الخبز المدعوم علف للماشية في الاردن!

الرابط المختصر

عمّان - امال العطاونة - أعد هذا التقرير لصالح مشروع مضمون جديد للصحفيين

توجه عارف البراج الى تلة صغيرة من شوالات الخبز اليابس المكدسة عند مدخل حظيرة ماشيته في الضليل بمحافظة الزرقاء، وتناول احدها والقاه امام سيارته الديانا ثم راح يطحنه بعجلاتها جيئة وذهابا.

ولما اطمأن الى ان الخبز قد اصبح فتاتا ناعما، قام بخلطه مناصفة مع العلف الذي قفزت اسعاره الى مستويات قياسية في السنوات الاخيرة، ثم نثر الخليط امام ماشيته.

اعاد الكرة مع شوال اخر، وظل على هذه الحال الى ان اختفت تلة الشوالات التي كانت حصيلة يوم طويل من التجوال على "عملاء" احترفوا جمع الخبز اليابس وبيعه له ولغيره من مربي الماشية.

ويتنوع هؤلاء العملاء بين اشخاص مثل السبعينية ام محمد التي تجمع الخبز اليابس من الجارات وتجني 50 دينارا شهريا، وصولا الى ابو فالح الذي يربح الالاف من هذه التجارة.

لكن البراج، كمعظم مربي الماشية الصغار، يفضل الشراء من امثال ام محمد ممن يبيعون كيلو الخبز اليابس بنحو خمسة قروش، في حين يطلب التجار كأبو فالح ضعف هذا المبلغ.

ولأم محمد قصة مع مهنة جمع وبيع الخبز اليابس تكاد تتطابق مع قصص عشرات اخرين مثلها ممن دفعتهم الحاجة الى البحث عن سبل مبتكرة لتحسين معيشتهم.

وبحسب دائرة الاحصاءات العامة، فان في الاردن اكثر من 780 الفا يعيشون تحت خط الفقر، ويشكلون ما نسبته 13.3 بالمئة من عدد السكان البالغ نحو 6,5 مليونا. ويبلغ خط الفقر في المملكة 680 دينارا للفرد سنويا.

وتاتي نسب الفقر هذه مدفوعة بمعدلات البطالة التي وصلت الى 13,1 بالمئة بحسب الارقام الرسمية، في حين ان دراسات مستقلة تتحدث عن نسب تتجاوز 25 بالمئة.

نعمة وبركة

تقول العجوز ام محمد التي تسكن بيتا متواضعا على اطراف الضليل "لدي ثلاثة ابناء متزوجون وهم بالكاد يستطيعون الانفاق على اسرهم، وزوجي شيخ كبير لا يقوى على العمل، وليس لنا دخل سوى راتبه التقاعدي البسيط".

وتضيف لـ"مضمون جديد" انه "ومع الغلاء الذي ابتليت به البلاد، اصبح راتب زوجي لا يكفينا حتى منتصف الشهر، واشتدت بنا الحال حتى شعرت ان الدنيا قد اسودت في عيني".

تتابع قائلة "ذات مرة زارتني احدى الجارات التي تعلم بحالنا، وقالت لي وهي تنظر الى كيس خبز يابس ملقى عند بوابة البيت: ما رايك في ان تكسبي بعض الدنانير الاضافية بطريقة سهلة".

يومها اخبرتها الجارة ان هناك تاجرا يشتري كيلو الخبز اليابس بخمسة قروش، واقترحت عليها ان تجمع خبزها وخبز الجارات الذي يلقى في القمامة عادة، وان تبيعه الى ذلك التاجر.

تتذكر ام محمد تلك البدايات وتقول "لم اكن مرتاحة للفكرة. ولكنني غالبت نفسي ورحت ادور على الجارات واطلب منهن ان يعطينني خبزهن اليابس بدلا من ان يلقينه في القمامة، وتذرعت بانني اجمعه لقريب لي يربي بضعة رؤوس من الماشية ".

اول كمية باعتها كانت عشرين كيلو غراما، وقد نقدها التاجر ثمنها دينارا واحدا، واخبرها انه سيمر عليها كل خمسة ايام ليشتري ما يجتمع لديها من كميات.

تقول ام محمد "كان دينارا واحدا، ولكنه دينار سهل المنال. وقد قررت من حينها ان اكثف نشاطي حتى اجمع كميات اكبر، لاحصل على دنانير اكثر".

والان، تجني هذه المراة نحو خمسين دينارا شهريا. ورغم قلة المبلغ الا انها تبتسم راضية وتقول انه "نعمة وبركة، وقد اسهم في تحسين ظروفنا الى حد بعيد".

تجارة رابحة

ام محمد، وبحكم تقدمها في السن ولا تقوى على توسيع نطاق عملها خارج الحي، وبالتالي تظل الكميات التي تجمعها متواضعة نسبيا.

لكن غيرها، وهم بالعشرات، يستطيعون جمع اضعاف حصيلتها بفضل عربات او سيارات يسخرونها لهذه الغاية ويطوفون بها بين البيوت وعلى الحاويات وسواها من الاماكن التي يلقي فيها الناس فوائض خبزهم.

ويبلغ حجم انتاج المخابز في الاردن يوميا نحو 2000 طن، تذهب ما نسبته 30 بالمئة منها الى النفايات بحسب تقديرات غير رسمية، وذلك جراء الاستهلاك غير الرشيد وكذلك رداءة بعض الخبز المنتج الذي يجف سريعا.

وتقدم الحكومة 140 مليون دينار سنويا لدعم اسعار القمح حتى تبقي سعر كيلو الخبز عند مستوى 16 قرشا.

وبعض من ينشطون في سوق تجارة الخبز اليابس يعمل لحسابه الشخصي، حيث يقوم بجمعه وبيعه مباشرة لمربي الماشية، ويجني من ذلك ارباحا تتراوح بين 300 والف دينار شهريا. وقد اقام بعضهم عرائش على الطرقات وفي الاحياء وضع عليها لافتة تقول: "نشتري الخبز الناشف".

فيما الغالبية تكتفي ببيع حصيلتها لتجار يقومون بدور الوسيط بينها وبين المربين، وذلك لافتقارها للادوات التي تمكنها من تخزين ونقل الخبز الى المربين. ويقل معدل ربح من يعملون بهذه الطريقة عن 300 دينار شهريا، ولكنها تكون كفيلة برفدهم بمصدر دخل اضافي.

على ان هناك فئة ثالثة حولت هذه التجارة الى عمل مؤسسي ضخم عبر نسج شبكة من الاتفاقات مع تجار صغار تشتري منهم ما يجمعونه من كميات عبر جهودهم الذاتية او من عمليات الشراء من الافراد الذين امتهنوا جمع وبيع الخبز اليابس.

واعمال هؤلاء تقدر بعشرات الالاف، كما يؤكد مربي الماشية عارف البراج بحكم خبرته في السوق.

ويقول البراج لـ"مضمون جديد" ان بعض التجار الكبار بات يملك مخازن متعددة تتوزع في عدة مواقع في مدن الزرقاء والضليل والمفرق، ويعمل لديه كادر من الموظفين والعمال يعد بالمئات. وهو يتعامل خصوصا مع كبار مربي الماشية.

وكانت سوق الخبز اليابس قد شهدت دفعة قوية جدا قبل نحو خمس سنوات عندما تاسست جمعية راحت تشغل ربات البيوت لحسابها.

وقد بلغ عدد من شاركن في المشروع سبعين الفا، بحسب الجمعية التي قدر حجم عملياتها بمئات الوف الدنانير، لكنها لم تلبث ان تعثرت بعدما لاحقتها تهم بالفساد.

بديل عملي

بعض المربين يتحدث عن ان الحجم الكلي لسوق تجارة الخبز اليابس لغايات اطعام الماشية يصل الى عشرات الملايين.

ربما تكون في ذلك بعض المبالغة، ولكنهم يحاولون من ذلك لفت الانتباه الى حقيقتين: اولاهما الفقر والبطالة التي تضطر اعدادا كبيرة للعمل في هذه السوق، وثانيتهما ارتفاع سعر العلف الذي دفع بالمربين الى التهافت على الخبز اليابس كبديل.

ويصل سعر علف الأبقار الى 206 دنانير للطن الواحد، فيما يبلغ سعر علف الأغنام 160 دينارا.

وتقدم الحكومة دعما قدره 40 مليون دينار لاسعار الاعلاف التي تبلغ حاجة البلاد منها 2,4 مليون طن سنويا، يستورد 80 بالمئة منها من الخارج.

وتقدر الثروة الحيوانية في الاردن بنحو ثلاثة ملايين راس من الضان والماعز، و56 الفا من الابقار.

وكما يؤكد ابراهيم ابو محارب، وهو احد تجار الماشية في منطقة الضليل، فان الخبز اليابس "بديل عملي، من حيث انه ارخص من الشعير بكثير اضافة الى انه يتضمن قيمة غذائية عالية تعوض عن المواد التي اصبحت تسحب من الشعير لغايات تصنيع المشروبات".

وهو يشير بذلك الى مشروبات الشعير الكحولية والاخرى الخالية من الكحول، والتي باتت تلقى رواجا وتتسع صناعاتها باضطراد.

لكن ابو محارب يقول لـ"مضمون جديد" انه لا يقوم باطعام الماشية الخبز اليابس وحده كما يفعل بعض المربين، لانه "يتسبب في رفع نسبة الشحوم في الماشية ويزيد من اوزانها بشكل يخدع المشترين".

وبالتالي فهو يقوم بخلطه مناصفة مع الشعير والاعلاف من باب "مخافة الله".

حسبة بسيطة

ويسوق ابو محارب حسبة بسيطة لتوضيح مدى الفائدة المادية التي يجنيها هو وبقية المربين من الخبز اليابس.

يقول "نحن نشتري كيلو الخبز اليابس من الناس بما بين ثمانية وعشرة قروش. وقد كنا في السابق نشتريه بما بين اربعة وخمسة قروش. ومع ذلك، ورغم ارتفاع السعر تبعا لارتفاع اسعار الشعير وازدياد الطلب عليه، الا انه يظل رخيصا".

ويضيف "عندما نقوم بخلط الخبز اليابس مع الشعير، فاننا نخفض بذلك من قيمة كلفة اطعام الرأس الواحد من الحلال من عشرة دنانير شهريا الى خمسة او ستة دنانير. بمعنى اننا نوفر النصف عما لو كنا سنستخدم الشعير وحده".

ولكن اذا كان الامر كذلك، فلماذا ترتفع اسعار الماشية باضطراد؟ يجيب ابو محارب العارف بكواليس هذه التجارة "سبب ارتفاع اسعار الماشية هو عمليات التصدير الواسعة التي لا تبقي سوى القليل للسوق المحلية، اما اسعار الاعلاف، فلا تلعب اي دور وليست لها علاقة".

وبلغ عدد الخراف الحية التي تم تصديرها لدول الخليج العربي خلال عام 2010 نحو 240 الف رأس. وقد تسبب ذلك في رفع سعر الخروف الحي محليا الى ارقام تجاوزت 220 دينارا.

للبيئة نصيب

هناك جانب اخر لسوق تجارة الخبز لا يقل اهمية عن التشغيل والارباح التي يجنيها من يجمعون ومن يتاجرون ومن يشترون، وهذا الجانب متعلق بالبيئة كما يؤكد خلف العقلة مدير بيئة اربد لـ"مضمون جديد".

يقول العقلة "جمع الخبز اليابس يعتبر جزءا لا يتجزأ من عمليات اعادة تدوير النفايات الصلبة. ونحن عندما نقوم بتدوير هذه النفايات فاننا نخفف الضغط على المكبات ونطيل عمرها، فالتي صممت منها لتخدم عشرين سنة، تصبح صالحة لثلاثين او اربعين".

وتقدر كميات النفايات الناتجة عن المنازل في الاردن يوميا بنحو 6 الاف طن، وبواقع حوالي 9.0 كغم للفرد يومياً في المدن و8.0 كغم للفرد في قرى المملكة.

ويتابع العقلة "النفايات تعتبر ثروة للاقتصاد. وفي ما يتعلق بالخبز اليابس، فان اعادة تدويره تخفف الاعتماد على الموارد الاخرى كالاعلاف. كما ان سوق تجارته تسهم في مكافحة الفقر والبطالة وتشغل ايدي عاملة كثيرة

وخلص العقلة الى القول ان "تجفيف الخبز مشروع بيئي ناجح، ونتمنى ان لا تبقى سوقه على مستوى افراد، بل ان يصبح عملا منظما تشارك فيه جميعات وهيئات تعمل في اطار مؤسسي وبناء على دراسات جدوى".