الضليل بلدة اردنية منكوبة

الرابط المختصر

عمّان - مضمون جديد - آمال العطاونة

ينضح ابو احمد الحفرة الامتصاصية الملحقة ببيته في بلدة الضليل شمال شرق مدينة الزرقاء، مرتين في الشهر، لكن جاره لا ينضحها سوى مرة واحدة كل عشر سنوات، رغم ان عائلتيهما متساويتان في العدد والحفرتان متماثلتان في الحجم!

وعلى مدى سنوات ظل الامر لغزا يحير ابا احمد الذي يضطر لدفع 100 دينارا شهريا كتكاليف لنضج الحفرة، ناهيك عن المعاناة التي تشتمل عليها عملية النضح بفعل ما يترافق معها من روائح تنغص العيش.

ولكن اللغز تبدد عندما قرر انشاء حفرة امتصاصية جديدة حتى يخفف الضغط عن الحفرة الاولى.

فقد تبين له خلال الحفر ان المياه العادمة من حفرة جاره كانت تتسرب عبر مسالك شعرية في التربة المتهتكة، وكان بعضها يصب في حفرته!

وقد اسهم وقوع منزل ابي احمد في منطقة منخفضة نسبيا عن منزل جاره، في ان تتخذ المياه العادمة هذه المسالك.

وكما يقول ابو احمد، فان التسرب كان كفيلا باطالة امد امتلاء حفرة الجار لسنوات على حساب حفرته التي تفيض كل اسبوعين.

صحيح ان الحيرة تبددت، ولكن ابا احمد صعق عندما راى مسارب اخرى اتخذتها المياه العادمة باتجاه اساسات وجدران بيته.

يقول الرجل الذي يعمل حارسا في احد المصانع ويعيل زوجته وستة ابناء "هذا الاكتشاف ادخل الرعب الى نفسي، وقد كان كفيلا ايضا بحل لغز اخر يتعلق بالتشققات التي غزت جدران البيت".

ويضيف "اساسات بيتي مقامة على الصخر، وكميات الاسمنت والحديد التي استخدمت في البناء لم يتم التلاعب بها، ولهذا لم يكن هناك سبب واضح لهذه التشققات".

ويتابع "والان انا اعلم السبب، ولكنني لا استطيع فعل شئ لتدارك المصير المحتوم للبيت سوى محاولة اطالة عمره عبر القيام بعمليات ترميم متواصلة".

وضع عام

وليس بيت ابي احمد وحده المهدد بالانهيار جراء التشققات الناجمة عن تسرب المياه العادمة الى اساساته وجدرانه سواء من حفرته او حفر الجيران، بل تكاد كل بيوت البلدة تكون كذلك.

وبحسب عضو بلدية الضليل ماجدة شموط، فان هناك نحو سبعة الاف وحدة سكنية في الضليل التي تفتقر الى شبكة صرف صحي رغم انها يقطنها 60 الفا، بينهم 20 الفا وافدون يعملون في المنطقة الصناعية المؤهلة المقامة ضمن اراضي البلدة والكثير منها مصانع البسة تستخدم كميات كبيرة من المياه.

كما ان هناك 25 مصنعا في البلدة تقع خارج المنطقة الصناعية، فضلا عن 173 مزرعة ابقار.

وبحكم ان الكثير من الوحدات السكنية يتبعها حفرتان واحيانا ثلاثة حفر امتصاصية، فان التقديرات تشير الى وجود اكثر من 12الف حفرة في البلدة.

وتقع الاحياء السكنية والمصانع ضمن مساحة لا تتجاوز 12 كيلومترا مربعا.

وكما تؤكد شموط، فان الكثير من الوحدات السكنية في البلدة تعاني من تشققات في الاساسات والجدران بفعل التسرب الناجم عن تركز هذا العدد الكبير من الحفر في منطقة صغيرة نسبيا.

بحيرة عادمة

بحسب ما تظهره دراسة لبلدية الضليل ، فان كميات المياه العادمة الصادرة عن الوحدات السكنية والمصانع والمزارع تقترب من ثلاثة ملايين متر مكعب سنويا.

ويعمل نحو 70 صهريجا على نقل هذه الكميات الى خارج البلدة سواء الى مكب الاكيدر او مكب عين غزال في عمان.

ولكن هذه الصهاريج لا تستطيع نقل كامل هذه الكميات، ولو عملت على مدار الساعة كما يؤكد عضو سابق في البلدية.

ويضيف العضو الذي فضل عدم ذكر اسمه "لو افترضنا ان هذه الصهاريج عملت على مدار الساعة، وبواقع عشر حمولات يوميا –وهذا مستحيل طبعا- فان الكميات التي تستطيع نقلها لن تتجاوز المليوني متر مكعب في السنة".

ويمضي قائلا "وبالتالي، يتبقى هناك مليون متر اخرى..فاين تذهب؟". ويجيب على تساؤله بنفسه "طبعا تمتصها التربة".

ويلفت المسؤول السابق في البلدية الى وجود طبقة صخرية بركانية على عمق مترين الى ثلاثة امتار في معظم مناطق الضليل ، الامر الذي يشكل مانعا طبيعيا يعيق الامتصاص الكامل للمياه.

ويقول ان هذه الطبقة تتسبب في احتجاز المياه العادمة قريبا من السطح، وتجبرها على اتخاذ مسارب في التربة قد تتقاطع مع المياه الجوفية "وهنا مكمن الخطر الاكبر".

ويضيف "اذا ظل الحال على ما هو عليه دون حلول جذرية، وواصلت المياه العادمة تراكمها فعلينا ان لا نفاجأ اذا ما جاء يوم واكتشفنا ان البلدة اصبحت تطفو على بحيرة مياه عادمة".

حلول ارتجالية

في مسعى منهم للتقليل من عمليات النضح من حفرهم الامتصاصية، والتي تكلفهم مبالغ طائلة، يقوم الكثير من الاهالي بمد انابيب لتصريف مياه الغسيل والجلي والاستحمام الى الاشجار والمزروعات في احواش منازلهم.

وابو احمد واحد من هؤلاء. وهو يؤكد لنا انه لو لم يفعل ذلك، فسوف يكون مضطرا لنضح حفرته مرة اربع مرات في الشهر، وليس مرتين كما هو الحال الان.

ويقول "انا موظف بسيط وراتبي بالكاد يكفي لاطعام اسرتي، وبالتالي كان لا بد من ايجاد حل يخفف عن كاهلي تكاليف النضح التي تصل الى 50 دينارا في كل مرة".

وبحسب ابراهيم البلوي مدير الدائرة الفنية في بلدية الضليل ، فان التكلفة الحالية لنقل المياه العادمة عبر صهاريج النضح من المصانع والمساكن والمنشات الاخرى في البلدة تزيد على 7 ملايين دينار سنويا.

وهو يرى في ذلك ارهاقا للسكان الذين يعاني معظمهم من ضائقة مالية بسبب تدني مرتباتهم.

كما اشار البلوي الى ان الصهاريج تتسبب باضرار للشوارع جراء الحمولات المحورية الكبيرة. وقال ان نسبة هذه الاضرار "تزيد على 60%، فيما تقدر تكلفة صيانتها بأكثر من مليوني دينار سنويا".

ولفت البلوي الى معضلة اخرى تواجهها البلدية والسكان وتتمثل في قيام بعض الصهاريج بطرح حمولاتها في المناطق الزراعية والاودية القريبة من البلدة بدلا من ايصالها الى المكبات المخصصة لها في منطقتي الاكيدر وعين غزال في عمان.

وحذر من الاثار السلبية لهذه الممارسات من النواحي البيئية والصحية وتأثيرها على الاراضي الزراعية والمياه الجوفية.

مخالفات الصهاريج

وتضبط السلطات باستمرار سائقي صهاريج يقومون بطرح حمولاتها تحت جنح الظلام، واحيانا نهارا جهارا في مناطق قريبة من الضليل .

وما يسهم في استمرار هذه الظاهرة هو العقوبات غير الرادعة والمتمثلة في تغريم السائق المخالف 50 دينارا في حال ضبطه، وهو مبلغ يوازي اجرة حمولة واحدة من عدة حمولات يقوم بنقلها يوميا.

وفي محاولة للجم امثال هؤلاء السائقين، فقد الزمت السلطات المصانع التي يصدر عنها نحو مليون ونصف المليون متر مكعب من المياه العادمة سنويا، بفتح سجلات خاصة بالصهاريج تشتمل على ساعة الخروج والعودة لضبط آلية تحركها.

كما تم الزامها بعدم استقبال أي صهريج إلا بعد إبراز إيصال من المكب يثبت أنه طرح حمولته فيه، وذلك تحت طائل فرض غرامات على المصانع التي تخالف هذه التعليمات.

وان كان هذا يمثل حلا للمياه العادمة الخاصة بالمصانع، فانه ليس كذلك بالنسبة للبيوت التي تواصل بعض الصهاريج القاء حمولاتها منها في المناطق القريبة من الاحياء.

مخاطر صحية وبيئية

يؤكد اختصاصي الطب العام حافظ السلفيتي ان المياه العادمة التي لا يتم التعامل معها بطرق صحيحة، تتسبب باضرارا كبيرة على صحة الانسان جراء ما تحمله هذه المياه من طفيليات وجراثيم.

ورغم ان السلفيتي رفض الجزم بان امراضا معينة يعاني منها مواطنون في البلدة هي نتيجة المياه العادمة، الا انه اكد في الوقت نفسه ان لا احد يستطيع استبعاد هذا الاحتمال.

وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للعلاقة المحتملة بين امراض موجودة في الضليل وبين المياه العادمة، هو نتيجة لعدم وجود دراسات الى الان حول الموضوع سواء من جهات رسمية او خاصة كما يقول السلفيتي.

ويشدد الطبيب الذي يدير عيادة في الضليل على ضرورة ايجاد حل لمشكلة المياه العادمة في البلدة "لان وضعها في هذا الشكل يعتبر مكرهة تؤثر على صحة الانسان والصحة العامة".

وفضلا عن المخاطر الصحية، فان المياه العادمة جاءت لتضيف عامل هدم اخر للبيئة في الضليل التي اصبحت جرداء بعدما كانت في يوم من الايام توصف بانها سلة خبز للاردنيين.

ويرجع البعض تسمية البلدة الى انها جاءت كناية عن الظلال الممدودة للاشجار على جانبي الوادي الذي تحمل البلدة اسمه.

وقد اسهمت عوامل كثيرة في تجريد الضليل من غطائها النباتي على مدى السنوات، ومن ابرزها الضخ الجائر لمياهها الجوفية.

فعمليات الضخ المتواصل واختراق بعض الآبار المحفورة للطبقات السفلى الحاملة للمياه الجوفية المالحة وتجاوز معدلات التغذية السنوية الطبيعية إلى استعمال مياه عالية الملوحة أدى إلى تملح مساحات كبيرة في هذه المنطقة.

وبالنسبة للمياه العادمة، فقد لعبت دورا اضافيا في تردي نوعية التربة بسبب ما تتضمنه من عناصر ثقيلة اثرت على امكانية زراعة الاراضي التي يتم تفريغ هذه المياه فيها.

مناشدات بلا جدوى

وقد عبر عدد كبير من أهالي الضليل ممن التقيناهم عن استيائهم من عدم وجود شبكة للصرف الصحي معتبرين ذلك من أبسط حقوقهم في العيش بعيدا عن الروائح والحشرات والقوارض التي تسبب الامراض.

وعلى مدى السنوات قامت بلدية الضليل بمخاطبة مختلف الجهات الرسمية من اجل ايجاد حل لهذه المشكلة عبر انشاء شبكة للصرف الصحي، ولكن دون جدوى كما يؤكد المهندس في البلدية ابراهيم البلوي.

وبحسب البلوي، فقد قدمت البلدية الى وزارة المياه عدة اقتراحات عملت عليها من خلال مهندسين مختصين لحل مشكلة الصرف الصحي التي تجاوز عمرها الزمني 20 عاما.

واوضح ان هذه الاقتراحات تتضمن الربط المباشر من الضليل الى محطة الخربة السمرا لمعالجة المياه العادمة غرب البلدة نظرا لقرب المسافة التي لا تتجاوز تسعة كيلومترات حيث هناك مجرى واد طبيعي لمياه الامطار بشكل انسيابي.

وكانت الاقتراحات والمطالبات تصطدم دوما بعائق التمويل، حيث ان الوزارة تؤكد دوما عدم وجود مخصصات مالية.

ومؤخرا لاحت بوادر مبشرة مع بروز مشروع تحدي الألفية لمحافظة الزرقاء والممول بمنحة اميركية بقيمة 275 مليون دينار.

ورغم مطالباتهم، الا ان اهالي الضليل لم يتلقوا الى الان اية وعود قاطعة بان يتم شمولهم بالمنحة التي تهدف الى تمويل مشاريع في قطاع المياه من خلال معالجة الفاقد منها والتوسع في خدمات الصرف الصحي في محافظة الزرقاء.