الطيور المهاجرة لم تعد تمر على ’ الأزرق’

عمّان - نوف الور - مضمون جديد

يطلق عليها اسم واحة الازرق على اعتبار ما كان، ولكنها اليوم تحولت الى مكب للنفابات، قبل تقرر الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بناءها من الصفر. هذا أمر جيد، ولكنه أيضا مؤشر خطير على وضع الاردني المائي.

لعبت الواحة الواقعة في قلب الصحراء الاردنية الشرقية في السابق دورا حيويا في المنطقة، فشكل نظامها بيئيا متكاملا ومأوى للحياة البرية، مما أهلها لتصبح تجمعا بشريا على مرّ العصور، كيف لا وهي الروضة الماء التي تروي ظمأ الطيور المهاجرة وواحة خضراء تضم المتعبين من المفازة.

ويمتد حوض الازرق المائيّ الذي شكل الواحة بين سورية والاردن والسعودية بمساحة 12710 كم 2 وتقع ما نسبته 94% من مساحة الحوض داخل حدود المملكة، ويتراوح ارتفاعه من 1550م في تيلين في الاراضي السورية والى 550م في الازرق.

ويغذي الحوض الواحة عن طريق ينابيع رئيسية بمعدل 20 مليون م3 سنويا. وقد لعبت واحة الازرق دورا حيويا رئيسيا بوقوعها على مسار هجرة الطيور بين اوروبا وإفريقيا. وكانت محطة استراحة لها، تمر بها مئات الالاف من الطيور المهاجرة وسجل منها قرابة الثلاثمئة نوع.

ووفق اتفاقية رامسار الدولية في العام 1977، فإن محمية الأزرق ومنطقة القيعان الطينية المتاخمة تعتبر محطة أساسية للطيور المهاجرة على الطريق الأفريقي-الأوراسي، و تم تسجيل 307 أنواع من الطيور في المحمية.

وتعد منظقة الواحة من أكثر مناطق التنوع الحيوي اهمية نظرا الى تنوع الموائل التي تحويها والكائنات التي تعيش فيها ومن اهمها السمك السرحاني اذ تعد واحة الازرق الموطن الوحيد لهذا النوع في العالم وفي العام 1977 تمّ اعلان الواحة ومنطقة القاع المجاورة من المواقع المهمة ضمن مسار هجرة الطيور (رامسار(، وفي عام 1978 اعلنت الواحة كمحمية من قبل الجمعية الملكية لحماية الطبيعة.

البداية جزء صغير والطموح أكبر

يقول مدير السياسات البيئية عمر الشوشان لـ "مضمون جديد" إن محمية الأزرق جزء مما اعيد احياؤه من واحة الازرق.

وبدأ اهتمام الباحثين بدرسة تاريخ الأزرق القديم مبكرا، ورغم ذلك يؤكد الشوشان أن الموقع ما زال مجالا خصبا للدراسات التاريخية.

وكان حوض الازرق المائي نشطا ومصدرا أساسيا لمياه الشرب العذبة إضافة لصيد الطيور والأسماك، كما أنه مصدر مهم لنباتات القصب والحلفا المستخدمان في صناعات تقليدية كالحصر والسلال وأسقف المنازل والمواد التي تخلط مع العلف المزود للماشية.

أما المستنقعات الطينية فقد كانت بيئة مناسبا للجواميس المائية والأحصنة والأبقار، فيما المستنقعات موئلا مناسبا للإبل.

وفي السابق أيضا، اعتبر صيد البط من أكثر النشاطات وأشهرها خاصة في فصل الشتاء ولهذا بني نادي الصيد على تلة مطلة، ولكنه لم يكن منظما رغم محاولات تنظيمه، الى ان منع نهائيا في عام 1985م.

بالنسبة الى الشوشان فان التضخم السكاني زاد الضغط على مصادر المياه في المملكة حتى اعتبر ان حوض الازرق الحل الامثل للمشكلة, فبدأت عملية ضخ المياه من الواحة الى المدن الكبرى كالعاصمة عمان والزرقاء.

ومع ازدياد الضخ وحفر الابار الجوفية جفت الينابيع المغذية للواحة وهبط منسوب المياه الجوفية 12م داخل الحوض مما ادى الى حصول كارثة بيئية وتدمير للموائل الموجودة فيها . يقول الشوشان.

هنا شعرت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بالخطر المحدق على الواحة، فتداعت مع مؤسسات حكومية ودولية لايجاد طريقة لانقاذ الواحة. المشروع بدأ بجزء صغير من الواحة لا يتجاوز نسبته 10%. ولكن طموح الجمعية الملكية لا يتوقف عند هذا الحد.

وبدأت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة تنفيذ عملية إنقاذ للواحة بدعم دولي عام 1994م، حتى نجحت في استعادة جزء كبير من الأرض الرطبة ورفع نسبة المياه المنخفضة نحو 10 في المئة.

في الحقيقة لم تعد محاولات انقاذ حوض الازرق تقتصر على ما تقوم به الجمعية الملكية لحماية الطبيعة ووزارة البئة بل شاركتهما وزارة المياه والري باطلاق منتدى مياه الاراضي المرتفعة والذي يعنى بحماية حوض الازرق المائي والذي يشارك فيه اعضاء من السكان المحليين والاجهات المعنية.

وتتميز المنطقة الرطبة من الأزرق بغنى تنوعها الحيوي، وتوفيرها مواطن طبيعية لعدد من الأحياء البرية مثل ابن آوى والثعلب الأحمر، والضبع المخطط والذئب والوشق، والكائنات المائية كالسمك السرحاني الذي يعدّ الحيوان الفقاري الوحيد المتوطن في الأردن، ولا وجود له بأي مكان آخر في العالم، إلى جانب كونها شبه مغطاة بالنباتات المائية كالحلفاء والقصيب والعرقد والاثل العطري المحلي.

حوار وطني حول المياه

بتمويل من الموسسة الالمانية للتعاون الفني قامت وزارة المياه والري ووزارة البيئة وبالتعاون مع وزارة الزراعة، في عام 2007 برعاية مبادرة وطنية هدفت إلى دراسة الواقع الذي يعيشه حوض الأزرق المائي من حيث المشاكل التي تهدد بقاءه والتحديات التي تواجه تطوره والمخاطر المحدقة به والتي تنذر بتهديده والخروج برؤية موحدة مرتبطة بمجموعة من التدخلات على مدى القصير والمتوسط والبعيد وذات اساس مؤسسي واضح ودائم.

وحاولت الوثيقة اعتماد منهجية بسيطة للخروج برؤية عامة تتفرع إلى مجموعة من الرؤى الواقعية للقطاعات التنموية المختلفة لحوض الأزرق والتي أجمع الشركاء على وجود فرص حقيقية لتحقيقها بعيداً عن الرؤى الإستراتيجية المثالية والتي عادة ما تكون غير واقعية وغير قابلة للتحقيق .

أما أبرز محاورها، فأن يعود التوازن التدريجي لحوض الأزرق وموارده المائية واستخداماته التنموية مما يجعل من الأزرق نموذجاً وطنياً للإدارة المتكاملة المستدامة للموارد الطبيعية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ضمن مبادئ ومنهجيات فعالة للتشاركية والحكم الرشيد".

وعلى حد وصف أمين عام وزارة المياه والري المهندسة ميسون الزعبي لـ "مضمون جديد": في ظل استنزاف المياه الجوفية الحالية لن يكون الوضع المالي ولا المائي للمزارعين أفضل، ولن تكفي المياه الجوفية في ظل معدلات الاستهلاك الحالي للمستقبل البعيد"..

ولا يتحمل المزارعون في حوض الأزرق وحدهم مسؤولية الضخ الجائر للمياه الجوفية وبالتالي تملحها، فسلطة المياه تقاسمهم مسؤولية الاستنزاف.

بالنسبة الى الزعبي، فانه ومع بدء ضخ مشروع الديسي المياه إلى العاصمة سيوقف الضخ من حوض الأزرق وغيره من الأحواض لنبدأ رحلة إعادة شحنها، وهو ما سيتم على مستوى الوزارة وسلطة المياه.

وتشير إحصائيات وزارة المياه و الري إلى أن إحصاء الآبار في حوض الأزرق بدأ من عام 1988 حيث وجد 800 بئر وهي- الآبار- محصورة في منطقة البنيات، وكانت في السابق تعطي 20-30 مترا مكعبا، أما الآن فلا تعطي نصف ذلك الرقم والمؤشرات العلمية تدل أن على كميات سحب المياه من الآبار اكبر من التغذية الآبار بفعل هطول الأمطار.

جانب بيئي وآخر تاريخي

قال مدير صون الطبيعة في وزارة البيئة المهندس حسين شاهين لـ "مضمون جديد": في الأزرق ثلاثة مناطق رئيسة ذات تشكيلات طبوغرافية مميزة تقع جميعها في انخفاض الحوض المائي وهي منطقة صغيرة من مستنقعات المياه العذبة كانت تعرف "ببرك الدروز" وتزود بالماء من ينبوعين بالقرب من الأزرق الشمالي.

المنطقة اليوم جافة فلم تصلها المياه منذ عام 1994. أما المنطقة الثانية وفهي أكبر حجماً وتتمثل بمستنقعات المياه العذبة والتي كانت تزود بالماء من ينبوعين بالقرب من الأزرق الجنوبي وهو موقع المحمية الحالي والذي كان يعرف باسم "برك الشيشان". فيما المنطقة الأخيرة هي "منطقة القاع" والذي تنقل إليه الوديان المحيطة به كمية الماء المجموعة من الأمطار خلال موسم الشتاء وخاصة الوديان الكبيرة منها وتصل مساحته الكلية إلى 63 كم مربع".

وقد شكل تفريغ هذه الينابيع واحات فريدة من نوعها ومنطقة رطبة ذات تنوع حيوي كبير مما جعلها منطقة ذات اهتمام عالمي لأهميتها للطيور المهاجرة كمحطة استراحة في طريق الهجرة الطويل وكذلك كونها منطقة رطبة ذات طابع فريد في قلب الصحراء الجافة ولوجود "سمك السرحاني" وهو النوع الوحيد المتوطن في الأردن، مما دفع الى إعلان الأزرق موقع من مواقع اتفاقية "رامسار" العالمية عام 1977.

الاتحاد الاوروبي: استخراج الملف للحد من الضرر

مؤخرا قدم الاتحاد الدولي للمياه دراسة طالبت باستخراج الملح من قاع الملاحات للحد من أثر تسرب المياه المالحة إلى المياه العذبة في الأزرق.

ووضعت الدراسة خطة عمل لمساعدة أهالي المنطقة في استخراج الملح من قاع الملاحات. واستنادا الى الدراسة فإن معدلات الاستخراج من آبار المياه الجوفية الكلي يبلغ حوالي 60 مليون متر مكعب، ويبلغ الاستخراج الآمن فقط ما بين 24 إلى 30 مليون متر مكعب.

وأشارت الدراسة إلى أن حجم الماء الساكن في هبوط مستمر، مما يؤدي إلى زيادة احتمال تسرب المياه المالحة في المستقبل إلى حقول الآبار، وان ازدياد الطلب على مياه الشرب لأكثر من 60 مليون متر مكعب في السنة أدى إلى نضوب في مستويات المياه الجوفية لحوض الأزرق، وزيادة نسبة الملوحة فيه.

وتوقعت الدراسة في حال استمرار الضخ الجائر للمياه ازدياد احتمالية هجرة المياه المالحة في المستقبل إلى حقل الآبار وتسربها بكميات أكبر.ويعتبر حوض الأزرق من أهم الأحواض المائية في الأردن، وهو المزود الرئيسي لمياه الشرب لمدن عمان والزرقاء وإربد بالإضافة إلى الأزرق.

كما أن هناك ضخا جائرا من مياه الآبار الزراعية (مرخصة وغير مرخصة) والتي تشكل أكثر من 70% من المياه المضخة من الخزان الجوفي العلوي وهو ما أدى إلى جفاف واحة الازرق.

هل تستطيع المبادرات الوطنية حماية ما تم اعادته من حوض الازرق؟ ام ان الازرق سيمر عبر معادلة العطار والدهر.

أضف تعليقك