عمّان - آمال العطاونة - مضمون جديد
اثار توجه الاردن الى الغاء وزارة البيئة عاصفة انتقادات في اوساط خبراء وهيئات حماية البيئة التي وصفته بانه متسرع ويهدد بتراجع حجم المساعدات التي تحصل عليها المملكة في هذا المجال، والمقدرة بعشرات ملايين الدنانير سنويا.
وكانت الحكومة قررت في تشرين الثاني الماضي الغاء وزارة البيئة ودمجها مع وزارة الشؤون البلدية، وذلك في اطار سلسلة اجراءات تستهدف خفض النفقات وتقليص العجز القياسي في الموازنة، والذي تجاوز اربعة ملايين دينار.
وجاء القرار الدمج ضمن مشروع قانون لاعادة هيكلة القطاع الحكومي شمل الغاء ودمج وزارات ومؤسسات وهيئات رسمية عدة.
وقد حذر اتحاد الجمعيات البيئية من ان القرار سيخلق تضاربا في الصلاحيات يخل بمبدأ الشفافية، ودعا الحكومة الى التراجع عنه.
وقال المتحدث باسم الاتحاد عمر الشوشان "لمضمون جديد" ان "وزارة الشؤون البلدية هي إحدى الجهات التي تخضع لرقابة وزارة البيئة، ودمجهما سيشكل تضارباً يتعارض مع مبدأ الشفافية والحيادية".
ووصف الشوشان قرار الدمج بانه "يمثل تراجعا سياسيا في مستوى الاهتمام بالشأن البيئي مما يضعف من فرص الأردن التنافسية في استقطاب التمويل الدولي ويحول التمويل إلى الدول النامية ذات الالتزام الأكبر بقطاع البيئة".
وقال ان القرار يهدد بحصول "تراجع فوري في حجم ونوعية المساعدات الخارجية لقطاع البيئة، ليس للوزارة فقط بل لكافة القطاعات المدنية والأكاديمية والخاصة، والتي تنفذ برامج بيئية تحت غطاء وتنظيم مؤسسي وإداري من وزارة البيئة".
وتقدر بعض الارقام حجم هذه المساعدات بحوالي 200 مليون دينار سنويا.
واضاف الشوشان ان الاتحاد الذي تنضوي تحته عشر جمعيات بيئية، تلقى استفسارات تعكس عدم رضا من مؤسسات دولية مانحة حيال هذا القرار.
ويضم الاتحاد كلا من الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، والحديقة النباتية الملكية، وجمعية البيئة الأردنية، وجمعية حفظ الطاقة واستدامة البيئة، والجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية، والجمعية الأردنية للطاقة المتجددة، والجمعية الأردنية لمكافحة التصحر، وجمعية الزراعة العضوية، والمنظمة العربية لحماية الطبيعة، والمجلس الأردني للأبنية الخضراء.
وقال الشوشان الذي يشغل مديرا للسياسات البيئية في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، وهي هيئة مفوضة من الحكومة لادارة شؤون المحميات الطبيعية في المملكة، ان الاتحاد وجه كتابا الى رئيس الوزراء عبدالله النسور يشرح التداعيات السلبية التي ستنجم عن قرار الدمج، بالأضافة الى بيان أهمية وجود وزارة للبيئة في شكل مستقل.
وكان الاتحاد الذي لم يتلق ردا على مخاطباته للحكومة، قد لوح في وقت سابق باتخاذ اجراءات تصعيدية في حال لم يتم التراجع عن القرار.
ولم يوضح الشوشان طبيعة هذه الاجراءات، واكتفى بالقول انها "ستفصح عن نفسها حين تنفيذها".
ومن جانبهما، فقد هاجم وزيران سابقان للبيئة قرار الدمج وحذرا من تداعياته السلبية على قطاع البيئة في الاردن.
حيث وصف وزير البيئة الأسبق طاهر الشخشير القرار في تصريحات صحفية بـ"الخطأ الجسيم"، داعيا الحكومةإلى العدول عنه.
كما انتقد وزير البيئة الاسبق خالد الايراني القرار، وكتب على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر محذرا من ان له ”سلبيات اكثر من الإيجابيات".
وبحسب ما يؤكده مسؤول في وزارة البيئة تحدث "لمضمون جديد" شريطة عدم ذكر اسمه، فان شيئا لم يتغيرعلى ارض الواقع في الوزارة، وانها لا تزال تعمل بشكل طبيعي.
وحذر هذا المسؤول من ان المضي باتجاه دمج وزارة البيئة مع وزارة البلديات سيشكل "تراجعا وخطوات الى الوراء في ما يتعلق بالوضع البيئي في الاردن"
وتعد وزارة البيئة في الاردن حديثة العهد نسبيا، حيث استحدثت عام 2003. وقبل ذلك كان ملف البيئة مناطا بوزارة الشؤون البلدية والقروية وذلك من خلال دائرة تشكلت في الوزارة عام 1980.
وفي العام 1996 انتقل هذا الملف الى المؤسسة العامة لحماية البيئة التي انشئت كمؤسسة مستقلة ماليا وإداريا واستمرت في عملها حتى تاسيس وزارة البيئة.
ومع تشكيل حكومة عبدالله النسور في 12 تشرين الاول، اسندت حقيبة البيئة الى نايف الحميدي الذي يشغل ايضا وزيرا للسياحة، وذلك في اطار خطة تقليص عدد الوزارات الى 20 في اطار ضبط الانفاق.
ويبدو ان عجلة مسيرة الوزارة قد تعود الى نقطة البداية مع قرار ضمها الى حاضنتها الاولى وزارة البيئة في اطار مشروع قانون اعادة الهيكلة الذي وصفته المحامية اسراء الترك، بانه "ضعيف من الناحية القانونية لانه استحدث على عجل".
واشارت الترك، وهي خبيرة قانونية في المجال البيئي الى ما تعتبره ثغرات ستنجم عن القانون، وقالت "لمضمون جديد" ان "مصير اللجان التي تترأسها وزارة البيئة حاليا يبقى مجهولا، وحتى لو بقيت تحت مظلة وزارة البلديات إلا أنها لن تعطى الاولوية كما كانت في السابق".
وعلى صعيده، فقد وصف باتر وردم، الكاتب الصحافي المتخصص في الشأن البيئي قرار دمج وزارة البيئة بوزارة البلديات بانه "خطأ إستراتيجي..يعاكس التطور التنموي في الأردن وفي كافة العالم".
وقال وردم ان الاردن كان "ثاني دولة في العالم العربي بعد مصر تقوم بإنشاء وزارة مستقلة للبيئة.. وتلتها كل الدول العربية تقريبا والغالبية العظمى من الدول النامية. ومن الغريب أن يتم الآن العمل على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء 10 سنوات بعد تحقيق تقدم كبير ولا يستهان به في الأطر التشريعية والمؤسسية والفنية لحماية البيئة في الأردن".
واشار بدوره ايضا ان "دمج الوزارتين سيشكل تضارباً..يتعارض مع مبدأ الشفافية والحيادية".
كما اكد "لمضمون جديد" ان "قرار الدمج لن يترتب عليه تحقيق أي وفورات للخزينة حيث تنفذ الوزارة حاليا حوالي 50 مشروعا دولياً وإقليميا ممولة بمنح خارجية بقيمة تصل إلى (150) مليون دينار في العام 2012 إضافة إلى عدد من المشاريع التي تبلغ قيمتها حوالي (50) مليون دينار والتي تمول تحت مظلة وزارة البيئة من القطاع الخاص. هذا بالإضافة إلى وجود صندوق حماية البيئة المؤسس بموجب قانون البيئة الحالي والذي تبلغ موجوداته (4) ملايين دينار".
ولفت وردم الى ان "هذه المشاريع ساهمت في دعم خفض النفقات التشغيلية للوزارة ومن المتوقع أن تنخفض وبشدة هذه المساعدات الدولية في حال إلغاء وزارة البيئة لأن ذلك يمثل تراجعا سياسيا في مستوى الاهتمام بالشأن البيئي مما يضعف من فرص الأردن التنافسية في استقطاب التمويل الدولي".
وتوقع ان يؤدي الدمج إلى "تراجع أولويات العمل في مجال حماية البيئة كون الجهد والوقت المبذول سيخصص بشكل رئيسي لصالح شؤون البلديات على حساب الإهتمام بالشأن البيئي".
وخلص وردم الى القول ان "إلغاء وزارة البيئة ودمج مهامها مع وزارة البلديات ..سيؤثر بشكل سلبي على قطاع تنموي مهم ويزداد أهمية في العالم بل من المؤكد أنه سيؤدي إلى تخفيض المساعدات والمشاريع الممولة من الخارج التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة في الأردن".
ورغم عاصفة الانتقادات لقرار دمج وزارتي البيئة والشؤون البلدية، وخصوصا لجهة تضارب الادوار والمهام، الا ان مراقبين يرون ان هذا التضارب كان باستمرار سمة قائمة حتى مع وجود الوزارة مستقلة، وان الدمج لن يغير كثيرا من هذا الواقع.
ويوضحون ان الحكومة كانت على الدوام قادرة على تهميش دور الوزارة وتجاهل اعتراضاتها عندما يتعلق الامر باستثمارات او مشاريع تعتبرها الحكومة اولوية وتقدمها على كافة الاعتبارات سواء كانت بيئية او سواها