النفايات الإلكترونية خطر مخفي يهدد البيئة .. الهواتف المحمولة والأجهزة الكهربائية مثالا

تحقيق: عبير هشام ابو طوق

حصل هذا التحقيق على جائزة خاصة من قبل لجنة التحكيم في مسابقة “جائزة الاعلام البيئي”، في دورتها الثانية للعام 2010 والتي نظمتها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بالتعاون مع الشركة الوطنية العربية للسيارات (كيا موتورز)، وفي العام الذي سبقه، كنت قد حصلت على جائزة المركز الاول  في المسابقة ذاتها عن تحقيق بعنوان “تقطيع الغابات في الاردن .. جرش وعجلون نموذجا، تصرفات بشرية لا تابه للعقوبات القانونية!”، والتي كانت عبارة عن رحلة سفر لمدة اسبوع لمصانع سيارات كيا في العاصمة الكورية الجنوبية (سيؤول)، مع التنويه بأن هذا التحقيق ينشر للمرة الاولى في وسيلة اعلامية بعد فوزه بالجائزة.

لم يجد بائع الهواتف الخلوية (أحمد) وسيلة للتخلص من الأجهزة المستعملة المتراكمة في محله منذ سنوات إلا إلقائها في حاوية النفايات المتواجدة في منطقة القويسمة – شرق عمان – حيث يعمل.

والعشرة أجهزة التي وجدت في حاوية النفايات مكانا لها بسبب عدم صلاحيتها للاستخدام مرة أخرى، ما هي إلا كمية ضئيلة من الحجم الإجمالي للنفايات الإلكترونية والتي ستبلغ على المستوى المحلي في عام 2011 ما يقارب (139) طنا للأجهزة الخلوية والتي تعتبر نوع من أنواع النفايات الإلكترونية.

تعرف النفايات الإلكترونية بأنها : مصطلح يستخدم عالميا في تصنيف المعدات الإلكترونية التي وصلت إلى نهاية العمر الافتراضي للاستخدام.

وهذه النفايات الإلكترونية لا تقتصر على الأجهزة الخلوية التي انتهى عمرها الافتراضي، بل تشمل كذلك أجهزة الكمبيوتر، التلفاز، والتي من المتوقع أن يصل حجم النفايات فيها ما يقارب (1515) و (2634) طن لكل واحدة منهم على التوالي. وهذا الحجم المتولد من النفايات الإلكترونية ما هو إلا “الرأس الظاهر من قمة الجبل الجليدي” كما يصفها رئيس جمعية الأرض والإنسان المهندس زياد العلاونة.

نفايات تضر بالبيئة، لكنها مربحة!

وأثناء تتبعي لمصير بعض الأجهزة الإلكترونية والكهربائية التي يلقيها بائع الأجهزة الخلوية (أحمد) وغيره من التجار وحتى الأفراد ممن يقطنون في منطقة القويسمة، وجدت أن الأجهزة المستعملة يتم تجميعها من قبل تجار الخردة بهدف بيعها والاستفادة منها ماديا.

(محمد) البالغ من العمر 39 عاما واحد من تجار الخردة الذين التقيت بهم، حيث يجمع يوميا أنواعا متعددة من الخردوات كالحديد، الزجاج، إلى جانب الأجهزة الكهربائية والإلكترونية كالهواتف المحمولة والبطاريات وغيرها.

يقوم (محمد) بعد تجميع الخردة ببيعها لتجار آخرين، فهي تشكل مصدر رزق له لقوله “إنها مطلوبة بشكل كبير في السوق المحلي، وبالتالي فبيعها يوفر دخل مادي جيد بالنسبة لي”، أما الأجهزة الكهربائية والإلكترونية التي لا يشتريها التجار “لعدم جدواها من الناحية الاقتصادية” بحسب تعبير أحد تجار الخردة، فيقوم (محمد) بفصل الرصاص أو أية مواد كيمائية تحتوي عليها هذه الأجهزة وبيع كل واحدة منها على حدا.

وتلك الأجهزة التي لا تحتوي على رصاص بكميات كافية أو مواد أخرى قابلة للبيع يبين (محمد) أنه يتخلص منها في “المساحات الفارغة في منطقة القويسمة وما حولها”، لأن هذه المنطقة “تحتوي على أماكن صناعية غير مراقبة بيئيا من قبل الجهات المختصة، مما يعني توفر مساحات لطمر هذه الأجهزة سواء بعد حرقها أو إبقائها كما هي” بحسب (محمد) الذي يبرر ما يقوم به بقوله “لا يوجد مكان مرخص لنكب هذه النفايات فيه، أين سأتخلص منها؟”، كما يتساءل.

مكب “السواقة” للنفايات الخطرة

يتعارض مع الكلام السابق رئيس جمعية الأرض والإنسان المهندس زياد العلاونة الذي يؤكد أن “وزارة البيئة خصصت قطعة أرض في منطقة السواقة للتخلص من النفايات الإلكترونية والتي تعرف أيضا بالنفايات الخطرة”، ويتفق مع العلاونة مدير مديرية النفايات والمواد الخطرة في وزارة البيئة الدكتور محمد الخشاشنة الذي صرح بأنه “تم إنشاء مكب خاص للنفايات الخطرة بما فيها الإلكترونية في منطقة السواقة – شرق عمان”.

ويشرح الدكتور الخشاشنة آلية عمل مكب السواقة “يستقبل المكب النفايات الخطرة بجميع أنواعها: الكهربائية والإلكترونية من الشركات أو الأفراد الذين يريدون التخلص من هذه النفايات، وذلك مقابل مبلغ مالي يتراوح من (5 – 10) دنانير عن كل جهاز بناء على القيمة المادية الأصلية له عند شرائه”. ويتابع الخشاشنة “إن آلية تحديد هذه الأجور تمت بناء على المعايير العالمية المتبعة في تحديد أجور تخزين النفايات الخطرة”.

مكب للتخزين فقط وليس للتدوير

ويعمل مكب السواقة في الوقت الحاضر على تخزين النفايات الإلكترونية باعتبارها جزء من النفايات الخطرة التي يستقبلها المكب من الشركات والأفراد، لأن المشكلة التي تواجه هذا النوع من النفايات بحسب الدكتور الخشاشنة تتمثل “بعدم وجود نظام لتدويرها ومعالجتها، فالاهتمام على المستوى العالمي وحتى المحلي على حد سواء لا يزال حديث العهد في التعامل مع النفايات الإلكترونية تحديدا، لذا تجمع النفايات في المكب لحين تقدم شركات متخصصة لتدويرها والاستفادة منها مرة أخرى”.

“هوبيكه” وتجربة إعادة تدوير البطاريات

وبحسب مصدر مطلع في وزارة البيئة فقد قام مصنع (هوبيكه) للبطاريات وعبر فرعه الموجود في الأردن بشراء جميع أنواع البطاريات التالفة والمخزنة في مكب السواقة لإعادة تدويرها واستخدامها مرة أخرى، وتهدف هذه العملية بحسب أحد العاملين في مجال التدوير “للتخفيف من كمية النفايات التي يتم إلقائها في المكبات وحاويات النفايات وطمرها في الأماكن غير المخصصة لها، وبالتالي المحافظة على البيئة بكل مكوناتها نظيفة، وهذا له دور فعال في المحافظة على صحة الإنسان بحيث نضمن بإعادة التدوير نظافة الماء والتربة حيث يشرب الإنسان ويتناول طعامه”.

ويتابع “وبذلك نمنع إلى حد كبير تسمم التربة ومجاري المياه”، كما يفعل تاجر الخردة (محمد) عندما يطمر الأجهزة الخلوية ومخلفاتها غير الصالحة للاستخدام كالبطاريات وغيرها في المناطق الترابية والصناعية في منطقة القويسمة كما أشرنا سابقا.

خطر النفايات الإلكترونية .. ثلاثي

وبحسب أطباء وعاملين في القطاع الصحي فإن هذه الأجهزة وما تخلفه من مواد كيمائية “تحدث أضرار وخلل في نمو الخلايا، ونشوء أمراض في أجهزة الجسم كالقلب والأوعية الدموية والدماغ والكلى والجهاز العصبي”.

ولا يقتصر أثر هذه النفايات على صحة الإنسان بشكل مباشر فحسب، بل تتعداه إلى التأثير على البيئة بمكوناتها المياه، والمساحات الخضراء، وكذلك على الحيوان، وتلوث هذين العنصرين لهما أثر مباشر على صحة الإنسان.

وفي الكتيب الذي حمل عنوان “تدوير البطاريات لأجل البيئة” الذي أصدرته منظمة (بيئتنا) اللبنانية بين أن خطورة البطاريات على اعتبار أنها مثال للنفايات الإلكترونية تكمن في أن “غراما واحدا فقط من الزئبق الموجود في البطارية قادر على تلويث حوالي متر مربع واحد من بحيرة مياه، والزئبق داخل المياه قادر على أن يصل إلى السمك والدخول في السلسلة الغذائية”، وهذا ما يسبب “مشكلة كبيرة لأنه سهل الامتصاص عبر البشرة والأنسجة التنفسية والمعوية”، كما يمكنه أن يؤثر في “الدماغ والكبد والكلى مسببا اختلالات في النمو عند الأطفال وغالبا ما يكون الأطفال والأجنة في خطر كبير منه”.

لا مخالفات قانونية لملوثي البيئة!

ورغم أن قيام (أحمد) وغيره من تجار الخردة بإلقاء الأجهزة الإلكترونية التالفة في المكبات غير المخصصة لها أو طمرها بطريقة لا تراعي الشروط البيئية، إلا أن ذلك لا يعرضهم لعقوبة قانونية بحسب الدكتور محمد الخشاشنة الذي يبرر ذلك بقوله “يصعب السيطرة على المخالفين من الأفراد العاديين فالأمر مرتبط بالتوعية أكثر من المخالفة سواء المادية أو المعنوية”، لكنه يستدرك قائلا “في وزارة البيئة نقوم بمعاقبة الشركات التي تلقى نفاياتها الخطرة على اختلاف أنواعها بغرامات مادية ومعنوية تصل إلى حد إغلاق المنشأة، وهذا يعتمد على حجم وخطورة المواد الملقاة من النفايات في مكان غير مخصص له”.

الأجهزة الكهربائية .. نفايات خطرة ومعالجتها مكلفة ماديا

والأجهزة الإلكترونية التي يلقيها (أحمد) في الأماكن غير المخصصة لها ما هي إلا مثال للآلاف الأجهزة التي تعتبر من ضمن النفايات الخطرة، وبحسب الدراسة التي قدمها المهندس زياد العلاونة خلال إطلاق مشروع “تدوير النفايات الإلكترونية : لأجل بيئة أفضل” في منتصف شهر تشرين الثاني من العام الحالي فإن إحصائيات عام 2007 تشير إلى أن حجم النفايات الإلكترونية المتولدة في الأردن سنويا تصل إلى (1515) طن من أجهزة الهواتف النقالة،  (1252) طن من أجهزة الكمبيوتر،  (2435) طن من التلفزيونات، (9684) طنا من الثلاجات، (6635) طنا من الغسالات”.

مع العلم بأن تكلفة معالجة هذا النوع من النفايات لإعادة استخدامها مرة أخرى ليست قليلة، فهي مكلفة من الناحية الاقتصادية، إذ تبلغ كلفة معالجة هاتف محمول واحد بحسب المهندس العلاونة (134) يورو، و(770) يورو لأجهزة الكمبيوتر، أما كلفة معالجة ثلاجة أو غسالة واحدة فتصل إلى (175) يورو لكل واحدة منهما.

الهواتف المحمولة مثالا على النفايات الإلكترونية “الخطرة”

وفي أحدث إحصائية حكومية صدرت بخصوص أعداد مشتركي الهواتف المحمولة في المملكة، تبين وللمرة الأولى أنه تجاوز عدد السكان بحيث ازداد الرقم للمشتركين عن (6) مليون مشترك، علما بأن عدد السكان بنحو (5.96) مليون نسمة بحسب التعداد السكاني الذي أعدته دائرة الإحصاءات العامة في عام 2008.

وهذا الازدياد في أعداد مشتركي الهواتف المحمولة التي تتحول بعد عامين على الأكثر إلى “أجهزة تالفة” بسبب ظهور موديلات جديدة بحسب عاملين في قطاع استيراد الأجهزة الخلوية، ينذر بزيادة كمية النفايات الإلكترونية على المستوى المحلي من أجهزة الهواتف المحمولة وغيرها.

تشريعات تمنع استيراد الأجهزة الخلوية المستعملة، ولكن؟!

ورغم أن وزارة البيئة وعلى لسان أمينها العام المهندس فارس الجنيدي “منعت استيراد الأجهزة الإلكترونية المستعملة”، إلا أن عاملين في مجال استيراد الأجهزة الخلوية يصفون هذه التعليمات بأنها لا تعدو كونها “حبر على ورق”.

وفي هذا يقول (أحمد سليم) أحد التجار الذين يستوردون الهواتف المحمولة المستعملة من إحدى الدول العربية المجاورة “إن التعليمات لا تنفذ، وفي حال أجبرنا على تنفيذها بسلطة القانون فإننا سنموت من الجوع؛ لأننا نعيل عائلاتنا من تجارتنا في هذه الأجهزة المستعملة”.

توعية وتشريعات قانونية

يتفق كل من المهندس زياد العلاونة والدكتور محمد الخشاشنة على أن “وزارة البيئة لا تألوا جهدا في معالجة قضية النفايات الخطرة في الأردن وتحديدا الإلكترونية منها التي برز الاهتمام العالمي والمحلي بها مؤخرا، لكن المطلوب برأيهما هو “زيادة حجم التوعية الإعلامية بأضرار هذه النفايات وخاصة على البيئة”.

وبينما يستمر (أحمد) وغيره من تجار الخردة بحرق وطمر النفايات الإلكترونية وأجهزة الهواتف المحمولة والتخلص منها بطريقة غير آمنة من الناحية البيئية، لا يزال العمل مستمرا في وزارة البيئة من أجل صياغة تشريع قانوني ينظم ويوضح طريقة التعامل الأمثل مع النفايات الإلكترونية، علما بأن العام القادم سيشهد “إنشاء وحدات معالجة خاصة لهذه النفايات” بحسب الدكتور محمد الخشاشنة.

معلومات توضيحية – حقائق بالأرقام  :-

-         في عام 2004 أصبح نحو (315) مليون حاسوب شخصي مستهلكا.

-         في عام 2005 تم إنتاج (850) مليون هاتف نقال في العالم.

-    صرح الإتحاد الدولي لمشغلي الهواتف المحمولة أن عدد الاشتراكات في خطوط الهاتف المحمولة سيرتفع عالميا من (3.9) مليار عام 2008 إلى (5.6) مليار عام 2013.

-         بلغ عدد مشتركي الهواتف الخلوية في الدول العربية نحو (177) مليون مشترك في عام 2008.

-    كشف تقرير أعدته الجمعية العربية لمشغلي الهاتف النقال أن عدد مستخدمي الهواتف المحمولة في العالم العربي ارتفع إلى (200) مليون مشترك بنهاية عام 2008.

-    سيصل عدد أجهزة الحاسب الشخصي التي يمتلكها الأشخاص العاديين بحلول عام 2010 نحو (1.3) مليار جهاز.

-    بلغت نسبة انتشار الخدمة الخلوية نهاية الربع الثالث من العام الحالي (101) %، بحسب إحصائية صدرت العام الحالي عن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الأردنية.

-    بلغت نسبة توفر الهاتف الخلوي لدى الأسر الأردنية عام 2007 نحو (86) % وارتفعت لتصل إلى (94) % عام 2008.

[email protected]

أضف تعليقك