العملة المزورة في غزة .. تحد آخر أمام مجتمع يئن

الرابط المختصر

غزة – احمد بركات - مضمون جديد

يكدّ الشاب محمد طوال في عمله الشاق بنقل البضائع والمشتريات بواسطة "التكتك" من سوق الزاوية في مدينة غزة، والهدف جمع مبلغ زهيدة من المال آخر النهار.

بالنسبة الى طوال فان الكابوس هو ان تتحول بعض العملة بين يديه الى تراب، في نهاية اليوم. اما كيف بان يكتشف ان ما في جيبه عملة مزورة.

من أجل ذلك يبدي طوال حرصا متزايدا وخاصة في الآونة الأخيرة على تفقد العملات المعدنية وخاصة الخمسة وعشرة شيقل بعد انتشار ظاهرة تزويرها.

وراجت في قطاع غزة مؤخرا عملة معدنية مزورة من فئة "5 و 10" شواقل، حتى تغلغلت هذه العملة في قلب الأسواق سريعا، ما ولّد حالة من الفزع لدى التجار وسائقي سيارات الأجرة، فهي للوهلة الأولى تبدو نسخة مطابقة للقطع الأصلية، ليقع ضحية ذلك التزييف الفئة الضعيفة اقتصاديا في المجتمع.

الجهات الرسمية لم تستطع حتى اللحظة حصر عدد القطع المعدنية المزورة في القطاع، في الوقت الذي تروج فيه شائعات كثيرة عن مصدر ترويجها، ليقول البعض أنه يتم تصنيعها في الصين، بينما يقول البعض أنها تصنع في سيناء وتجلب إلى غزة عن طريق الأنفاق، مع غياب الرد الرسمي عليها وبقاء ملابسات القضية غامضة.

ويتداول المواطنين العملة المزورة بحسن نية من اكتسابها كعملة صحيحة تارة أو ترويجها من خلال البعض مقابل مبلغ مالي تارة أخرى، مسببة خسائر مالية فادحة وحالة من الإحراج والخجل الشديدين وزعزعة الثقة بين المستخدمين.

خسارة يومية

يقول المواطن ناهد مرزوق البالغ من العمر "45عاماً – وهو صاحب إحدى بسطات بيع الخضار في السوق: إن كلا من التاجر والمواطن أصبحا ضحية العملة المزورة التي تهدر شقاء ساعات طويلة من العمل.

"كثيراً ما يقدم لي المواطنين قطعاً مزورة فأعيدها أحيانا وفي احيان أخرى تمر من بين اصابع الزبون من دون اكتشافها، مما يعرضني لخسارة فادحة، فالمشكلة ان خبرتنا في اكتشاف العملة المزورة لا تزال محدودة" يقول مرزوق لـ "مضمون جديد".

ويتابع " الجهات الرسمية غير قادرة على وضع حد لهذه الظاهرة أو حتى اكتشاف المزورين وتتبعهم، حتى باتت الظاهرة محرجة جدا مع الزبائن، مطالبا بإنهاء وجودها في الأسواق وإيقاف المروجين عند حدهم.

واشار إلى أن انتشار العملة المزورة بين المواطنين يتطلب منه التجار التركيز في كل قطعة نقدية، وهو ما لا يقدر عليه التاجر فترة الازدحام والحركة النشطة، ليقع عليهم خسائر يومية.

ويرفض مرزوق تمرير العملة على المواطنين ويفضل أن يفقد جزء من أرباحه المشروعة على أن يفقد ثقة أحد الزبائن.

ويرفض مرزوق مساعدة المزورين والمروجين في نشر هذه العملات بين المواطنين يقول: "إن وافقت على اعطاء العملات المزورة التي وقعت بين يدي الى الزبائن، فلا فرق وقتها بيني وبين أي مروج للعملة المزورة.. أنا لن أساهم بنشرها وتمريرها على المواطنين".

سائد عامر وهو أحد تجار العملة الذي سبق أن تعرض لعملية احتيال يرى أن أسواق غزة باتت ممتلئة بالعملات المزورة بسبب وجود الأنفاق الحدودية التي يتم استغلالها لإدخال العملة المزورة.

وأعرب عامر عن قلقه من تنوع الفئات التي تتعرض للتزوير لتشمل فئة النقود المعدنية، الأمر الذي أدى لزيادة القلق لدى التجار والمواطنين مما يدفعهم للتدقيق في العملات قبل استلامها" في ظل غياب دور الجهات الرسمية.

وناشد عامر عبر "مضمون جديد" تفعيل دور الشرطة والقانون للقضاء على الظاهرة لما تحمله من أضرار جسيمة على الاقتصاد الوطني.

جريمة قانونية

أما محافظ سلطة النقد في غزة ورام الله جهاد الوزير فقال لـ "مضمون جديد"، إن ترويج العملات المزورة جريمة يحاسب عليها القانون، وأن أدوات فحص العملة متوفرة لدى جهاز الشرطة، المسؤول الأول عن محاسبة العابثين باقتصاد الوطن.

وأوضح الوزير أن العملة المزورة سرعان ما يتم كشفها، وأن الكميات التي دخلت القطاع ليست كبيرة كما يتحدث الناس، بحيث لو كانت الكميات كبيرة لتعاملت معها البنوك.

وتابع بالقول: الأموال المزورة تظهر في الأسواق بين الفينة والأخرى ، وأعتقد أن السبب في ذلك هو عصابات الخارجية المعنية بتسويق عملات مضروبة في قطاع غزة نظراً للحصار المفروض على القطاع منذ سنوات، وفي ظل الثورات التي تحدث في بعض الدول".

وشدد المحافظ على أن قضية تزوير العملة جريمة يحاسب القانون مرتكبها، مشيرا إلى أن العملة بعد أن تصدّر لا ترجع مرة أخرى للقطاع، و يتم التعامل معها عبر قوانين دولية "وهذه ظاهرة تحدث على مستوى العالم".

وأضاف الوزير: نحن في سلطة النقد نقوم بدور التوعية للناس والتجار والبنوك ونشر الإعلانات وعقد الدورات للعاملين في البنك وتعريف الجميع بآلية كشف العملة المزورة ، لأنها جريمة حسب القوانين، وجهاز الشرطة والمباحث هم من يحاسبون الفاعلين، مناشدا المواطنين بأن يبلغوا عن أي شخص يثبت ترويجه للعملة المزورة، لأن الظاهرة تعود بالتأثير السلبي على المواطنين.

القيمة الاقتصادية

المحلل الاقتصادي عادل سماره يحث السلطات المختصة على كشف الأطراف المسئولة عن عملية التزوير في قطاع غزة، ومعرفة ما إذا كانت لهم ارتباطات سياسية معينة.

يقول لـ "مضمون جديد": إن بقي الامر على حاله اليوم سيتفاقم قلق المواطن مما يعني تخفيض قيمة العملة المتداولة، كما يختلف التبادل في العملة الصعبة والمحلية عندما تكون مزورة، ويكون الاستيراد من الخارج عاليا جدا.

ويعتبر سمارة الفقراء أول ضحايا التزوير اضافة الى أصحاب الدخل المحدود، مشيرا الى ان كثرة تداولها يؤثر على انخفاض مستوى الاقتصاد الفلسطيني".

وأوضح سمارة أن العملة المزورة باتت أسوأ الظواهر المنتشرة في أسواق غزة، وأن المتسببين فيها هم أشخاص عديمي المسئولية وهدفهم جني الأرباح، مشيراً إلى أنها تلحق أضرار اقتصادية كبيرة على الاقتصاد الوطني.

ويقول " لم يعد المواطن يثق بالعملة المعدنية " الفكة" على الرغم من الحاجة الملحة لها، فلا يمكن للمواطن الاستغناء عنها، وهي من أكثر العملات التي تحرك الاقتصاد وبدونها تجد حالة ركود قوية في اقتصاد غزة"، لافتاً إلى أن إصدار العملة هو مسئولية البنك المركزي.

وطالب سماره الجهات الرسمية إلحاق أشد عقوبة بحق المزورين والمروجين، وفرض رقابة حكومية صارمة على منطقة الأنفاق لمعرفة كل ما يتم إدخاله من خلالها وكذلك القيام بحملة توعية للمواطنين عبر وسائل الإعلام لتبصير المواطنين وإكسابهم خبرة كافية تمكنهم من تمييز العملات المزورة لضمان وقف تداولها.

العيدية مزورة

أحد ضباط المباحث أكد أن حكومة غزة تتابع القضية باهتمام بالغ ولا تدخر جهدا في سبيل إيقاف عملية تزوير العملات وترويجها، موضحاً أن المزورين والمروجين يقوموا باستغلال بعض المواسم كالأعياد لتمرير "عملاتهم المضروبة" حيث صادر جهاز المباحث خلال فترة الأعياد كميات كبيرة من النقود المعدنية المزورة " فئة 5 و 10 شيقل".

ووفق الضابط فقد اعترف أصحابها بجلبها من منطقة سيناء المصرية عبر الأنفاق المنتشرة على الحدود الفلسطينية المصرية.

وقال الرائد أيمن البطنيجي الناطق باسم الشرطة الفلسطينية بحكومة غزة لـ "مضمون جديد": يجري السيطرة على كثير من مروجي العملة المزيفة التي انتشرت في الآونة الأخيرة، خاصة في المحلات التجارية والأسواق في قطاع غزة.

وثمن البطنيجي التجار الذي قال إنهم يساهمون بفعالية بكشف حالات التزوير مما يجعل الأمر سهلاً على رجال الشرطة.

واضاف البطنيجي إن المزورين يقومون بتزوير العملة من خلال مطابع خاصة موجودة في منطقة سيناء المصرية وإدخالها عن طريق الأنفاق المحاذية للشريط الحدودي مع الأراضي المصرية، لافتاً إلى أن الشرطة تمكنت من محاصرة الظاهرة وانجاز الكثير من القضايا ومعرفة المواد وطريقة التزوير والتوزيع من جانب مباحث الأموال في غزة.

وأوضح أن الشرطة خصصت قسم الأموال والاقتصاد لمتابعة قضايا التزوير، وأن التزوير كان قديماً للعملة الورقية إلا أن تزوير القطع المعدنية ظهر حديثاً، متهماً الاحتلال بالسعي إلى إدخال العملة المزورة بهدف إرباك الساحة الفلسطينية وكسر الاقتصاد الفلسطيني في غزة، مستغلين بذلك طمع وجشع بعض التجار والمواطنين –حسب قوله-.

وذكر البطنيجي أن مثل هذه القضايا في الدول الأخرى تعتبر قضايا أمن دولة، مطالبا الجهات القضائية تنفيذ ما هو مطلوب منها لردع كل الأشخاص الذين يتلاعبون بمصالح الشعب والناس باعتبار إن إنهاء مثل هذه الأمور يبقى مرهونا بالقضاء.

وأشاد بجهود أفراد الشرطة الفلسطينية المتواجدون في الميادين العامة باعتبارهم أسرع وسيلة لاكتشاف هذه الحالات، مؤكدا أنه في حال تلقيهم شكوى من أي مواطن يتم التعامل معها في الحال، واعتقال المشتبه بهم من حملة النقود المزيفة والتحفظ على معداتهم التي يستخدمونها في التزوير.

يذكر أن معد التقرير حاول عقد لقاء صحافي مع أحد المروجين الذين ألقت الشرطة القبض عليهم إلا أن المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية رفض الطلب المقدم بسبب دواعي أمنية، على حد قولهم.