الهواتف القاتلة
رائد رمان
قد لا يجد المار بقرب نايف عطا ما يقوله وهو يسمعه يصرخ في "وجه" هاتفه المفتوح على السماعات الخارجية.
قد يخطر في خاطر هذا المار، السؤال: لم لا يستر نفسه ويتحدث بالسماعات الداخلية للهاتف من دون كل هذه الضجة والفوضى، وكأن نايف عطا يريد أن يُسمع الدنيا الحوار الذي يدور بينه وبين زوجته، أو زبائنه، أو أبنائه.
لا يمكن أن يعذره أحد ويقول: ربما الرجل مصاب بداء لا يستطيع معه التحدث بواسطة السماعات الداخلية، أو ان طول حديثه على الهاتف الجوال بحكم عمله في مهنة المقاولات أصابه بأمراض، وان الطبيب أمره بأن يفعل ذلك ان كان يريد النجاة بدماغه من الاحتراق.
في الحقيقة هذا تماما ما وقع لعطا. الذي نجده اليوم يبحث عن ركن قصي يخفي فيه الحوار الذي سيضطر ان يجريه مع احدهم، بعيدا عن سمع المجاورين له.
يقول نايف: "سبب ذلك معاناته الحادة في أذنه نتيجة استعماله الطويل الهاتف المحمول"، مشيرا إلى انه "سرعان ما يشعر بالألم بعيد ثوان من وضع الهاتف على أذنه".
"أنت طبيب نفسك" بحسب قوله، معتقدا –والعهدة على تجاربه الشخصية- ان ذلك ناتج عن الموجات الكهرومغناطيسية التي تصدر عن الهاتف النقال، وهذا ما علمه مؤخرا من الدراسات العلمية التي تؤكد ذلك، وفق قوله.
يرغب عطا أن يتقدم بنصيحة من خلال تجربته مع الهاتف المحمول، اذ يقول ناصحا كل من يتحدث ويجري مكالمات من خلال سماعة الآذن الهاتفية أن يبدأ الانتقال واستخدام السماعة الخارجية "السبيكر" عند الحديث، وذلك لما لسماعة الأذن او الاستخدام المباشر للهاتف الخلوي من أوجاع والآم تصيب الأذن، قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، حسب تعبيره.
وما زال التلوث الكهرومغناطيسي يثير جدلا علميا وعالميا حول مخاطره، فهناك الكثير من الدراسات تؤكد أن مخاطر التلوث الكهرومغناطيسي مبالغ فيها، رغم وجود أبحاث ودراسات حديثة تؤكد بشكل قاطع أننا نعيش في عالم ملوث كهرومغناطيسيا.
ومن أهم هذه الدراسات، دراسة مشتركة أعدها معهد بحوث السرطان البريطاني والعهد القومي الأمريكي للسرطان، إضافة إلى معهد "كارولينسكاي" السويدي، خلصت كلها إلى وجود خطورة كبيرة على صحة الإنسان الذي يتعرض للأمواج الكهرومغناطيسية.
بينت الدراسة قدرة التلوث الكهرومغناطيسي على إحداث تكسر في الحمض النووي (DNA) لدى الأطفال وما ينجم عن ذلك من تدمير لخلايا الجسم وهذا بحد ذاته يؤدي إلى حدوث مجموعة كبيرة من الأمراض، من أهمها السرطان وخصوصا سرطان الدم.
فيما يرى العلماء أن التلوث الكهرومغناطيسي ناتج عن الموجات الكهرومغناطيسية الناجمة عن تشغيل عدد لا محدود من محطات الإذاعة والتلفاز وشبكات الضغط العالي، إضافة إلى مصادر أخرى مثل أجهزة اللحام بالكهرباء والأوكسجين والموتورات الكهربائية التي تدار بها بعض الأجهزة المنزلية كالثلاجات والمكيفات والغسالات والمراوح ومجفف الشعر، وكذلك أجهزة الفيديو والحاسوب والتلفزيون والريموت كنترول والهاتف والساعات المنبهة، بالإضافة إلى شبكات الميكرويف التي تستخدم في الاتصالات اللاسلكية.
ربة البيت وفاء عزام تخشى أن يكون سبب إصابة ابنها ذي الاعوام الـ3 بمرض سرطان الدم هو تعرضه لإحدى الأجهزة الكهربائية بالبيت التي تعتبر سببا في ظهور هذا المرض. هذا ما تشير إليه عزام بعد اطلاعها على مسببات هذا المرض وفق الدراسات والبحوث العلمية الحديثة.
وتنفي عزام لمشروع مضمون جديد أن يكون أحد أفراد عائلتها أو عائلة زوجها أصيب بهذا المرض، فيكون قد انتقل إلى ابنها بالوراثة، فهي فيما يبدو ترجع السبب في مرض ابنها إلى إحدى الالآت الكهربائية الموجودة في بيتها، بناء على ما قاله العلم الحديث، حيث تتساءل هل هو "الميكروييف" أو "الخلوي" أو "الكمبيوتر" أو "المكيف" أو "الريموت كنترول".
عزام لا تعرف مَن من هذه الالآت الموجودة في بيتها كان السبب في إصابة ابنها بمرض سرطان الدم، لكنها تدعو في الوقت نفسه الأمهات والآباء إلى الحذر وابعاد الأطفال الصغار عن هذه الأجهزة الكهربائية داخل البيت وخارجه زيادة في الحذر والوقاية.
إن الموجات والمجالات الكهرومغناطيسية التي تنطلق من الالآت الكهربائية تملأ الجو المحيط بنا، ولو كان بمقدورنا أن نرى هذه الموجات والمجالات لرأيناها تتشابك حولنا وتبدو على هيئة ضبابية.
ومما لا شك فيه أن الأمواج الكهرومغناطيسية تمتلك القدرة على إحداث أضرار بالغة على صحة من يتعرض لها، ويعتمد مقدار هذا الضرر على عدة عوامل، من أهمها مدى قوة هذه الأمواج الكهرومغناطيسية، والمسافة التي تفصلنا عن مصدر هذه الأمواج وأيضا طبيعة جسم الإنسان الذي يتعرض لها والعمر والوزن والاستعدادات الوراثية للأمراض.
من جهته، قال الخبير في الأجهزة الكهرومغناطيسية الدكتور هاني عبيد لـ"مضمون جديد" إن أهم الأمراض والتأثيرات الصحية التي قد تصيب الإنسان عند التعرض لتلك الملوثات الكهرومغناطيسية الشعور العام بالإرهاق والتعب والخمول والكسل وعدم الرغبة في العمل، واضطراب وظائف الدماغ وعدم التركيز الصحيح وتدمير البناء الكيميائي لخلايا الجسم.
وأضاف أنه من الممكن لهذه الأمراض أن تعمل على تشويه الأجنة والتسبب في حدوث بعض أنواع السرطانات ومن أهمها سرطان الثدي وسرطان الدم، وازدياد احتمالية حدوث بعض أمراض القلب، وتعطيل بعض وظائف الخلايا في الجسم واضطراب وتشوه الرؤية واضطراب معدلات الكالسيوم في الجسم والشرود الذهني والهذيان، منوها إلى أنه يميل شخصيا إلى القول إنه من المبكر الجزم بهذه الدراسات مفضلا اعتبارها "نتائج مترافقة"، حسب تعبيره.
وأوضح أن كثيرا من دول العالم المتقدمة اتخذت إجراءات صارمة للحد من مخاطر التلوث الكهرومغناطيسي، ومن أهم تلك الاجراءات منع تمديد أسلاك الجهد الكهربائي العالي في المناطق السكنية أو بالقرب منها، أو دفنها في باطن الأرض مع استخدام مواد فائقة العزل مع وضع إشارات تحذيرية مناسبة.
وأشار إلى أن بعض الدول وضعت مسافة الحرم الصحي التي يجب التقيد بها، وهي تتراوح ما بين 20 مترا إلى 100 متر وتعتمد بالدرجة الأولى على مقدار "الفولتية" الكهربائية المارة في تلك الأسلاك والكوابل والأبراج ومحولات الطاقة، كما تعتمد على طبيعة المناخ في تلك المنطقة.
وأوضح عبيد أن مظاهر التقدم التقني الذي حققته البشرية في العصر الحديث، ككثرة الأجهزة الكهربائية التي تستخدم في المنازل والمؤسسات والمرافق الخدمية لأغراض عدة كالطهو والإنارة والتبريد والتدفئة والنظافة والحياكة والتصوير والنسخ والعلاج والاتصال.
وقال رغم الدور الإيجابي الذي لعبته تلك التقنية في خدمة الإنسان في مختلف جوانب حياته إلا أن هذه الأجهزة صارت مصدرا أساسيا من مصادر التلوث البيئي التي تهدد صحة الأحياء، وذلك لأن المجالات الكهرومغناطيسية التي تتولد عند تشغيل هذه الأجهزة تتفاعل مع الخلايا الحسية للإنسان وتلحق بها أضراراً ربما تصل إلى حد الإصابة بالسرطان.
واضاف أن الموجات الكهرومغناطيسية لها قدرة على الدخول لجسم الإنسان والتفاعل مع خلاياه وإحداث تغييرات بيولوجية فيها بشكل قد ينتج عنه خللا واضطراباً في أداء أجهزة الجسم المختلفة وخصوصا الجهاز الدوري والجهاز التناسلي والمخ والأعصاب.
وأوضح أن عددا كبيرا من العلماء اعتبروا أن الاقتراب طويلا من مجال الكهرباء يسبب ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الدم وأورام المخ وإجهاض الحوامل، فيما ثبت أن الإنسان يصاب بضعف في بصره إذا عمل لفترات طويلة أمام شاشات العرض المختلفة.
وتحدث عبيد عن أن أجهزة الهاتف العادية والمحمولة تعتبر مصدراً محتملا للإصابة بالسرطان، فالشخص عندما يضع سماعة الهاتف على أذنه فإنه يعرض نفسه لمجال كهرومغناطيسي ذي تردد منخفض، ولكن إذا تعرضت الأذن لهذا المجال لوقت طويل، فإن أثر هذا المجال يزداد حدة، فيما أكد أن الإسراف في استعمال الهاتف له مضاعفات سيئة على الصحة تبدأ بالمتاعب في الجهاز العصبي والقلب والدورة الدموية، وقد تصل إلى حد العقم.
واعتبر أن المجالات المغناطيسية قد تؤثر على الوظائف البيوكيميائية التي تدور داخل الخلايا الحية، منوها إلى أن التعرض للمجال الكهرومغناطيسي يمكن أن يؤثر على سريان المواد الكيماوية عبر الأغشية ويتدخل في تركيب المادة الوراثية، ويغير أيضاً في نشاط الهرمونات والكيماويات ما قد يؤدي إلى تشوه الأجنة، أو إلى التخلف العقلي، فضلا عن حدوث اضطرابات في ضربات القلب واضطرابات في أنماط الأكل والتنفس والنوم، داعيا في الوقت ذاته إلى الحذر والتنبه.
أما بالنسبة للتدابير والإجراءات الوقائية من نتائج التلوث الكهرومغناطيسي، فلفت إلى أنها تدور في مجملها حول تقليل فترة التعرض لهذه المجالات ووضع العوازل التي تقلل من شدتها، إذ لا بد من الاحتفاظ بمسافة كافية بين الشخص وبين الأجهزة الكهربية، كما يتعين إطفاء الشاشة عند عدم استعمالها.
وبالنسبة لأجهزة التلفزيون ذات الشاشات الكبيرة، فإنه ينبغي للمشاهدين الجلوس بعيداً عنها بمقدار مترين على الأقل، أما بالنسبة لمجففات الشعر فيجب أن تكون المسافة بين الشخص الذي يستخدمها وبينها 6، ما يخفف المجال الكهرومغناطيسي بنسبة 75%.
وبخصوص الساعات المنبهة والساعة الكهربائية وآلات إجابة نداء الهاتف الآلية، شدد عبيد على أنه يجب أن تكون بعيدة عن سرير النوم بما لا يقل عن 1.5 متر، بينما يجب استخدام عوازل لحجب المجال الكهرومغناطيسي المتولد عن الكابلات الكهربائية أو تخفيفه، فيما يفضل أن تكون غرفة النوم خالية من أي ملوثات كهرومغناطيسية بحيث تكون هذه في غرفة جلوس وغرفة النوم مصممة بيئيا بحيث تكون خالية من المؤثرات والملوثات لتحصل على نوم هادئ وحياة سليمة.
*اعد هذا التقرير بالتعاون مع مشروع مضمون جديد.
إستمع الآن