الطبيعة تتحول لمصيدة مخاطر ضد الانسان والحيوان والنبات في تفوح
فلسطين - محمد مسالمة - مضمون جديد
وادي القنظرة ببلدة تفوح غرب مدينة الخليل كان ذو أرض الخصبة ، مليئة بالأشجار والثمار ، في صباحه كنت تسمع زقزقة العصافير ، وفي هواءه لا تشم سوى النقاء، مشهد يملأ الروح بصفاء الطبيعة وجمالها، لكن مشاريع استخراج الحجر بدأت في تغيير معالمهِ .
تنغص المحاجر على السكان في حياتهم اليومية ، حيث الغبار المتصاعد ليل نهار ، وأصوات الالات المزعجة المستخدمه في العمل، ناهيك عن حركة مرور الشاحنات الثقيلة من بين المنازل والتي تحمل حجارة بأوزان تصل الى أربعين طناً، وفي معظم الاحيان لا يراعي السائقون وسائل السلامة العامة .
المواطن محمد ارزيقات (55 عاماً) والمتضرر من المحاجر جرّاء إصابة اثنين من أبنائه بمرض الربو ، إضافة للإزعاج الذي يسببه مرور الشاحنات الثقيلة من اهتزاز للبيوت وتشققها، يشير إلى ان السكان في مشاكل شبه يومية مع المستثمرين ، فيقول :" حاولنا طرد اصحاب المحاجر كثيراً ولكن دون جدوى، والمحاجر تأثيرها واسع جداً ولحتى هذه اللحظة غير قادرين ".
ويقول المواطن محمد مصباح ( 52 عاما ) : " لم نكن نشاهد سوى الأشجار الخضراء مدى نظر العين، بينما اليوم لا نشاهد سوى الحفر الضخمة ، وأطفالنا انحرمت مستقبلاً من أماكن مناسبة للبناء".
يتملك المستثمرين الفلسطينيين هذه المحاجر التي تنتج كميات كبيرة من الحجر، ومردودها المالي ضخم يقدر بالملايين، ما جعل المستثمرون يقدمون على شراء اراض تقدر بمساحات كبيرة من أهالي البلدة.
ويتوقع نسيم الطردة أحد أصحاب المصانع انخفاض كمية الأحجار المستخرجة من بلدة تفوح الأرض بنسبة كبيرة في غضون السنوات القليلة المقبله، نظراً لبداية نفاذ مخزون الحجر نتيجة دخول المحاجر الى مسطح البلدة ، مضيفًا " ان المحاجر لا تعمل بشكل عشوائي ، لكن المشكلة ان الشاحنات التي تعمل في المحاجر تسلك طريقا يمر بوسط البلدة نتيجة عدم وجود طريق بديل ".
وتعد منطقة المحاجر الصخرية الصلبة من ناحية جيولوجية بمثابة الحزام الصخري للبلدة، الذي يشد شطريها، ويقول خبراء جيولوجيون بأن قوة الحزام تنخفض بشكل كبير نتيجة استهلاك صخوره وانخفاض جرافات المحاجر في الأرض بأعماق تصل احيانا الى 50 مترا .
ويقول الخبير الجيولوجي طالب الحارثي: "بالرغم من ان المحاجر في تفوح لها قيمة اقتصادية جيده لكنها مشكلة بيئية خطيرة، وذلك لأن التحجير يتم فيها بطريقة عشوائية، وغير علمية" ، موضحا أن قيام المستثمرين بحفر الجبل وانتزاع قدر كبير من الطبقات الصخرية دون اعادة تأهيل الجبل، يؤدي الى جروف قوية كبيرة ، مُحذرًا من حدوث انزلاقات صخرية في سنوات قليلة ، خاصة اذا كانت تلك الطبقات تميل باتجاه الجرف، واصفاً تلك العملية بأنها تؤدي الى تخريب الطبيعة وتجعل من الوضع خطير جدا.
وأضاف الحارثي :"التأثير يزداد وبشكل أخطر في اوقات الصيف عند انتشار الغبار بكميات كبيرة جدا في المحجر أثناء العمل، اضافة الى انطلاقه من الطرق المؤدية الى المحجر عند مرور الشاحنات التي تشكل الغبار وكأنه زوابع صحراوية تحملها ذرات الغبار الى المنازل والمنطقة المجاورة".
ومن جهة أخرى، يؤدي انتشار الغبار إلى أمراض عديدة كالازمة التنفسية والربو والحساسية او أمراض الجيوب، ويزداد تأثيرها على المزروعات بشكل كبير والكائنات الحية البرية التي تتأثر وتهرب من المنطقة.
ويرى الحارثي "ان الشاحنات غير المؤهلة تشكل خطرا على البنية التحتية للبلدة والمارة ، حيث تعمل على تهافت الطرق وتشققها".
ويقول مدير البلدية عبد الكريم الطردة :"عندما ظهرت المحاجر لم تكن ضمن المخطط الهيكلي للبلدية، ومن الجانب القانوني لم تكن سيطرة قانونية للبلدية على هذه المناطق، وإنما كانت تابعه لإدارة الحكم المحلي، ومن المفترض أن يكن هو المسؤول عن تلك المحاجر ومتابعه اضرارها".
وأشار الطردة الى ان تلك المناطق دخلت ضمن حدود البلدية في العام 2006 عندما حدث مشروع التوسع لبلدة تفوح حيث شملت منطقة اسطاس في المخطط الهيكلي الجديد .لا يسمح القانون الفلسطيني للهيئات المحلية بفرض رسوم محددة على أصحاب المحاجر، ولكن يدفع أصحاب المحاجر رسوم تقدر ب 4000 دينار أردني للبلدية بدل أضرار ناجمة .
ومن الصعوبة على البلدية إن توقف أعمال التحجير، كونها تشكل مصدر دخل قومي ودعامة رئيسية للاقتصاد ، فالعديد من اصحاب المحاجر استثمر أموال ضخمه تقدر بملايين الشواقل، فليس من السهل على البلدية ان تقول للمستثمرين اوقفوا العمل، وانما قمنا بإعطائهم مهلة لإنهاء استثمارهم في تلك المنطقة ضمن جدول زمني مع نهاية العام 2012.
بعدما كانت بلدة تفوح من أجمل المناطق الطبيعية تحولت الآن لمحاجر مسحت كل المظاهر الطبيعية الجمالية، وبات الغبار يغطي أشجار العنب والمشمش والدراق، لتبقى ظاهرة المحاجر بمثابة السرطان الذي يسري في جسد تفوح .
إستمع الآن