عمان - امال العطاونة - مضمون جديد
تصف الناشطة البيئية هانيا قاقيش فصل الصيف في الاردن بانه "فصل الرعب" جراء ما يحدث عند اقامة الاعراس والاحتفالات وما يصاحبها من اطلاق الالعاب النارية.
وتضيف قاقيش التي نظمت قبل بضع سنوات حملة لمكافحة التلوث الضوضائي، مجموعة اخرى من مسببات الرعب خلال هذا الفصل، ومنها الحفريات والانشاءات في المناطق السكنية، والتي لا يحلو العمل للقائمين عليها الا ليلاً.
ويمكننا ان نتعاون مع قاقيش في اضافة مسببات اخرى، منها مكبرات الصوت في سيارات الباعة المتجولين، والزوامير واصوات الموسيقى والغناء التي تطلق على اقصاها في السيارات والمحلات التجارية والمنازل.. والقائمة تطول.
وان كانت هذه امورا طارئة تتكثف في فصل الصيف خصوصا، الا ان هناك اسبابا اخرى مقيمة على امتداد الفصول، وليس اقلها حركة السير والورش والمصانع والمناطق التجارية، وحتى المدارس.
وكما تؤكد الدراسات، فان مستوى التلوث الضوضائي قد بلغ مستويات خطرة في مدن المملكة الرئيسية وبات يتهدد بزيادة نسب الامراض المرتبطة به، بدءا من ارتفاع ضغط الدم الذي يقود الى الجلطات، وليس انتهاء بالسكري والامراض العصبية والنفسية.
وليس من عبث ان وصفت منظمة الصحة العالمية الضوضاء بانها "قاتل بيئي".
حياتنا جحيم
تقول دولة عبدالكريم، وهي ربة منزل تقيم مع اسرتها في احد الاحياء السكنية في الزرقاء الجديدة، ان الباعة المتجولين واصوات زوامير سيارات الغاز وكذلك الزوامير غريبة الاصوات التي يضعها البعض في سياراتهم قد حولت حياتها وحياة اسرتها الى جحيم.
وتوضح المرأة التي يطل بيتها على ملتقى عدة شوارع "يمر من هنا يوميا اكثر من عشرة بائعين في بكبات كلها تصدح باصوات المناداة عبر المكبرات على انواع الخضروات والفواكه، وبعضها لباعة يجمعون الخردوات، وتعقبهم سيارات الغاز التي لا تنقطع زواميرها، ويستمر الامر حتى ساعات الليل، وهو ما لم يكن معهودا من قبل".
وتتابع "وبعد ان يذهب هؤلاء يتسلم المهمة عنهم الشبان الصغار الذين يقودون سياراتهم ببطء وهي ترسل اصوات الموسيقى والغناء على اعلاها، وعندما تخلو الشوارع او تكاد من المارة تتحول المنطقة الى ناد للتفحيط والسباقات".
وتقول المراة بمرارة "هذا نستطيع التعايش معه الى حد ما، مع انه يحرمنا الراحة على مدار الليل والنهار، ولكن المصيبة الاكبر هي في الالعاب النارية التي تنفجر على ارتفاعات منخفضة وتهز البيوت وترجف قلوبنا في صدورها. كنا نسمع انفجارات هذه الالعاب في الليل، ولكننا اليوم نسمعها ايضا في النهار!، كما ان الكثيرين باتوا يتعمدون اطلاقها بعد الثانية عشرة ليلا".
وتتساءل دولة باستغراب "الم يقولوا ان الحكومة منعت استيراد الالعاب النارية؟!".
وتقول جارة لها هي ام احمد "الدنيا حر، واصبحنا امام خيارين، اما ان نتعايش مع هذا الضجيج او نغلق النوافذ ونموت اختناقا. هذا لا يعقل".
مستويات خطرة
الصوت المعتاد لا يزيد على 30 "ديسيبل" وهي وحدة قياس الصوت المعروفة، والصوت المسبب للضجيج يزيد على 45، كما يبين الخبراء.
ويزيدون بان التعرض الى 70 ديسيبل لمدة 8 ساعات يوميا لا تأثير له، فيما يصبح له تاثيرات خطرة اذا امتدت الى 24.
وبحسب دراسة اجراها باحثون من الجامعة الاردنية عام 2006، فان حركة السير في العاصمة عمان تتسبب بضجيج مستواه 81 ديسبل نهارا، و71 ليلا. بمعنى ان من يتعرضون له على مدار الساعات الاربع والعشرين، هم في دائرة الخطر.
وقد تشمل هذه الدائرة اكثر من نصف سكان العاصمة الذين تطل منازلهم على شوارع حيوية.
وشملت الدراسة التي اجراها باحثون من دائرة الهندسة المدنية ومركز دراسة وابحاث المياه والبيئة في الجامعة، 28 موقعا مختلفا في عمان.
كما بينت دراسة اخرى اجراها باحثون من نفس الجامعة عام 2008، ان مدينتي الزرقاء (850 الف نسمة) واربد (مليون نسمة) قد تفوقتا على عمان في هذه الناحية، حيث يبلغ مستوى الضجيج الناجم عن حركة السير فيهما 88 و87 ديسبل على التوالي.
وقد تطرقت الدراسة الثانية الى مسببات اخرى للضجيج منها المدارس حيث بلغ مستوى الضجيج الصادر عنها في الزرقاء 74 ديسبل، وصالات الاحتفالات 85، وورش العمل 92، والمناطق التجارية 75، والمناطق الصناعية 88.
وترافقت هذه الدراسة مع مسح اجراه الخبراء للاثار النفسية والاجتماعية الناجمة عن الضجيج، حيث تبين ان مستويات الصوت العالية ستؤثر على السكان في نواحي عديدة منها اضطرابات النوم، والقابلية للعمل، وفقدان التركيز، بالاضافة الى مشاكل سمعية.
وقدمت الدراسة عدة توصيات للتخفيف من الضجيج، ابرزها تركيب زجاج مزدوج العزل للنوافذ والابواب، ابعاد المناطق السكنية عن مصادر الضجيج، ووضع مواد تمتص الاصوات امام البنايات كالحواجز الاسمنتية والاشجار.
تاثيرات صحية
بحسب ما يؤكده الطبيب محمود الاسعد، وهو ضمن اللجنة التي تشكلت في اطار حملة مكافحة الضوضاء التي اطلقتها هانيا قاقيش، فان الاضرار الصحية الناجمة عن الضجيج لا يمكن الاستهانة بها.
ويعدد الاسعد، وهو اختصاصي جراحة الانف والاذن والحنجرة، تاثيرات الضجيج على الانسان قائلا انها تشمل ارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب كاضطراب النبض والاضطرابات الوعائية، والتوتر العصبي واضطرابات النوم والقلق والإرهاق.
ويضيف تاثيرات اخرى منها الإضطرابات العصبية والصداع وفقدان الشهية وفقدان التركيز.
واوضح الاسعد ان مستوى الصوت المعتاد لا يزيد على 30 ديسبل والمستوى المسبب للضجيج يزيد على 45، مضيفا ان الإحساس بالسمع يبدأ عند 20 ديسيل حتى أعلى قيمة تتحملها الأذن وهي 130 ديسبل وما فوق ذلك تسبب الألم وفقدان السمع.
ويبلغ مستوى الضجيج في عرس مثلا اكثر من 70 ديسبل، والالعاب النارية 140ديسيل.
واشار الاسعد الى ان مستويات الصوت المقبولة عالميا هي 25 - 40 ديسبل في المناطق السكنية، و30 -60 في المناطق التجارية، و40- 60 في المناطق الصناعية و30 -40 في المناطق التعليمية و20 -35 في مناطق المستشفيات.
وشدد على اهمية مكافحة الضجيج عبر انفاذ التشريعات والتركيز على منع استعمال مكبرات الصوت وأجهزة التسجيل في شوارع المدينة والمقاهي والمحلات العامة، وايضا الاكثار من زراعة النباتات التي تعتبر اهم وسائل امتصاص الضوضاء خصوصا في المدن، اضافة الى نشر الوعي عبر وسائل الاعلام حول التلوث الضوضائي .
قانون وتعليمات
باعتبار الضوضاء ثاني اشكال التلوث البيئي، بعد تلوث الهواء، فقد تضمن قانون البيئة الاردني مادة تتعامل معه، وصدرت بموجب هذه المادة تعليمات من قبل وزير البيئة حددت طبيعة المخالفات وطرق التعامل معها ومستوى الاصوات المسموح بها.
ونصت التعليمات على منع:
1. اطلاق الزوامير او الاجراس أو أي جهاز منبه باستثناء الحالات الطارئة والحالات التي يسمح بها القانون .
2. استخدام مكبرات الصوت في حفلات الاعراس المقامة في المناطق المفتوحة .
3. اصدار ضجيج من قبل صالات الافراح المغلقة بشكل يؤثر على المجاورين .
4. تشغيل اجهزة الراديو والتلفزيون او أية اجهزة مشابهة من شانها ازعاج المواطنين .
5. القيام باعمال الانشاءات التي تستخدم معدات مسببة للازعاج كالخلاطات والرجاجات وما شابهها بين الساعة الثامنة مساء والسادسة صباحا ، باستثناء الحالات التي يوافق عليها الوزير بناء على تنسيب الامين العام .
6. استمرار العمل المناطق الحرفية التي يوجد فيها تجمعات سكنية ما بين الساعة التاسعة مساء ولغاية الساعة السادسة صباحا ، بالتوقيت الصيفي ، وما بين الساعة الثامنة مساء والساعة السابعة صباحا بالتوقيت الشتوي .
وحددت التعليمات مستويات الاصوات المسموح بها على الوجه التالي: المناطق السكنية في المدن 60 ديسبل نهارا و50 ليلا، وفي المناطق السكنية في الضواحي 55 نهارا و45 ليلا، وفي المناطق السكنية في القرى 50 نهارا و40 ليلا.
وفي المناطق السكنية التي فيها ورش او حرف بسيطة او اعمال تجارية ومناطق تجارية وادارية ووسطا تجاريا 65 نهارا و55 ليلا، وفي مناطق الصناعات الثقيلة 75 نهارا و65 ليلا، وفي اماكن التعليم والعبادة والعلاج والمستشفيات 45 نهارا و35 ليلا.
وقد نص قانون البيئة على معاقبة من يخالف هذه التعليمات بالحبس مدة لا تقل عن اسبوع ولا تزيد على شهر او بغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على خمسمائة دينار او بكلتا هاتين العقوبتين.
كما جاء في النص انه "يغرم صاحب المركبة او الآلية او الشخص الذي يتسبب باحداث ضجيج بغرامة لا تقل عن عشرة دنانير ولا تزيد على عشرين دينارا".
ورغم وجود هذه التعليمات، الا ان المهندس جبر درادكة رئيس قسم العينات التحليلية في وزارة البيئة، اقر بضعف الرقابة على تنفيذها.
وقال داردكة "الرقابة لهذه اللحظة غير موجودة ولا يتم الضبط الا بعد وصول شكوى" من المواطنين.
وبرر ذلك بنقص الكوادر اضافة الى تركيز الوزارة على قضية تلوث الهواء، والتي تشكل المعضلة البيئية الرئيسية في البلاد.
لكن المسؤول في وزار البيئة اشار الى ان الوزارة تعتزم اجراء دراسات لمستويات الضجيج في كل من عمان والزرقاء واربد، وذلك لتحديد الاولويات وطرق العمل للتصدي لهذا النوع من التلوث.
وبحسب داردكة، فسوف يتم في اطار هذه الدراسات انشاء 12 محطة لقياس مستويات الضجيج في هذه المحافظات، وذلك بواقع سبع محطات في عمان وثلاث في الزرقاء واثنتين في اربد.
حملة مرتقبة
كما تخبرنا الناشطة البيئية هانية قاقيش، فان مديرية الامن العام ممثلة بالادارة الملكية لحماية البيئة وادارة السير المركزية التابعتين لها، قد تبنت حملتها الرامية الى مكافحة التلوث الضوضائي في المملكة.
وتشكل مديرية الامن العام عبر هاتين الادارتين احد الاذرع الرئيسية التي تراقب انفاذ تعليمات الحد من الضجيج.
وبحسب قاقيش، فسوف تنطلق الحملة رسميا برعاية الامن العام اواسط الشهر المقبل.
وكانت قاقيش بدأت الحملة بجهد شخصي عبر شركة أصالة للدعاية والإعلان التي تديرها، وسرعان ما وجدت مؤازرة ودعما من العديد من المؤسسات ومنها، الصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية، والادارة الملكية لحماية البيئة، ووزارة البيئة، وادارة السير المركزية ومؤسسة الارض الطيبة للتنمية.
كما انضمت الى الحملة جمعية الشابات المسيحية- عمان، والمدرسة الارثوذكسية الوطنية، اضافة الى اطباء مختصين منهم محمود الاسعد.وسيجال سرحان.
وقد تشكلت من هذه المؤسسات لجنة للحملة اخذت على عاتقها التوعية المستمرة والمتواصلة لمحاولة الحد من ظاهرة التلوث الضوضائي، ونشر اساليب الوقاية مثل لبس واقيات السمع في المصانع والمشاريع، والدعوة الى تطبيق اسس ومعايير التصاميم الانشائية للحد من الضجيج.