضل السبل لتحسين نوعية الأكل ونمطه هو أمر حيوي، واستطرد بأن رفع مستوى الزراعة المنزلية من خلال الحديقة المنزلية قد يُسهم في تحسين نوعية الأكل لدى الناس.

أضف تعليقك